المجلس الأعلى للدولة في ليبيا
المجلس الأعلى للدولة، مؤسسة تنفيذية وهيئة استشارية أُسّست في ليبيا بعد اتفاق الصخيرات (مدينة مغربية احتضنت جولات من الحوار السياسي الليبي)، الذي وقع في ديسمبر/كانون الأول 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف وضع حدّ للصراع والانقسام السياسي في البلاد.
هو أعلى مجلس استشاري للدولة يعمل باستقلالية وفقًا للإعلان الدستوري المعدّل، وبناء على اتفاق الصخيرات والتشريعات الليبية النافذة، وله الشخصية القانونية الاعتبارية، والذمة المالية المستقلة.
التأسيس والنشأة
تأسّس المجلس الأعلى للدولة استنادًا إلى الاتفاق السياسي الموقّع في مدينة الصخيرات المغربية بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، ودخل حيّز التنفيذ بعد التوقيع عليه من طرفي الحوار، وفقًا لنصّ المادة (67) من الاتفاق السياسي، حيث عقد المؤتمر الوطني العام -أول برلمان بعد ثورة فبراير/شباط 2011- جلسته الأخيرة في الخامس من أبريل/نيسان 2016، التي أُجرى فيها التعديل الدستوري العاشر، الخاصّ بتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري وفقًا للمادة (65) من الاتفاق، وبهذا تحوّل "المؤتمر الوطني العام" إلى صفته الجديدة "المجلس الأعلى للدولة".
وقد شهدت الإجراءات التنفيذية لتأسيس المجلس انتخاب أول رئيس له، وهو النائب عن مدينة مصراتة عبد الرحمن السويحلي، ونائبيه ومقرّر المجلس، واعتماد لائحة النظام الداخلي للمجلس وموازنته العامة، وتشكيل لجان متخصصة دائمة تنفيذًا لنصّ الاتفاق السياسي والنظام الداخلي للمجلس، واعتماد هيكله التنظيمي في أولى جلساته في العاصمة طرابلس في السادس من أبريل/نيسان 2016.
بعد عام، وحسب اللائحة الداخلية، أجرى المجلس انتخابات جديدة لمكتب الرئاسة، حيث حظي رئيسه عبد الرحمن السويحلي بولاية ثانية، قبل أن يستمر خالد المشري في منصب الرئيس لخمس ولايات متتالية بدأت في الخامس من أبريل/نيسان 2017 وحتى انتخاب الرئيس الحالي محمد تكالة في السادس من أغسطس/آب 2023.
التعريف والمكونات
يعرّف المجلس الأعلى للدولة نفسه بأنه "مؤسسة وطنية تسعى للوصول بليبيا إلى الاستقرار أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، بالتعاون مع شركائه في الوطن لتحقيقها، من خلال التمسك بالمسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، والسعي لتعزيز الشراكة الفاعلة مع الأطراف الدولية لتحقيق الأمن والاستقرار إقليميًا ودوليًا".
المجلس الذي نصّ الاتفاق السياسي على انعقاده بعدد 141 عضوًا من أصل 200، تحفّظ عدد منهم على بنود الاتفاق وقاطعوا الجلسات، ومنهم من استقال بحكم انتهاء المدة القانونية المحددة لعمل المؤتمر الوطني العام.
ويمثّل 65% منهم المستقلون، في حين يمثّل 12% حزب تحالف القوى الوطنية (ليبرالي)، و11% حزب العدالة والبناء (إسلامي)، في حين يتوزّع بقية الأعضاء على العديد من الأحزاب والتحالفات الصغيرة، التي لا يتعدّى نسبة تمثيل كل منها 1%، ويمثّل كل هؤلاء 13 دائرة انتخابية رئيسية.
تجاذبات ومناكفات
يختصّ المجلس بدراسة واقتراح السياسات والتوصيات اللازمة لدعم تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي، ودعم الوحدة الوطنية، ودعم جهود المصالحة الوطنية والسلم الاجتماعي.
يعدّه أنصاره الأكثر تمثيلًا لقوى ثورة 17 فبراير/شباط، و"المدافع عن مبادئ الثورة"، التي أسقطت نظام العقيد معمر القذافي في 2011، في حين يصنّفه خصومه على أنه "ممثّل للإسلام السياسي"، الأمر الذي أدخله في دوّامة من المناكفات السياسية مع نظيره في الاتفاق السياسي (مجلس النواب)، المنعقد في طبرق شرقًا.
ففي حين بادر المجلس فور تشكيله إلى دعم المجلس الرئاسي المنبثق عن الاتفاق السياسي وحكومة الوفاق الوطني التابعة له لمباشرة مهامه من داخل العاصمة طرابلس، سعى مجلس النواب إلى الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السرّاج، وشكّل حكومة موازية تعمل من مدينة البيضاء شرقًا.
وفي 2019 شهدت العلاقة بين المجلسين ذروة التوتر، بعد مباركة مجلس النواب في طبرق زحف قوات خليفة حفتر للهجوم على العاصمة طرابلس والسيطرة عليها، في حين وقف المجلس الأعلى للدولة في صفّ المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني.
وفي تلك الفترة، توقّفت كل الحوارات بين المجلسين بشأن الدستور والقوانين الانتخابية، بعد أن أعلن حفتر تجميده العمل بالإعلان الدستوري والاتفاق السياسي للمرة الثانية، بعد هجومه على بنغازي في 2014، التي عارضها المجلس الأعلى للدولة -أيضًا- في حينها وباركها مجلس النواب.
ورغم الموقف السلبي للمجلسين من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومجلسها الرئاسي الذي يقوده محمد المنفي، فإنهما لم يصِلا إلى أيّ توافقات تُذكر بخصوص إنهاء المراحل الانتقالية، والتمهيد لانتخابات برلمانية ورئاسية برعاية البعثة الأممية في ليبيا.