بابلو إسكوبار.. بارون المخدرات الكولومبي

بابلو إسكوبار، يعرف أيضا باسم "المعلّم"، ولد عام 1949، وهو تاجر مخدرات كولومبي أدخل بلاده في دوامة من العنف راح ضحيتها آلاف الأشخاص، في محاولة منه لفرض سيطرته على سوق المخدرات، كوّن ثروة طائلة من هذه التجارة مما جعله مطاردا من طرف عديد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في العالم، حتى قتلته السلطات الكولومبية عام 1993.

بشعاره "بلاتا أو بلومو" (Plata o Plombo)، والذي يعني "خذ الرشوة وإلا ستموت برصاصة"، بنى إمبراطوريته على الفساد والعنف الذي أدى إلى مقتل أكثر من 10 آلاف ضحية، بما في ذلك ضباط شرطة وقضاة وموظفو دولة وصحفيون، فضلا عن اغتيال وزير العدل والمرشح الرئاسي للبلاد سنة 1989 لويس كارلوس جالان.

المولد والنشأة

ولد بابلو أميليو إسكوبار غافيريا في 1 ديسمبر/كانون الأول 1949 في مدينة ريونيغرو الكولومبية لأب يمتهن الزراعة ويدعى أبيل دو خيسوس داري إسكوبار، وأمّ كانت تعمل في التدريس وهي هيميلدا غافيريا.

تزوّج سنة 1976 من ماريا فيكتوريا هيناو وأنجب ولدا سمّاه خوان بابلو إسكوبار وبنتا تدعى مانويلا إسكوبار.

مهرب المخدرات بابلو إسكوبار وزوجته ماريا فيكتوريا عام 1983 (غيتي)

عالم الجريمة

كان يحلم بالثروة منذ طفولته، ولذلك انقطع عن التعليم في سن المراهقة نظرا للوضع المادي المتردّي الذي كانت تعيشه عائلته البالغ عدد أفرادها تسعة، لتتلقفه شوارع مدينة ريونيغرو حيث بدأ أولى خطواته في عالم الجريمة عن طريق سرقة شواهد الأضرحة والعنف من أجل السلب.

مع بلوغه سن 22 عاما وتحديدا سنة 1971، انضم إلى عصابة المجرم الكولومبي الخطير "أوسكار برنال أغيرو"، الذي أقحمه في جرائم تزوير وبيع بطاقات ألعاب الرهان وسرقة السيارات الفخمة وبيع السجائر المهرّبة، إضافة إلى عمليات النصب والاحتيال اليومية في شوارع مدينة ميدلين.

بنيته الجسدية القوية وممارساته الإجرامية جعلته بضاعة رائجة يحاول رؤساء العصابات استمالتها للعمل لحسابهم مثل عصابة ألفارو برياتو، وتمكن عام 1972 من اختطاف شخصية ذات نفوذ في مدينة ميدلين ثم أطلق سراحها مقابل فدية دفعتها عائلتها قدّرت بـ100 ألف دولار، وهو المبلغ الذي أتاح له تطوير نفوذه في عالم الجريمة وتجارة الممنوعات.

بابلو إسكوبار سلك طريق الإجرام وحصد ثروة طائلة بسرعة (الفرنسية)

سيطرة على تجارة المخدرات

سيطر إسكوبار في منتصف السبعينيات من القرن العشرين على تجارة المخدرات في مدلين الكولومبية، وأحاط نفسه بمئات الأوفياء من الأصدقاء والأقرباء من ذوي السوابق وأطلق على عصابته اسم "سيكاريوس".

استغل إسكوبار الطبيعة الجغرافية لكولومبيا، التي تغطي الغابات ثلثي مساحتها، لمصلحة نشاطاته، حيث أجبر الفلاحين على تغيير أنشطتهم المرتبطة بنبتة "الكوكا المخدّرة" من الزراعة إلى الزراعة والتصنيع عن طريق تركيز العشرات من المخابر العشوائية السرية، التي يقومون فيها بتحويل النبتة إلى عجين مخدّر الكوكايين، مستعينا في ذلك بخبراء المعامل الكيميائية.

مع ازدهار تجارته طوّر بابلو إسكوبار وسائل نقل المخدرات نحو الولايات المتحدة، التي اعتبرها سوقا مثالية لمخدّر الكوكايين، وذلك عن طريق استعمال الطائرات من كولومبيا نحو بنما، ومنها نحو ولايات أميركا مثل كاليفورنيا وجنوب فلوريدا.

حملت طائراته في رحلاتها ما يعادل 11 طنا من المخدرات في الرحلة الواحدة، مما دفعه مجددا إلى تطوير مسالك التوزيع والإمكانيات اللوجيستية الملائمة لازدهار نشاطاته، فأشرف في منتصف الثمانينيات على تصنيع غواصتين مسيّرتين عن بعد لإيصال الشحنات.

أصبحت عصابة ميدلين ورئيسها إسكوبار تسيطر على كثير من مسالك توزيع وتجارة المخدرات في الولايات المتحدة وإسبانيا والمكسيك وجمهورية الدومينيكان وفنزويلا وبورتوريكو ودول أخرى في أوروبا، وتواترت أنباء عن وصول شبكته إلى آسيا أيضا.

مواجهة الدولة

سنة 1975 وفور عودته من الإكوادور ألقي عليه القبض رفقة مجموعة من رجاله وبحوزتهم 39 رطلا من مادة الكوكايين المخدّرة، ومع فشل محاولاته العديدة في رشوة القضاة لتبرئته من التهم التي وجهت له، كلّف أذرعه باغتيال الشرطيين اللذين ألقيا عليه القبض، وبذلك سقطت جملة التهم الموجهة ضده وتمكن من مغادرة السجن.

في عام 1982، انتخب لعضوية مجلس النواب في البرلمان الكولومبي وانتمى لفترة وجيزة إلى الحزب الليبرالي في كولومبيا، وبذلك مكّنه جواز سفره الدبلوماسي من زيارة الولايات المتحدة الأميركية، كما مثّل بلاده في مراسم تتويج فيليبي غونزاليس رئيسا لوزراء إسبانيا.

راج أيضا أن إسكوبار كان من داعمي مقاتلي "حركة 19 أبريل/نيسان" اليساريين (إم -19) الذين اقتحموا المحكمة العليا الكولومبية عام 1985، واغتالوا العديد من قضاة المحكمة وأتلفوا السجلات والوثائق في وقت كانت تستعد فيه للنظر في معاهدة تسليم المجرمين بين كولومبيا والولايات المتحدة، والتي كانت ستسمح للبلاد بتسليم أباطرة المخدرات إلى واشنطن لمحاكمتهم.

لمنع القبض عليه وإرساله وأمثاله للمحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية، أعلن بابلو الحرب على النظام والسلطة الكولومبية وعلى كل داعمي مشروع قانون التعاون الكولومبي-الأميركي عن طريق إرشاء السياسيين والقضاة والمسؤولين الحكوميين وقتل كل من توعّده بالمحاكمة.

في نوفمبر/تشرين الثاني 1989 اتهم بمحاولة اغتيال مرشّح الرئاسة سيزار غافيريا، عن طريق تفجير طائرة الخطوط الكولومبية في رحلتها رقم 203 (Avianca 203)، مما أدى إلى مقتل جميع الركاب والطاقم والبالغ عددهم 103 أشخاص.

في ديسمبر/كانون الأول 1989 وفي فترة أعياد الميلاد اتهم بتفجير مبنى المخابرات الكولومبية وسط العاصمة بوغوتا عن طريق زرع عبوات ناسفة يقدّر وزنها بـ500 كيلوغرام من المتفجرات، مما أدى إلى مقتل 89 شخصا من موظفين ومارة في الشارع.

سنة 1992 بلغ عدد القضاة الذين اغتالتهم عصابة إسكوبار 70 قاضيا ممن حاولوا تتبعه قضائيا في جرائم القتل والاغتيال التي وقف وراءها في معركته مع السلطة.

بابلو إسكوبار أجبر الفلاحين على تغيير أنشطتهم في زراعة نبتة "الكوكا المخدرة" ليبدؤوا تصنيع الكوكايين (شترستوك)

إمبراطورية إسكوبار

شيّد بارون المخدرات عقارا ضخما على مساحة 5 آلاف هكتار في بورتو تريونفو وأطلق عليه تسمية "هاسيندا نابوليس" بها 6 حمامات سباحة و14 بحيرة اصطناعية وإسطبلات لتربية خيول السباق ومزرعة تحتوي على 100 ألف شجرة فاكهة وحديقة حيوانات خاصة بها قرابة ألفي نوع من الحيوانات ويعمل فيها أكثر من 700 عامل وموظّف.

يشبّهه الكثيرون من سكان مدينة ميدلين بـ"روبن هود كولومبيا" نظرا لتمويله بناء مئات المنازل والكنائس والحدائق العامة، إضافة إلى ملاعب كرة القدم والمستشفيات في الأحياء الفقيرة غرب كولومبيا.

سنة 1989، بلغ عدد عمال مزارع المخدرات وأفراد العصابة 750 ألف فرد، واعتبرته الأجهزة الأمنية الكولومبية مسؤولا عن 80% من كميات الكوكايين المتداولة في العالم، والتي كانت تدرّ عليه أرباحا سنوية ناهزت 6 مليارات دولار مقابل توزيعه 350 طنا من مخدّر الكوكايين سنويا.

ذكر روبرتو إسكوبار، وهو شقيق بابلو ومدير حساباته، في كتابه "حكاية محاسب داخل العالم العنيف لعصابة ميدلين" أنه كان يشتري شهريا ما قيمته 2500 دولار من الأربطة المطاطية التي تستعمل لربط حُزم الأموال المتأتية من تجارة المخدرات.

وأضاف أن إمبراطورية شقيقه كانت تفقد سنويا ما يعادل 10% (من معدل أرباح سنوي مقدّر بـ6 مليارات دولار) من عائداتها نتيجة الأمطار والحشرات والقوارض التي تتسلل إلى مخازن الأموال التي لم تكن قادرة على استيعاب وحفظ كامل المبالغ المودعة داخلها.

فرض إسكوبار على جميع تجار المخدرات في كولومبيا ضريبة حماية تراوحت بين 20% و35% من عائدات أنشطتهم وأعدم كل من رفض الانصياع لهذه الأوامر.

من عام 1987 إلى 1993، كان على قائمة مجلة فوربس للمليارديرات، واحتل المرتبة السابعة في عام 1989.

عام 1989 اتهم إسكوبار بمحاولة اغتيال مرشّح الرئاسة سيزار غافيريا عن طريق تفجير طائرة الخطوط الكولومبية (غيتي)

بداية النهاية

عام 1991، طاردته السلطات الكولومبية ثم تفاوضت معه وأقنعته بتسليم نفسه مقابل التزامها بعدم تسليمه إلى الولايات المتحدة الأميركية والحكم عليه بعقوبة سجن مخففة مدتها 5 سنوات مع السماح له ببناء سجن خاص به لقضاء فترة العقوبة وهو ما قام به فعليا عن طريق بناء سجن أطلق عليه تسمية الكاتدرائية، وهو عبارة عن إقامة فخمة ومريحة لملك الكوكايين إسكوبار يشرف من داخله على تسيير نشاطاته الإجرامية وينظم فيه جلسات مجون ويستقبل فيه أيضا أصدقاءه وعائلته.

سنة 1992 أثارت ظروف سجن بابلو إسكوبار موجة من الانتقادات والسخرية طالت الحكومة والأجهزة الأمنية، واعتبر كثيرون أن السماح لمجرم مثله بالإقامة في "سجن خاص" دون رقابة جدية فضيحة دولة بكل المقاييس.

ضغط الشارع ومثقفي البلاد جعل الرئيس الكولومبي آنذاك سيزار غافيريا، يتدخل لاحتواء الأزمة، مما دفع الحكومة لإصدار أمر بوضع إسكوبار في سجن حقيقي.

رفض إسكوبار هذا القرار ولم تمض 24 ساعة حتى هرب صحبة 13 عنصرا من أتباعه خارج أسوار سجنه الخاص "الكاتدرائية"، مما دفع بالحكومة إلى الإعلان عن مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لكل من يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.

حاولت عائلته مغادرة البلاد لكن العديد من الدول الغربية رفضت استقبالهم، وبضغط من الولايات المتحدة أعادتهم ألمانيا إلى الأراضي الكولومبية بعد أن كانت قد قبلت طلبهم في اللجوء، ومن ثم قبض عليهم من طرف الشرطة الكولومبية وعرضوا أمام عدسات المصورين والمحطات التلفزية، ثم وضعوا قيد الإقامة الجبرية في فندق تحت حراسة مشدّدة في انتظار أن يرتكب إسكوبار خطأ ما في محاولة الاتصال بهم.

إسكوبار شيد عقارا ضخما على مساحة 5 آلاف هكتار في بورتو تريونفو وأطلق عليه تسمية "هاسيندا نابوليس" (شترستوك)

حاولت بعض العصابات التي تدين له بالولاء القيام بأعمال تخريبية وهجمات على الفندق الذي وضعت فيه عائلة إسكوبار إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، مما جعله يعيش من مخبئه حالة من الضغط النفسي الشديد.

رغم الترسانة التكنولوجية التي وضعت على ذمة الوحدات الأمنية المختلفة المكلّفة بالقبض على إسكوبار، فقد حالت تحركاته السريعة والدقيقة دون ذلك، مما وضع القيادة الأمنية في مواقف محرجة في عدد من المناسبات جراء إخفاقاتها المتتالية.

تكرر فرار إسكوبار في اللحظات الأخيرة، مما عزّز فرضية وجود خيانة في صفوف الفريق المكلف بالمطاردة، ليتم التركيز على تصرفاتهم المشبوهة في علاقتهم بالمعلومات الواردة من أنحاء المدينة، والتي كانت تؤمنها طائرات مسيّرة وأجهزة تنصت والتقاط البصمات الصوتية، وكشف عن الشرطي الخائن الذي كان يتلقى مبالغ مالية من البارون نظير خدماته.

مقتل إسكوبار

مع انقطاع شريان المعلومات الذي كان يمثله الشرطي الخائن أصبح إسكوبار معزولا عن التحركات التي تترصده، وفي الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1993 رصدت مكالمة هاتفية كان يجريها، فقامت على إثرها الوحدات بعملية مداهمة لأحد المنازل في مدينة ميدلين أدت إلى مقتله برصاصتين واحدة أصابته في الظهر والأخرى اخترقت أذنه، لتنتهي مسيرة إمبراطور الكوكايين.

المصدر : مواقع إلكترونية