إبراهيم علي العطار.. بطل مسلم أنفق كل ثروته على حماية مملكة غرناطة

إبراهيم علي العطار، المصدر: مينستو
إبراهيم علي العطار أنشأت له إسبانيا نصبا تذكاريا تكريما لتاريخه (مينستو)

إبراهيم علي العطار قائد جيش غرناطة، ووالي بلدة لوشة غرب غرناطة، اشتهر بمحاربته القشتاليين في الأندلس، وعرف بشجاعته وإقدامه حتى وصفته الوثائق الإسبانية بـ"القائد الأسطوري"، وخلدت إسبانيا ذكراه بنصب تذكاري له في لوشة، اتجه لقتال النصارى في بلدة اليُسَانَة بأمر من آخر سلاطين بني الأحمر أبو عبد الله محمد الثاني، واستشهد في "معركة اليسانة" عام 1483.

تناقلت الروايات التاريخية قصصه وأخباره وتاريخه، واختلفت المرويات عنه ونقلت عنه أحداثا أصبحت وقائع في الأساطير الإسبانية، فقد نُسبت له وظائف كثيرة اختلفت من جنرال إلى تاجر ثري وحارس وحتى الخادم الأول لقصر الحمراء.

الولادة والنشأة

لم يثبت أو يصح شيء عن تاريخ ولادته، لكن يرجح أنه ولد في بداية القرن 15، إذ يُقدر أنه استشهد وهو في الـ80 من عمره.

بدأ الشريف رحلة حياته تاجرا متواضعا للتوابل، وسرعان ما بدأ يجمع ثروته تدريجيا، وساعدته مهاراته العسكرية وإتقانه استعمال السيف أن يتولى منصب والي لوشة عام 1470.

برز اسمه في معركة إل مادرونو يوم 11 أبريل/نيسان 1462، والتي شارك فيها بجانب أبو الحجاج يوسف الخامس لإعادة العرش له، وهكذا اشتهر هو وسيفه عند المسيحين نظرا لأدائه المبهر والشجاع.

Granada, Spain - February 26, 2022: The former cinema building of Aliatar located on the Recogidas street in Granada, Spain.
شارع علي العطار في غرناطة بإسبانيا (شترستوك)

علاقته مع الأسرة الحاكمة

كانت تربطه علاقة بآخر سلاطين بني الأحمر من ملوك غرناطة أبو عبد الله محمد الثاني الصغير، فقد تزوج الأمير من ابنته مريمة، حيث تعرف عليها بعد إحدى المعارك، فطلبها من أبيها عام 1482 وهكذا توطدت علاقتهما أكثر.

ورغم غناه، فإنه عاش حياة متواضعة وورثت عنه ابنته طبعه هذا، ورغم كل الثروة التي امتلكها فإنه عند زواج ابنته لم يجد ما يجهزها به، فقد أنفق كل ثروته على حماية مملكة غرناطة، حتى قال المؤرخ الإسباني فوينتي ألقنطرة "إن العطار لم يجد في عرس ابنته مريمة ما يجهزها به سوى ملابس وجواهر استعارتها من صديقتها".

التجربة العسكرية

الحرب الأهلية في لوشة

كان أبو عبد الله محمد الثاني الصغير ابن عائشة الحرة، الزوجة الأولى للسلطان أبو الحسن بن سعد حاكم غرناطة، وقد حاولت عائشة الدفاع عن ابنها وملكه أمام تهديد أبناء الزوجة الثانية التي أُسرت عند الملك ثم أسلمت وغيرت اسمها من إيزابيلا دي سوليس إلى ثريا الرومية.

كان أبو الحسن يعشق زوجته الثانية لدرجة جعلته يقدم أبناءها لتسلّم مقاليد الحكم بتأثير منها، وحاولت استمالته والتأثير عليه لطرد عائشة وأبنائها لتخلو لها الساحة.

في ظل الوضع المتوتر الذي كانت تعيشه المنطقة إثر هذه الصراعات، تحالفت عائشة الحرة مع عشيرة بنو سراج، التي كانت تكره الملك كرها شديدا، فاستطاع ابنها أبو عبد الله الصغير بمساعدتهم في شتاء عام 1482 السيطرة على مدينة غرناطة، ومنها بدأت ملامح الحرب الأهلية بين الأب وابنه.

في ذلك الوقت كان العطار شديد الولاء للأسرة الحاكمة وخاصة لأميره أبو عبد الله، حيث كان بمثابة يده اليمنى التي تفتتح له شمال غرناطة وتدخل في معارك طاحنة تثبيتا لملكه، وكان بمثابة الورقة الرابحة لأبي عبد الله، فهو الفارس الذي أرهب القتشاليين، حتى حيكت حوله الأساطير.

كان إبراهيم العطار واليا على مدينة لوشة (التي يطلق عليها مفتاح الوادي أيضا)، وكانت حينها منطقة عسكرية إستراتيجية لاعتبارها عاصمة غرناطة، وآخر معاقل المسيحيين في المنطقة، وبسبب ذلك حصّنها بعدد كبير من المحاربين المغاربة المعروفين بصلابتهم وقوتهم وشجاعتهم.

أبو عبد الله محمد الثالث الصغير
أبو عبد الله محمد الثالث الصغير كانت تربطه علاقة مصاهرة مع علي العطار (الجزيرة)

من الدفاع للهجوم

حاول الملك فرديناند الخامس الاستفادة من هذه الحرب الأهلية لصالحه، فجعل قلعة بريغو دي قاعدة انطلاق جيشه.

وفي يوليو/تموز 1482 انطلق جيش الكاثوليكيين إلى لوشة، مكونا من فرسان قلعة رباح (أول مليشيا عسكرية تتكوّن في مملكة قشتالة) ومن عدد من الفرسان المعروفين أمثال بيدرو فرنانديز ومعه 5 آلاف جندي و10 آلاف جندي مشاة، مع مدفعية من أجل الحصار وآلاف العمال لحفر الخنادق وبناء الجدران.

بدأ القشتاليون في بناء معسكراتهم على ضفاف نهر غرناطة (شنيل) في منطقة مليئة بالمنحدرات والبساتين والوديان، مما شكّل تحديا أمامهم في اختيار أماكن الجنود والمناورة.

قبل أن يتمكن القشتاليون من تحديد أماكنهم، أغار عليهم العطار بشكل مفاجئ فاستطاع هزيمتهم وأجبرهم على التراجع بعد أن فض صفوفهم، واستولى على أسلحتهم، وأوقع بينهم قتلى كثرا من بينهم كبار الجيش وقادتهم.

شكلت هذه المعركة نقطة تحول لجيش العطار من الدفاع عن لوشة إلى الهجوم وفتح الحدود القشتالية الشمالية، وبالنسبة لأبي عبد الله كانت ضربة لصالحه أمام محاولات والده التمدد وحكم تلك المناطق الحدودية. وبالتأكيد زادت هذه المعركة من هيبة العطار والفرسان المغاربة (الذين يوصفون في المصادر الإسبانية بالذين لا يقهرون) أمام القشتاليين.

استطاع جنود العطار الاستيلاء على قلعة كاركابوي، بينما تراجع القشتاليون لحماية حدودهم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني لاحظ أحد خدم بيدرو غوميز مجموعة كبيرة من الجنود مختبئين في منطقة قريبة من مدينة قَبرَة، فذهب لإعلام مرؤوسه.

خرج بيدرو للتأكد إذا ما كان الجنود تابعين لهم أم مسلمين، لكن الغرناطيين حاصروه حتى وقع أسيرا في أيديهم مع بعض جنده. ثم سلك العطار مع جنده طريقا ضيقا مخالفا تجنبا لمواجهة الحامية القشتالية.

كان الطريق الذي سلكه المسلمون زلقا خطيرا بسبب الأمطار الغزيرة في المنطقة، فترجلوا عن خيولهم وساروا بحذر، وترأس القافلة العطار ومعه أسيره بيدرو، وبقيا يتبادلان أطراف الحديث حتى لم يلاحظ تقدمهما على بقية المجموعة وانفصالهما عنها.

استغل بيدرو ابتعادهما عن باقي الجنود، فدفع العطار ليسقط أسفل جسر في المنطقة، في مكان سحيق ذي نباتات كثيفة، ولحقه بيدرو وبقي يتصارع معه حتى انتزع منه خنجره ووضعه على رقبته مهددا إياه بالصمت وإلا سيقتله.

Copyright has expired on this artwork. From my own archives, digitally restored. Ferdinand II of Aragon (10 March 1452 – 23 January 1516).
فرديناند الخامس حاول الاستفادة من الحرب الأهلية في غرناطة في محاولة للاستيلاء عليها (غيتي)

أسطورة "معبر المغربي"

أضحى العطار أسيرا عند بيدرو الذي اقتاده بعيدا عن أعين الغرناطيين، وفي هذه الأثناء كان قد وصل خبر لحاكم قبرة فجهز جيشه ولحق الجيش الغرناطي، حتى لاقاه في معركة شرسة، انتصر فيها القشتاليّون وحرروا أسراهم.

لم يتوقف جيش المسلمين عن البحث عن قائده، فعاد وأكمل دوريته، وتجنبا لملاقاتهم حاول القشتاليون الاختباء، ثم خرجوا بحثا عن طريق للفرار عائدين لمدينتهم.

وفي طريق العودة، التقى جيش قبرة القشتالي ببيدرو وأسيره العطار، وأكملوا طريقهم معا، قبل أن يتوقفوا أمام واد صعب عليهم عبوره من كل جهاته لارتفاع منسوب المياه فيه، وهنا بدأت أسطورة الفارس علي الطيار، فقد أتتهم المساعدة من يد شخص لم يتوقعوه.

أخبر العطار حاكم قبرة أنه يعرف طريقا آخر للعبور، وأنه اعتاد المرور منه بسبب غزواته المتكرر لقبرة، فتقدّمهم، حتى وصل واديا فيه نهر، عبره ثم لحقوه، وبعد أن وصلوا المدينة أطلقوا سراحه لما قدمه لهم، وأطلق على النهر الذي عبره "معبر المغربي" (El vado del moro).

جيش غرناطة
جيش غرناطة وصف في المصادر الإسبانية جيش المغاربة بالذي لا يقهر (الجزيرة)

سقوط لوشة.. "معركة لوسينا"

بعد عودة العطار إلى المدينة، بدأ تجهيز جيشه لغزو مدينة "اليسانة" (لوسينا) المسيحية، الواقعة شمال بلدة لوشة، ووقتها تمكن الغرناطيون من جمع أكثر من 7 آلاف رجل.

سميت المعركة أيضا مارتين غوانزاليس، وفيها تواجه جيش إمارة غرناطة مع القوات المسيحية القشتالية، ووقعت في أبريل/نيسان 1483.

كان أبو عبد الله الصغير قد جهز لهذه المعركة، بعدما رأى تقدم محمد الثالث عشر في قرطبة، لكنه لم يتوقع أنها ستكون بداية سلسلة انهيارات غرناطة.

يوم 20 أبريل/نيسان حاصر أبو عبد الله اليسانة تحت إشراف العطار، الذي كان خبيرا في أراضي جنوب قرطبة، وحقق سلسلة نجاحات متتالية ضد المسيحيين.

واجه جيش المسلمين ألكايد دي لوس دونسيليس، الذي استغاث بعمه ليأتي بجيشه من مدينة كابرا (في أيرلندا)، ووقتها نظم العطار جيشه ليدخل من الاتجاه الشمالي الغربي تجنبا لمواجهة القوات المسيحية.

نظرا لقلة عدد جيش المسلمين، اضطروا للانسحاب إلى ضواحي المدينة، لكن وقتها تلاقى الجيشان وبدأت المعركة.

بسبب الهجوم المفاجئ للقشتاليين انسحبت قوات أبي عبد الله بعشوائية، وقتل العطار وقتها بينما كان يحاول الدفاع عن أميره بسيفه، وحاول أبو عبد الله الفرار لكن حصانه علق في الوحل.

ورغم محاولته الاختباء، فإن الجنود لاحظوا أهميته من لباسه فاقتادوه أسيرا، ومن هنا كانت نقطة انهيار غرناطة التي سقطت في ما بعد بأيدي القشتاليين، بعدما خسرت المدينة فارسها الشجاع.

الوفاة

توفي علي العطار خلال معركة لوسينا عام 1483، واستولى على سيفه الجيش القشتالي، وبقي هذا السيف رمزا للشجاعة والمقاومة، حتى أقام الإسبان له نصبا في مدينته لوشة ليخلّد في تاريخهم "أسطورة".

المصدر : مواقع إلكترونية