برغواطة إمارة ظهرت في المغرب العربي وقادها رجل ادعى النبوة

خريطة إمارة برغواطة

هي إمارة ظهرت في المغرب العربي بين تجمّع من قبائل البربر في القرن الثاني الهجري، مؤسسها الأول هو طريف بن مالك الملقب بـ"البرغواطي" ونسبت إليه الإمارة، وأكمل صالح بن طريف بعد أبيه حكم الإمارة وأنشأ دينا جديدا لأتباعه وادعى النبوة وغيّر الشرائع الإسلامية وألف قرآنا جديدا لهم. 

وكانت نهاية الإمارة على يد المرابطين، إذ استأصل الأمير المرابطي أبو بكر بن عمر إمارة برغواطة وجمع أموالها وقسمها بين المرابطين.

تاريخ إمارة برغواطة

يكتنف تاريخ البرغواطيين كثير من الغموض، وذلك بسبب أن جل ما كتب عنهم كان بعد انقراض دولتهم والقضاء عليها نهائيا، ومن ثم تحققت على هذا التاريخ المقولة الشهيرة "ويل للمنهزم من قانون المنتصر ومن تاريخ المنتصر".

فالتاريخ الذي يكتبه المنتصر في أغلبه لا ينصف المنهزم، ولكن رغم ذلك ومع شح المصادر المكتوبة في عهدهم الذي كانت حضارته وثقافته شفوية أكثر فإن هناك إجماعا على أن دولة البرغواطيين كانت الأقوى من بين الدول المنشقة عن الخلافة الأموية في بدايات الفتح الإسلامي.

كانت فتوحات المسلمين حدثا فاصلا في تاريخ المغرب، فعلى عكس ما حصل مع المستعمرين السابقين من رومان وبيزنطيين ووندال فإن الأمازيغ المغاربة رحبوا بدين الفاتحين العرب وحاربوا الرومان في صفوفهم.

وكان أغلب البربر آنذاك مسيحيين على مذهب قس الإسكندرية آريوس الذي رفض مخرجات مجمع نيقا سنة 325 التي بدلت في تعاليم المسيح وأدخلت عقيدة التثليث وفرضتها على كل مستعمراتها بما فيها بلاد الأمازيغ، بعد أن أحرقت كل نسخ الإنجيل وكل كتب القس آريوس وقتلته لرفضه الديانة الجديدة.

صور تعبيرية عن إمارة برغواطة. المصدر: فارس الخطيب - ميدجورني
إمارة برغواطة امتدت إلى أطراف المحيط الأطلسي (فارس الخطيب-ميدجورني)

انضم المغرب إلى الدولة الإسلامية وأصبح جزءا من الخلافة الأموية في المشرق، ولكن هذا لم يدم طويلا بسبب ما قالت مصادر تاريخية إنه سوء معاملة من بعض ولاة الأمويين لسكان المنطقة، وكذلك انشغالهم (الخلفاء والولاة) عن أحوال المغرب، وهو ما مهد لحركات انفصالية وثورات عن الحكم الأموي.

وهكذا انطلقت سنة 739 في مدينة طنجة شرارة أول ثورة خوارج في المغرب قادها قائد مغربي هو ميسرة المطغري لتعم الثورات كل الغرب الإسلامي.

وزاد من تأجيج الوضع تعيين الأمويين عبد الله بن الحباب واليا على القيروان وعمر بن عبيد الله المرادي واليا على طنجة، وهذا الأخير بالغ في إهانة الأهالي لدرجة أنه استخدمهم في الغزو دون أن يعترف لهم بالفضل عند تقسيم الغنائم.

ويقول الرقيق القيرواني في ذلك "وكان عمر بن عبيد الله المرادي واليا على طنجة فأساء السيرة وتعدى في الصدقات والقسم، وأراد أن يخمس الأمازيغ وزعم أنهم فيء للمسلمين، وذلك ما لم يفعله عامل قبله".

أخذ الأمازيغ يثورون على الوضع، ومنهم من ارتدوا حتى عن الإسلام، وأدت هذه الثورات إلى ظهور عدد من الإمارات المستقلة مثل إمارة بني صالح في النكور، وإمارة بني مدرار في سجلماسة، وإمارة الأدارسة في وليلي ثم في فاس، وإمارة تمسان التي كانت مساحتها تتقلص أحيانا إلى أن تنحصر في مدينة تلمسان، وتمتد إذا أحست من جيرانها بعض الضعف إلى ما بين وادي شلف ووادي ملوية، أي أنها ضمت أحيانا حتى مدينة وجدة وقربت من تازة شرق المغرب الحالي.

صور تعبيرية عن إمارة برغواطة. المصدر: فارس الخطيب - ميدجورني
زعيم إمارة برغواطة ادعى نزول قرآن جديد عليه (فارس الخطيب-ميدجورني)

هذه الحقبة سماها المؤرخون زمن الإمارات، ولعل أهم هذه الإمارات بعد الأدارسة الذين أسسوا أول دول إسلامية مستقلة عن الخلافة في المشرق تبقى إمارة البرغواطيين، فمن هم؟

أصل تسمية البرغواطيين

التحق طريف بن مالك بجنود الفتوحات الإسلامية عندما وصلوا المغرب الأقصى، وكان على رأس أول حملة عسكرية استكشافية يرسلها القائد طارق بن زياد لاستطلاع أراضي الجزيرة الإيبيرية في رمضان عام 91 هجري.

تكونت الحملة من 400 مقاتل و100 فارس حملتهم 4 سفن، ونزلت بهم في الموضع الذي عرف بعد ذلك بطريفة نسبة إلى طريف، وهي مدينة جنوب إسبانيا ما زالت إلى اليوم تحمل الاسم نفسه.

شجعت المعلومات القادمة من تلك الحملة على استكمال مخطط الفتح الإسلامي لأيبيريا، وساعدت في حسن اختيار أفضل موضع للنزول وأفضل المسالك لإنجاح المعركة، وبدأ نزول جيش طارق بن زياد في جبل طارق في رجب عام 92 هجري.

صور تعبيرية عن إمارة برغواطة. المصدر: فارس الخطيب - ميدجورني
البرغواطيون أسسوا جيشا قويا من القبائل الأمازيغية (فارس الخطيب-ميدجورني)

ونتيجة لجهود طريف بن مالك المطغري فقد مُنِح مكانا في جنوب الأندلس يطلق عليه "ريو برباطي" (وادي برباط) كما ذكره المؤرخ أبو عُبيد عبد الله البكري، وتقول بعض الروايات إن هذا الاسم هو الذي تحول بعد تعريبه إلى برغواطة.

عاد المطغري إلى أهله وهم تجمع من قبائل زناتة وزواغة الأمازيغية في منطقة تامسنا، حيث أصبح قائدا عسكريا عليهم، فسمى أتباعه البرغواطيين، وخلفه بعده ابنه صالح بن طريف الذي يعده المؤرخون المؤسس الروحي لدولة برغواطة وديانتها.

كيف ظهرت برغواطة؟

تزامن ظهور إمارة برغواطة على مسرح الأحداث التاريخية في المغرب في القرن الثاني هجري/ الثامن ميلادي مع عدد من الوقائع الدراماتيكية المتسارعة التي نشأت عقب المواجهات العنيفة التي ذكرناها بين بعض الفاتحين العرب من جهة والبربر من أهل البلاد الأصليين من جهة أخرى.

يذكر ابن جرير الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك" أن الشرارة الأولى التي اندلعت معها ثورة بربر برغواطة والمغرب الأقصى كانت في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.

blogs الفتوحات الإسلامية
صورة تمثيل لمشهد من معارك الفتوحات الإسلامية (رويترز)

كما يفصّل الطبري بأن "الأمر غدا أكثر وضوحا أيامئذ لما توجه وفد من البربر إلى الشام للقاء الخليفة لأنهم كانوا ناقمين على واليي المغرب عُبَيْد الله بن الحبحاب وعمر بن عبيد الله المرادي الذي أصبح يمارس عليهم العنف من أجل جمع الأموال والغنائم والجواري، وفرض الضرائب والجبايات في حالات كثيرة مخالفة لما نص عليه الإسلام، وكان يتزعم الوفد أحد قواد البربر واسمه ميسرة المطغري إلى جانب طريف بن مالك زعيم قبائل برغواطة".

لكن الوفد عاد إلى المغرب الأقصى بخفي حنين بعد أن حيل بينه وبين لقاء الخليفة"، الشيء الذي فهم منه الوفد أن تعسف الولاة إنما كان بعلم الخليفة، مما تسبب في اشتعال غضب كثير من البربر، ودفعهم صوب اعتناق مبادئ وأفكار المذهب الصفري الخارجي.

ويذكر ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" أن جموع البربر الغاضبين التي بايعت ميسرة المطغري استطاعت أن تهزم العرب في عدد من المعارك الكبرى، أهمها معركة الأشراف عام 122هجري/ 740 ميلادي، ولكن الأحداث سارت بشكل سيئ بين البربر أنفسهم، إذ ثار قسم منهم ضد قائدهم المطغري وقتلوه، فمال طريف بن مالك إلى الابتعاد عن مناطق الصراع الدامي الدائر بين الصفريين والدولة الأموية.

تأملات- بالفصاحة.. غلام يغلب الخليفة هشام بن عبد الملك
صورة تعبيرية للخليفة هشام بن عبد الملك (الجزيرة)

انسحب طريف بقواته إلى وادي تامسنا، وهي منطقة واسعة تقع بين وادي أبي الرقراق ووادي أم الربيع، وهناك أسس منطقة نفوذ وسلطة له.

وحسب كثير من المصادر التاريخية المغربية التي أرخت لدولة برغواطة، تولى صالح بن طريف الحكم بعد أبيه واستطاع أن يوطد سلطته ويبسط نفوذه على مساحات شاسعة من الأراضي المحيطة به، حتى أضحت برغواطة في عهده من أهم وأقوى الكيانات السياسية القائمة في المغرب، وعلى مدار نحو 4 قرون استطاعت برغواطة الصمود أمام القوى المنافسة لها.

خليط من القبائل الأمازيغية

لم تكن إمارة البرغواطيين مكونة من قبيلة واحدة، بل من خليط من البربر اجتمعوا على شخص ادعى النبوة هو صالح بن طريف بن مالك البرباطي نسبة إلى الموطن الذي نشأ فيه وهو "وادي برباط" بالقرب من شريش جنوبي الاندلس.

وقد نشأت هذه الإمارة في إقليم تامسنا، وهو ما يعرف اليوم بمناطق دكالة والشاوية وتامسنا، ويبدأ موقعه من جنوب مصب نهر أبي رقراق على شاطئ مدينة سلا إلى مدينة آزمور على مصب وادي أم الربيع.

ويضع ابن خلدون حدودا أوسع للإمارة تمتد من سهول تامسنا ما بين سلا ومراكش وسط بلاد المغرب الأقصى إلى جبال الأطلس الكبير، بل إن نفوذ البرغواطيين امتد في فترات قوتهم ليصل أحيانا إلى طنجة شمالا وإلى منطقة سوس جنوبا.

صور تعبيرية عن إمارة برغواطة. المصدر: فارس الخطيب - ميدجورني
إمارة برغواطة تشكلت من خليط من القبائل الأمازيغية (فارس الخطيب-ميدجورني)

وتعد منطقة تامسنا -التي شكلت موطن إمارة البرغواطيين- أغنى وأخصب مناطق المغرب، ويقول عنها المؤرخ أبو عُبيد عبد الله البكري في كتابه "المسالك والممالك" إنها تعج بالقرى والحواضر الخصبة.

أما المؤرخ الإسباني مارمول كاربخال فيصف أرض البرغواطيين في كتابه "أفريقيا" بقوله "كل هذه المساحة ليست سوى أراضٍ خصبة كانت في القديم زهرة بلاد البربر كلها، تضم عددا من المدن والقرى التي يسكنها قوم محاربون شجعان".

وقد ساعد الموقع الجغرافي المميز للبرغواطيين وامتدادهم على الساحل الأطلسي في تنشيط تجارتهم الخارجية.

كما أن غنى بلادهم جر عليهم هجمات جيرانهم طمعا في هذه الأرض التي يحدها شمالا وجنوبا نهران عظيمان هما أبو رقراق وأم الربيع، وشرقا جبال درن (الأطلس الكبير)، وبين هذين النهرين العظيمين الكثير من الأنهار والعيون.

واستفادت برغواطة من ساحل طويل على المحيط الأطلسي، إذ ساهمت موانئه المتعددة في ازدهار التجارة مع جيرانهم الذين كانوا يغزونهم تارة ويسالمونهم تارة أخرى، ويتبادلون معهم السلع ومع دول أخرى كالأندلس وجنوة الإيطالية وغيرها.

وكانت مدينة آسفي عاصمة رسمية للبرغواطيين، وإن كانوا قد اتخذوا من مدينة شالة (في مدينة الرباط حاليا) عاصمة لهم خلال أوقات أوج قوتهم، فهي توجد على مشارف مدينة سلا عاصمة أعدائهم اللدودين بني يفرن.

صور تعبيرية عن إمارة برغواطة. المصدر: فارس الخطيب - ميدجورني
زعيم إمارة برغواطة كان مبعوثا لطارق بن زياد إلى شبه الجزيرة الأيبيرية (فارس الخطيب-ميدجورني)

ادعاء للنبوة وتحريف شريعة الإسلام

كانت مسألة دين برغواطة من المسائل المحيرة في تاريخ تلك الإمارة، إذ تضافرت أقوال عدد من المؤرخين المسلمين المغاربة على وصف الدين البرغواطي بالخروج عن تعاليم وشرائع الإسلام، وجنوحه في عدد من الأمور إلى الديانات المجوسية واليهودية، وامتزاجه أيضا ببعض الممارسات والطقوس الشركية والوثنية التي كانت معروفة عند البربر قبل مرحلة الفتح الإسلامي لبلاد المغرب.

ويمكن أن نحصر أقوال 4 من المؤرخين الذين قالوا بذلك، وهم على وجه الترتيب الزمني:

  • أبو القاسم محمد بن حوقل (توفي 367 هجري)
  • أبو عُبيد عبد الله البكري (توفي 487 هجري)
  • ابن أبي زرع الفاسي (توفي 726 هجري)
  • عبد الرحمن بن خلدون (توفي 808 هجري)

في كتابه "صورة الأرض" يذكر ابن حوقل أن صالحا زعيم البرغواطيين سافر إلى العراق ودرس هناك علم النجوم والفلك، ثم رجع إلى قومه من البربر فدعاهم إلى الإيمان به كنبي ورسول مبعوث إليهم من الله، واحتج بالآية الكريمة {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}، فلما كان النبي محمد هو نبي العرب فإن صالحا هو نبي البربر.

ويؤكد ابن حوقل على الأثر القوي الذي أحدثته دعوة صالح في نفوس بربر برغواطة، فقد "بدل عقول الناس وبدل معارفهم وافترض عليهم طاعته في سنن ابتدعها وأحوال اخترعها وفرضها".

أما البكري فقد انفرد في كتابه "المغرب في ذكر بلاد أفريقيا والمغرب"، وهو جزء من كتابه "المسالك والممالك" بذكر جملة من العقائد الغريبة التي نسبها إلى البرغواطيين، منها أن صالحا ادعى نزول قرآن جديد عليه، كما قال إنه هو نفسه "صالح المؤمنين" الذي ورد ذكره في سورة التحريم.

وحسب ما يورده البكري، أعلن صالح أنه المهدي المنتظر، وسلم الحكم إلى ابنه واختفى بعدها.

شرائع جديدة

قبل اختفائه كان صالح بن طريف قد أرشد أتباعه إلى تغيير بعض صفات الوضوء، كما أنه غيّر شكل الصلاة، فقد ذكر المؤرخون أن بعض صلواتهم كانت إيماء بلا سجود، وأنهم كانوا يسجدون 3 سجدات متصلة ويرفعون جباههم وأيديهم عن الأرض مقدار نصف شبر، كما شرع لهم 10 صلوات كهذه، 5 بالنهار ومثلهن بالليل.

وحسب البكري، شرّع صالح لأتباعه إفطار شهر رمضان وتقديم الصيام إلى شهر رجب، بالإضافة إلى تغييره كثيرا من الشرائع حول ما يتعلق بأحكام السرقة والقتل والزنا، والكثير من المسائل المرتبطة بالزكاة والعشور.

أما المؤرخ ابن أبي زرع الفاسي فقد وصف في كتابه "الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس" أهل برغواطة بالمجوس وأنهم "من أهل الضلال والكفر"، وقال "إنهم حرّموا ذبح الديكة وصارت كفارة من يذبح ديكا عندهم أن يقوم بعتق رقبة، كما ذكر أن نبيهم صالحا رخّص لهم في الزواج بغير قيد ولا شرط، فقد كان باستطاعتهم الزواج من ألف امرأة لو أرادوا ذلك، وكان من المستحسن أن يتزوجوا من بنات الغرباء ويبتعدوا عن الزواج من بنات عمومتهم".

واستحدث حدودا جديدة غريبة عن شريعة الإسلام مثل قتل السارق، حيث وجد وزعم هذا المتنبي أنه لا يطهره من ذنب السرقة إلا السيف، وحرم عليهم ذبح وأكل الدجاج والديكة، كما أمرهم بلحس بصاق ولاة أمرهم، فكان صالح بن طريف يبصق في أكف أتباعه فيلحسونه تبركا ويحملون البصاق إلى مرضاهم للاستشفاء به.

وزعم أنه لا حاجة للاغتسال من الجنابة إلا من الجماع خارج إطار الزواج، كما وضع لهم قرآنا باللغة الأمازيغية يقرؤونه في صلاتهم ويتلونه في مساجدهم، إذ ادعى أنه نزل عليه وحيا من الله تعالى في 80 سورة واعتبروا من شك في ذلك كافرا.

نسخة نادرة من القرآن الكريم عرضت في معهد العالم العربي في إطار المعرض عن الإسلام في إفريقيا العام الماضي. خاص بالجزيرة نت
نسخة نادرة من القرآن الكريم عرضت بمعهد العالم العربي في معرض عن الإسلام بأفريقيا العام الماضي (الجزيرة)

ويذكر الفاسي أسماء السور الـ80 التي وردت في ما سمي "قرآن صالح"، فيقول "إن معظمها سمي على أسماء الأنبياء والرسل مثل سورة نوح وسورة موسى وسورة آدم وسور كثير من الأنبياء وسورة هاروت وماروت وسورة إبليس وسورة غرائب الدنيا، وفيها العلم العظيم بزعمهم، كما أن البعض الآخر سمي بأسماء حيوانات مثل سورة الديك وسورة الجراد وسورة الجمل".

وفي مؤلفه الموسوعي "كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" يتحدث ابن خلدون عن عقائد البرغواطيين الكفرية ويتحدث عن صالح بن طريف، فيقول "ثم انسلخ من آيات الله وانتحل دعوى النبوة وشرّع لهم الديانة التي كانوا عليها من بعده وهي معروفة في كتب المؤرخين، وادعى أنه نزل عليه قرآن كان يتلو عليهم سورا منه".

رأي الباحثين المعاصرين

كل تلك السرديات التاريخية التي اجتمعت على ذكر العقائد الغريبة للبرغواطيين دفعت عددا من الباحثين المعاصرين إلى القول ببعد دين أهل برغواطة عن الإسلام الحنيف ووصموه بالهرطقة والوثنية.

فعلى سبيل المثال تؤكد الباحثة الدكتورة سحر السيد عبد العزيز سالم في كتابها "من جديد حول برغواطة.. هراطقة المغرب في العصر الإسلامي" أن الفكر العقيدي لبرغواطة "كان يجمع بين أفكار ومذاهب وأديان متعددة بدءا من الفكر السني إلى الخارجية المتطرفة والتشيع، وكذلك جانبا من الدوناتية وبعض الأفكار اليهودية، بالإضافة إلى بعض التقاليد البربرية المحلية والوثنية".

ويذهب البعض إلى أن البرغواطيين كانوا يؤمنون بوحدانية الله واعترفوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومن سبقه من الأنبياء، لكنهم أضافوا شعائر غريبة عن الإسلام أو تتعارض معه، وذلك كرد فعل ضد سياسة الأمويين.

المخطوطة القرآنية المدون عليها أيات من سورتي انساء والمائدة تعد الأقدم بالعالم. الجزيرة نت
إحدى المخطوطات القرآنية الأقدم في العالم (الجزيرة)

لعنة الغنى والازدهار

بدوره، يرى الباحث مولود عشاق أن أحوال ونمط عيش البرغواطيين وسعة أموالهم ورفاه أحوالهم وكذلك شهرة مرافئهم لدى الأوروبيين جعلت تامسنا مقصدا لمختلف الأجانب من مختلف الجنسيات من إيطاليين وإنجليز وفلامانيين وغيرهم.

وكذلك كانت محط أطماع كيانات مجاورة، ويورد أحمد سراج وخديجة الخديري في كتابهما "بصمات برغواطية" أنه خلال الوقوف على التنوع والغنى الطبيعي الذي كانت تتوفر عليه برغواطة يستنتج أنه شكل في نفس الوقت نعمة ونقمة، أي عاملا مساعدا على ازدهار حياتهم وفي الوقت نفسه كان سببا لاندثارهم.

ويوضح أستاذ التاريخ أحمد سراج هذه المسألة بالقول إنهم بالفعل كانوا يعيشون في فضاء رحب وغني يستهوي غيرهم من القوى المحلية، ولكنهم كانوا كذلك يشكلون خطرا بفعل مشروع تحالفهم مع أمويي الأندلس.

أفول بعد قوة وازدهار

مع بداية حكم المرابطين كان أفول دولة برغواطة، وتحولت ملكية الأراضي من أصحابها البرغواطيين إلى القبائل الوافدة عليها.

ويذكر ابن أبي زرع الفاسي في كتابه "روض القرطاس" أن الأمير المرابطي أبو بكر بن عمر استأصل إمارة برغواطة وجمع أموالها وقسمها بين المرابطين.

وجاء بعده الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين الذي بلغه أنهم بعد أن قضى عليهم سلفه أبو بكر بن عمر فإنهم بصدد إعادة تجميع قواتهم لغزوه بمدينة مراكش، فما كان منه إلا أن هاجمهم في معقلهم الذي لجؤوا إليه بمدينة آسفي على شاطئ المحيط الأطلسي واستأصل شأفتهم نهائيا، واستقدم مجموعات صنهاجية مسلمة سنية لتعمير مناطق نفوذهم، فكانت نهاية هذه الإمارة التي عمرت ما يقارب 4 قرون.

المصدر : الجزيرة