مضيق هرمز .. العنق الرئيسي للنفط في العالم
مضيق هرمز، طريق ملاحي ضيق في منطقة الخليج، يشكل منفذ نفطه إلى العالم الخارجي، ويُلقّب بشريان الحياة للعالم الصناعي، ويعبر منه ثلتا الإنتاج النفطي الذي يستهلكه العالم، ظل عبر التاريخ محط صراعات دولية، وسبق إيقاف تصدير النفط منه إلى أميركا والدول الأوروبية لدعمها إسرائيل في حرب 1973، ويشكل نقطة محورية للتوترات الدولية بين طهران والغرب.
دفعت الأزمات السياسية دول المنطقة إلى التخفيف من الاعتماد على مضيق هرمز، وبقي موضوع رهان إستراتيجي بين الدول الكبرى، وفي قلب التوترات والأزمات يظهر ورقة مهمة في لعبة المناورات السياسية والنفطية والإستراتيجية.
الموقع والجغرافيا
يقع مضيق هرمز في الجزء الشرقي لمياه الخليج العربي والجزء الشمالي الغربي لخليج عُمان، اللذين يشكلان لسانين بحريين متصلين بالمحيط الهندي.
ويحد المضيق من الشمال والشرق إيران، ومن الجنوب سلطنة عُمان، التي تشرف على حركة الملاحة البحرية فيه لكون ممر السفن يأتي ضمن مياهها الإقليمية.
وتبدأ حدوده الشمالية الغربية من الخط الذي يصل رأس الشيخ مسعود في شبه جزيرة مسند العمانية بجزيرة هنجام مرورا بجزيرة قشم حتى الساحل الإيراني، وهذا الخط هو الذي يفصل مضيق هرمز عن الخليج العربي.
أما حدوده الجنوبية الشرقية فتمتد من رأس دبا على ساحل الإمارات إلى دماجة على الساحل الإيراني، وهذا الخط هو الذي يفصل المضيق عن خليج عمان.
وتتألف شواطئ المضيق الشمالية من الجزء الشرقي لجزيرتي قشم ولاراك، فيما تتألف شواطئه الجنوبية من الساحلين الغربي والشمالي لشبه جزيرة رأس مسندم.
وبحكم موقعه المداري فإن ظروفه المناخية تجعله صالحا للملاحة طوال العام، ويبلغ طوله 280 كيلومترا، ويصل عرضه إلى 56 كيلومترا، مع عرض لا يزيد على ميلين بحريّين (أي 10.5 كيلومترات) فقط لممر الشحن في كل اتجاه.
حيث يقع الممر الأول في الغرب ويتجه شرقا باتجاه خليج عمان، والثاني يقع في الشرق ويتجه غربا نحو الخليج العربي، وتفصل بينهما جزر الطنب وفرور، لتلافي الاصطدام بين البواخر السائرة في الاتجاهين.
وهناك عدد من الجزر التي تنتشر حول المضيق وتحيط به، يبلغ عددها مجتمعة ما يزيد على 100 جزيرة، ويقع أهمها في الساحل الإيراني إلى الشمال والشمال الغربي من المضيق منها: جزيرة هرمز وجزيرة لاراك، أما جنوب المضيق بمحاذاة الساحل العماني فتقع جزء منها وهي: أم الغنم وسلامة وبناتها وشبه جزيرة مسندم.
أما جزر غرب المضيق ووسط الخليج، فهي: هنجام وقشم وطنب الصغرى والكبرى وأبو موسى.
التسمية
كلمة "هُرْمُز" فارسية، من معانيها الإِله وكوكبُ المُشترِي، كما أَطلقَ العرب الهرمُزَ والهارَمُوز والهُرمُزان على الكبير من ملوك العَجَم.
ويرجع المؤرخون أصول اسم المضيق إلى 3 احتمالات:
- الأول: ينسب تسمية المضيق البحري لـ"هُرمز" أحد ملوك بلاد فارس 272م، وهو الاسم الذي سُمي به أيضا 5 ملوك ساسانيين حتى عام 632 م.
- الثاني هو أن المضيق أطلق عليه اسم المملكة القديمة "هُرمز" واشتهرت باسم "باب الشرق السحري".
- الثالث يرجح أن اسم المضيق اشتق من "جزيرة هُرمز" التي تقع في مدخله على ساحل إقليم مكران، ويطلق عليه في الوقت الحالي مضيق نهر ميتاب، وهو تابع لإيران.
التاريخ
يستمد المضيق زخمه التاريخي منذ أكثر من 5 آلاف سنة، بتعاقب سيطرة حضارات عديدة عليه، واستفادت منه باعتباره معبرا لقوافل سفنها التجارية والحربية، مثل الحضارة السومرية والبابلية والفارسية، والإغريقية والفينيقية.
ومنذ القرن السابع قبل الميلاد، تنافست الإمبراطوريات المتعاقبة في الشرق على السيطرة على مضيق الخليج البحري، وبرزت أوجه الازدهار في هذه المنطقة، خصوصا في فترة الحكم العباسي.
في القرن العاشر الميلادي، نشأت على أرض المضيق مملكة هرمز القديمة في البر الأصلي على الساحل الشرقي للخليج العربي، ونجحت في أن تكون حلقة اتصال تجاري بين الشرق والغرب.
غير أن غارات المغول أرغمت سكان المملكة على التوجه نحو جزيرة قشم ثم جزيرة جيرون، وهناك أصبحت هرمز الجديدة عاصمة لأكبر تنظيم سياسي وتجاري شهدته المنطقة، واستمرت حوالي 100 عام.
ظل المضيق يؤدي دورا دوليا وإقليميا مهما في حركة التجارة الدولية، وقد زار المنطقة ابن بطوطة وكتب عنها في أوج مراحل ازدهارها خلال الفترة من 1325م إلى 1349م.
في القرن الـ16م خضع للاحتلال البرتغالي، ولأهميته بالنسبة للبرتغاليين قالوا "إذا كان العالم كله خاتما من ذهب فإن هرمز هي جوهرته" كما ذكر الكاتب البريطاني أرنولد ويسلون في كتاب "تاريخ الخليج".
وشهد تاريخ الصراع في ذلك الشريط الضيّق من الماء ما يعرف بـ"معركة هرمز" بين عامي 1552م- 1554م بين العثمانيين والبرتغاليين، وانتهت بفشل الحملة العثمانية في السيطرة على جزيرة هرمز.
وعام 1632م استطاعت القوات البريطانية والفارسية المشتركة طرد البرتغاليين بعدما استوطنوا المنطقة لمدة 119 سنة.
واعتبرت بريطانيا المضيق آنذاك، مفترق طرق إستراتيجي وطريقا رئيسيا إلى الهند، واحتلت معظم الدول المجاورة له، ثم دخلت في صراع مع الفرنسيين والهولنديين لسنوات طويلة.
وقد تمكنت بريطانيا من السيطرة على الملاحة التي خضعت لنظام الانتظار والراحة من دون فرض شروط على السفر لمرورها السريع. وبعد اكتشاف النفط في الخليج، برز دور المضيق البحري باعتباره معبرا حيويا يمر منه النفط باتجاه العالم.
عقدت بريطانيا عدة اتفاقيات مع مشايخ الخليج العربي، بغرض تأمين الملاحة البحرية ومنع أعمال القرصنة من عام 1820م حتى 1970م.
جزر هرمز
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1971، احتلت إيران جزر أبو موسى وطنب الكبرى أو العليا وطنب الصغرى أو السفلى، ورأت في ذلك دعما لأمنها القومي.
ومنذ تلك الفترة، تعدّ تلك الجزر موضوع نزاع قانوني مع الإمارات التي تقع ضمن مسافة قريبة نسبيا من حقول النفط والغاز البحرية التابعة لها.
ويطلق عليها "جزر هرمز" لموقعها الإستراتيجي على المدخل الشمالي، ورغم صغر مساحتها فإنها تشكل مراكز مراقبة مهمة لسواحل الخليج العربي، إذ تطل على دول الإمارات وقطر والبحرين والسعودية والكويت والعراق وإيران.
ووفق دراسة لخبراء الاقتصاد والسياسة في مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية في جامعة تاون الأميركية، فإن 86% من صادرات نفط الشرق الأوسط تمر بشواطئ هذه الجزر الثلاث، أي ما يشكل نصف الطاقة التي تعتمد عليها صناعة العالم واقتصاده وحياته اليومية.
لذلك، يعتبر الخبراء أن الطرف المسيطر على هذه الجزر قادر على التحكم في حركة الإمدادات النفطية، وهو ما يفسر القدرة الإيرانية على عرقلة أو تعطيل الملاحة في المضيق.
الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية
يتفق الخبراء على أهمية مضيق هرمز التي ازدادت بشكل ملحوظ، مع اكتشاف النفط في إيران والجزيرة العربية بداية القرن الماضي. وجوهر أهميته الاقتصادية تكمن في كونه ممرا ضروريا لتجارة النفط والغاز العالمية.
لذلك يعرفه خبراء الطاقة وشركات الملاحة بأنه "العنق الرئيس للعالم" و"نقطة الاختناق"، التي تأتي في مقدمة 8 نقاط رئيسية في العالم، تعدّ معبرا لنحو 40 مليون برميل من النفط يوميا.
وقد عبر المضيق نحو 12 مليون برميل يوميا من النفط الخام من السعودية والعراق والكويت والإمارات العربية المتحدة وإيران، وفقا لبيانات نشرها موقع "بلومبرغ" عام 2020.
وزادت أهميته بشكل أكبر مع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، إذ أصبحت منطقة الخليج وجهة الدول الصناعية الكبرى، لتأمين احتياجاتها من نفط الخليج العربي.
وفي الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2023، مر عبره 20.5 مليون برميل يوميا في المتوسط من النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية، حسب بيانات من شركة التحليلات فورتيكسا.
وقالت فورتيكسا "إن الناقلات العملاقة تحمل عبره حوالي 80 مليون طن متري أو 20% من الاحتياجات الدولية، وحوالي 25% من احتياجات الغاز المسال".
وتزداد أهمية المضيق مع توقعات وكالة الطاقة الدولية بارتفاع حجم الطلب العالمي على النفط، ليصل إلى 121 مليون برميل يوميا عام 2030.
ويضاف إلى ذلك حجم التجارة التي تبلغ تريليون دولار سنويا، إذ تشير الأرقام إلى عبور ناقلات تزن أكثر من مليارين ونصف المليار طن سنويا، وتمثل شحنات السلع الأولية مثل الحبوب وخام الحديد والإسمنت 22% وتجارة الحاويات التي تنقل السلع تامة الصنع إلى دول الخليج نحو 20%.
على مستوى الأهمية الإستراتيجية، تتباين مصالح دول الخليج في العبور عبره بين دولة وأخرى، لكنها تشترك جميعها في أهمية استمرار انسيابية حركة الملاحة فيه.
بالنسبة للدول المطلة على الخليج العربي مثل العراق والكويت والبحرين وقطر، يعدّ المضيق المنفذ البحري الوحيد الذي تعتمد عليه كليا في التصدير والاستيراد، فيما يعدّ المنفذ الرئيس لكل من السعودية والإمارات وإيران، لكنها تمتلك منافذ أخرى تتفاوت في أهميتها لكل دولة.
أما عُمان فلا تعتمد على المضيق بشكل أساسي، فهي لها واجهة بحرية طويلة على خليج عمان في البحر العربي في الجنوب.
ويذهب 80% من الذهب الأسود المنتج في دول الخليج العربية عبر المضيق، إلى الدول الآسيوية، فيما ينقل الباقي إلى دول أوروبا وأميركا الشمالية.
المرور العابر
يدخل مضيق هرمز في نطاق المضايق الدولية التي تصل بين جزأين من أعالي البحار أو منطقتين اقتصاديتين، استنادا إلى المادة 38 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.
لذلك يخضع إلى مرور الملاحة الدولية المعروف بنظام "المرور العابر" طبقا للمادة (80) من الاتفاقية، ويقترب معناه من نظام المرور الحر من دون إعاقة، ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها.
غير أن إيران وعمان، وهما الدولتان الأقربان إلى المضيق وتتقاسمان الحقوق الإقليمية على المياه، تتمسكان بسريان نظام "المرور البريء"، الذي يكفل لهما الحفاظ على أمنهما وسيادتهما ومصالحهما.
وهذا الحق وفق المادة (3) من الاتفاقية، تتمتع به سفن جميع الدول الساحلية أو غير الساحلية خلال البحر الإقليمي، حيث يفترض مرور السفن والطائرات التجارية، دون السفن والطائرات الحربية التي يشترط لمرورها الإذن المسبق.
وقد طالبت إيران بالإشراف على مضيق هرمز لأنه يقع ضمن مياهها الإقليمية، ورفض طلبها خلال المؤتمرين الأول والثاني والثالث لقانون البحار في جنيف خلال الفترة من 1958م إلى 1960م ثم عام 1980م.
برميل البارود الأزلي
يعد المضيق نقطة اشتعال رئيسية، ففي كثير من الأحيان كان موقعا للصراع ومحور التهديدات بالإغلاق من قبل الدول المجاورة.
وكان الأمر واضحا، بعد ارتفاع حدة التوتر الإيراني الأميركي وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وتهديدها إيران بخفض صادراتها النفطية إلى الصفر (يمر عبر مضيق هرمز إلى الدول الآسيوية نحو 90% من النفط ومعظم صادرات الغاز الإيراني).
وتعلن طهران أن مضيق الملاحة العالمي "لن يكون آمنا" إذا تعرضت لهجوم عسكري من جانب الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وهددت بإغلاقه على مدى عقود وفي كثير من المناسبات، أبرزها في فترة الثمانينيات أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
بالمقابل، تحذر أميركا بأنها لن تسمح "بعرقلة حركة الملاحة البحرية وعبور السفن عبر مضيق هرمز"، إذ تقيم كثيرا من القواعد العسكرية في المنطقة، وشكلت الأسطول الخامس منذ عام 1995.
ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية فإن إغلاق "أهم نقطة اختناق في العالم" (يقصد بها 4.5 من الأميال البحرية المخصصة للسفن الداخلة إلى الخليج) يعني أن القسم الآخر سيغلق بشكل تلقائي.
ويقول الخبراء إن تنفيذ إغلاق المضيق قد يؤدي إلى قطع الوصول إلى 20% من النفط المشحون حول العالم.
كما يهدد معبر النفط والأزمات أيضا، أمن 7 دول في وقت واحد (دول الخليج بالإضافة إلى أميركا)، إضافة إلى قطع الطريق أمام الإمدادات لأكثر من 23 دولة أوروبية وآسيوية. وإجمالا سيشكل تأثيرا على 30 دولة بشكل مباشر وبقية دول العالم بشكل غير مباشر.
هناك خيارات محدودة لتجاوز الاعتماد على مضيق هرمز، فالسعودية والإمارات لديهما خطوط أنابيب يمكنها شحن النفط الخام خارج الخليج العربي ولديهما قدرة إنشاء خطوط أنابيب إضافية.
وتقدر الطاقة الإجمالية لهذه الخطوط بـ6.6 ملايين برميل يوميا، يُستغل منها 2.7 مليون برميل، بينما تصل السعة غير المستغلة إلى 3.9 ملايين برميل، وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية.