يزيد بن عبد الملك الخليفة الأموي التاسع

يزيد بن عبد الملك الخليفة الأموي التاسع (الجزيرة / ميدجيرني)
صورة تخيلية بالذكاء الاصطناعي ليزيد بن عبد الملك الخليفة الأموي التاسع (الجزيرة/ميدجيرني)

يزيد بن عبد الملك، الخليفة الأموي التاسع، عهد إليه أخوه سليمان بالخلافة من بعد عمر بن عبد العزيز، وبسببٍ من ضعف أدائه السياسي ثار الخوارج وغيرهم في عهده عدة مرات، وأجج ذلك طبيعته العاطفية، انشغل بالجواري والإماء اللواتي قال فيهن شعرا كثيرا، وتوفي عن 39 سنة في عام 105 هجرية.

النشأة والتكوين

ولد يزيد بن عبد الملك بن مروان أبو خالد سنة 66 هجرية، وينسب إلى أمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، التي نشأ في حجرها، وكانت امرأة سخية فاضلة، فقد أنفقت مالها على فقراء آل أبي سفيان، كما سجلت لها كتب التاريخ موقفا مشرفا في خضم الصراع الدامي بين آل مروان وابن الزبير، لما انتصر عبد الملك على عبد الله وأخذ رأسه يطوف به في الأمصار، فأخذته عاتكة فغسلته ودفنته، وقالت: "أما رضيتم بما صنعتم حتى تطوفوا به في المدن.. هذا بغي"!

التكوين العلمي

تلقى يزيد التربية والعلم على يد المؤدبين الذين اختارهم عبد الملك لأولاده، وكان منهم الضحاك بن مزاحم، وعامر بن شراحيل، وإسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر والزهري.

وقد اجتهد في لقاء العلماء اجتهادا كبيرا، فكان يرحل من دمشق إلى المدينة، ويتردد على حلقات الفقهاء والمحدثين، حتى ثقِف الحديث وتمكن من علومه، وقد عدّه ابن عساكر في تاريخ دمشق من المحدثين.

غير أن يزيد كان شابا مرحا مأخوذا بحب اللهو والغناء، ينظم الشعر ويتتبع الغواني ويشتري الجواري والإماء.

عمر بن عبد العزيز.. أشج بني أمية ونبوءة الفاروق وخامس الخلفاء الراشدين
صورة تخيلية لعمر بن عبد العزيز الذي تولى بعده يزيد بن عبد الملك (مواقع التواصل الاجتماعي)

الخلافة

لما حضرت سليمان الوفاة أوصى بالخلافة لعمر بن عبد العزيز، وخوفا من غضب آل مروان، فقد عهد بها من بعد عمر إلى يزيد بن عبد الملك.

ولما تسلم يزيد الخلافة سنة 101 هجرية، قال: والله ما عمر بأحوج إلى الله مني، فأقام مدة بسيرته، غير أن ميله إلى المرح واللهو حاد به عن جادة سلفه، فأبطأ عن الخروج إلى الصلاة بالناس، وأهمل إدارة البلاد نسبيا، فكثرت التمردات في عهده واختلت أمور الدولة، وابتدأت أحوالها بالفساد، غير أن الخلافة كانت من القوة بما جعلها تظهر بمظهر حسن ومتماسك طوال سنين حكمه، ولم تظهر آثار الاختلال إلا بعد سنوات طويلة من ذلك.

وكان من أبرز ما خالف يزيد عمرَ فيه، تراجعه عن السياسة المالية التي انتهجها عمر من محاسبة شديدة، ومراقبة للأعطيات والهبات، ورد للأموال التي اختص بها علية القوم، وتخفيف الضرائب على الأمصار، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل بادر يزيد إلى عزل عدد من عمال عمر وأمرائه.

فقد فرض يزيد على بعض الأمصار ضريبة كان عمر قد رفعها عنهم، وقال لأحد الأمراء كما جاء في أنساب الأشراف: "إن عمر كان مغرورا منك ومن أشباهك، فأعدِ الضريبة التي كان قد أسقطها، ولو صار الناس حَرَضا (أي ولو أشفوا على الهلاك)".

غير أن بعض المؤرخين رأى أن ذلك لم يكن نقضا لسياسة عمر، بل كان إشكالا سياسيا عند بعض عماله على الأمصار، لما في نفوسهم من الإحن والضغائن القبلية، والخلافات بين المضرية واليمنية.

ومما خالفه فيه كذلك، العودة عن سياسة عمر التي قضت بتهدئة حركة الفتوح لحساب استيعاب الداخلين إلى حوزة الدولة وصهرهم في بنية المجتمع المسلم، فقرر يزيد انتهاج سياسة سلف عمر من بني أمية، مما أثار عليه المعارضة الداخلية من جديد.

ثورات وتمردات

وكان أولَ تمرد في عهده خروجُ يزيد بن المهلب، وخلعه بيعة الخليفة، واستيلاؤه على البصرة، فجهز يزيد بن عبد الملك لقتاله جيشا بقيادة أخيه مسلمة، فجمع ابن المهلب جموعا كبيرة، والتقى الطرفان في بابل، ودارت بينهما معركة كبيرة دامت ثمانية أيام، قُتل فيها يزيد بن المهلب، وعدد من إخوته، وتفرق سائر جيشه وأهل بيته فلُوحِقوا وقُتلوا وكان ذلك سنة 102 هجرية.

كما أعلن شوذب الخارجي من الكوفة تمرده على الخلافة، فسار إليه مسلمة بأمر من يزيد أثناء سيره إلى المهلب فقضى عليه وعلى أصحابه أواخر سنة 101 هجرية.

وفي أواخر عهد يزيد سنة 105 هجرية ثار عقفان الحروري ومعه ثمانون رجلا، وأراد يزيد أن يبعث إليهم بجند، فقيل له إن قُتل اتخذ أصحابه هذه المنطقة دار هجرة لهم، والرأي أن نبعث إلى كل رجل من أصحابه من يكلمه ويرده عنه، فبعث إليهم من كفاه أمرهم.

وفي تلك السنة خرج مسعود بن أبي يزيد العبدي زعيم خوارج اليمامة، فلقيه صاحبها سفيان بن عمرو العقيلي، وجرت بين الطرفين معارك.

كما ثار في ذلك العام مصعب بن محمد الوالبي الخارجي بالخورنق وقوي أمره، حتى بلغ الموصل، ومات يزيد وهم أقوياء، إلى أن فتك بهم خالد القسري في عهد هشام.

فتوحاته

لمّا عدل يزيد عن سياسة عمر بن عبد العزيز، وانتهج سياسة الوليد بن عبد الملك، أعاد تنشيط الفتوحات الإسلامية التي فترت نسبيا في عهد عمر لرغبته بالالتفات إلى الشأن الداخلي والتفرغ للإصلاح الذي تغيّاه خلال سنوات حكمه.

ففي سنة 102 هجرية سار عامل يزيد على خُراسان، سعيد بن عبد العزيز، إلى الصُغد (وسط آسيا) لتحالفهم مع التُرك، وحصارهم المسلمين هناك. غير أن جيشهم كاد يفتك بالمسلمين، فسار سعيد حتى بلْخ، وظلت الحرب بين الطرفين سجالا.

كما غزا عمر بن هُبَيْرة أرمينيّة في بلاد الروم، ولما خلفه العباس بن الوليد بن عبد الملك استطاع أن يفتح جزءا منها.

كذلك فإن عمر بن هُبَيْرة عزل سعيد بن عبد العزيز عن خُراسان وولاها سعيد بن عمرو وكان فاتكا، فقطع النهر، وغزا الصُغد، وأسر من أمرائهم. ولما تسامع ملوك خراسان وما حولها بذلك، قدموا إليه خاضعين مصالحين، وكان هذا من أعظم الفتوح في عهد يزيد.

لهوه ومرحه

بعد قضائه على المهالبة، شعر يزيد بن عبد الملك بتوطد أركان دولته، فانصرف إلى أحواله الخاصة وتربيته المترفة، فانغمس في مباهج الدنيا وزينتها، وانهمك في طلب اللهو والمتعة، وقد شغفه الغناء حبا، دفعه إلى ذلك إقامته بالمدينة التي كان عوامها مغرمين بالغناء عاكفين عليه، فقرب المغنين وخلع عليهم الخِلَع، وبذل لهم الجوائز والأعطيات.

وكان يستقدم أشهر المغنين إلى قصره، مثل معبد وابن عائشة ومالك بن أبي السمح، وكانوا يمكثون عنده ويحيون ليله بالغناء واللهو.

اشترت له إحدى زوجاته غانية فائقة الحسن تدعى حَبّابة، مقابل أن توطئ لابنها في ولاية العهد، فوفت لها بذلك.

ملكت حبابة قلب يزيد، وصارت تتصرف في شؤون الدولة، وتتدخل في تعيين الولاة وعزلهم، وتخرج من يتقرب إليها من السجون وتدخل من تشاء إليها.

امتعض الناس من حاله هذه وعابه العامة وأنكره الفقهاء، وتألبت عليه الجماعات المعارضة لسياسته، وأشعلت الهجوم على بني أمية وبني مروان، وتكاثرت الدعوات إلى الوثوب عليه وإنهاء حكمه.

الوفاة

لما مرضت حبابة جاريته الحبيبة إلى قلبه، لزمها يعودها ويطمئن عليها، فلما توفيت جزع عليها وما لبث أن مات بعدها بأيام.

غير أن أرجح الآراء في سبب وفاته هو إصابته بالطاعون الذي كان منتشرا في الشام وما حولها تلك الأيام.

مات يزيد لخمس ليال بقين من شعبان بالبلقاء من أرض الأردن، وله 39 سنة، وقيل 40، بعد خلافة استمرت 4 سنين وشهرا، وصلى عليه الوليد ابنه وهو ابن 15 عاما.

المصدر : مواقع إلكترونية