أول طبيب في القوات المسلحة الأردنية.. عبد السلام المجالي مهندس اتفاقية "وادي عربة"

التحق عبد السلام المجالي بالجيش عند وقوع حرب عام 1948 وكان أول طبيب في القوات المسلحة الأردنية (الفرنسية)
أول عمل سياسي للمجالي كان عام 1969 عندما تسلّم وزارة الصحة (الفرنسية)

عبد السلام المجالي، طبيب وسياسي أردني أمضى 5 عقود من عمره متنقلا بين الطب والجيش والتعليم الجامعي والعمل السياسي، وصولا إلى رئاسة الوزراء. ساهم في إدارة المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، والتعامل مع المعارضة بالبرلمان والشارع الأردني، ويعد مهندس اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية المعروفة بـ"معاهدة وادي عربة".

يصف رئيس الوزراء الأردني الأسبق عبد السلام المجالي نفسه في كتابه "رحلة العمر.. من بيت الشعر لسدة الحكم"، بأن "شخصيته وكينونته بنيت على العطاء"، فالطبيب يعطي حياته للمرضى، والمعلم يعطي علمه وجهده ووقته للطالب، والعسكري في الجيش يعطي حياته وروحه للوطن.

أدار ملف مفاوضات عملية السلام الأردنية الإسرائيلية بتسلمه رئاسة الوفد الأردني فيها عام 1991، وصولا لتوقيع الاتفاقية عام 1994 عندما شغل منصب رئيس الوزراء.

المولد والنشأة

ولد عبد السلام عطا الله المجالي عام 1925 في قرية الياروت بمحافظة الكرك جنوب الأردن، ودرس فيها الابتدائية، ورافق والده في عمله جابيا، فتعلم منه أساليب مخاطبة الناس وطرق التعامل معهم.

الدراسة والتكوين العلمي

انتقل المجالي إلى مدرسة السلط الثانوية لاستكمال دراسته، وهناك تعرف على نخبة من أبناء الأردن الذين كان لهم دور في بناء المملكة الحديثة، ومنها إلى جامعة دمشق في سوريا لدراسة الطب.

عند وقوع حرب عام 1948 ومشاركة الجيش الأردني في مواجهة "العصابات الإسرائيلية" آنذاك، قرر المجالي الالتحاق بالجيش فكان أول طبيب في القوات المسلحة الأردنية.

تعرف على الملك الحسين بن طلال عن قرب عام 1950 عندما التقاه في لندن، بعدما حصل على بعثة دراسية في تخصص الأنف والأذن والحنجرة، وهناك أيضا تعرف على زوجته الإنجليزية الأولى الممرضة جون ماري، التي شاركته -بعد الزواج والعودة معه إلى الأردن- في إنشاء أول كلية للتمريض بالأردن في مستشفى الخدمات الطبية العسكري.

Jordanian Prime Minister Abdel-Salam Majali speaks to reporters 07 August upon his arrival from the US, where he visited King Hussein. The Jordanian monarch, who is currently undergoing chemotherapy treatment for lymphoma, has criticized the way Majali's government is running the country in his absence. (Photo by AFP)
التحق عبد السلام المجالي بالجيش عند وقوع حرب عام 1948 وكان أول طبيب في القوات المسلحة الأردنية (الفرنسية)

نقلة نوعية بالتدريس الجامعي

تسلم المجالي رئاسة الجامعة الأردنية عام 1971 في ظرف حساس وصعب بعد أحداث "أيلول الأسود"، ولم تكن رئاسة الجامعة الأولى والوحيدة في الأردن آنذاك أمرا سهلا على ضابط سابق بالجيش أو وزير.

لكن بروح العمل الجماعي وبمساعدة من عمداء الكليات والمدرسين، حققت الجامعة الأردنية نقلة نوعية، حيث فتحت تخصصات جديدة أهمها الطب وطب الأسنان والهندسة والشريعة، وبدأت نظام الدراسة بالساعات بدلا من السنوات الدراسية.

سعى المجالي خلال عمله وزيرا للصحة عام 1969 لإنشاء "المؤسسة الطبية العلاجية"، وهي عبارة عن مشروع طبي يجمع بين المستشفيات الرسمية داخل المملكة، سواء التابعة للقوات المسلحة أو وزارة الصحة أو الجامعات الرسمية، تحت مظلة واحدة مستقلة استقلالا كاملا، توفر لجميع الأردنيين -العسكريين والمدنيين الموظفين في القطاع العام أو الخاص- تأمينا طبيا شاملا لمن يرغب في العلاج بتلك المؤسسات.

اختطاف وهجرة

تعرّض المجالي خلال عام 1970 لعمليتي اختطاف هو وعائلته في عمان وبيروت، مما دفعه إلى الهجرة للمملكة المتحدة والإقامة الدائمة هناك، لكن إقامته لم تطل بعدما دعاه رئيس الوزراء الأردني الأسبق وصفي التل للعودة إلى الأردن، فعاد وشارك في حكومة التل بين عامي 1970 و1971 وزيرا للصحة ووزيرا لشؤون رئاسة الوزراء.

معترك الحياة السياسية

دخل المجالي معترك الحياة السياسية عام 1969 بتسلمه وزارة الصحة، وتنقل بين وزارات التربية والتعليم وشؤون رئاسة الوزراء، وصولا لتشكيل حكومته الأولى بين عامي 1993 و1995 التي وقّع خلالها اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994.

وإضافة إلى موقعه رئيسا للوزراء، حمل حقيبتي الخارجية والدفاع، وقدمت حكومته الأولى استقالتها للملك الحسين بن طلال في يناير/كانون الثاني 1995.

وإثر توقيع حكومته اتفاقية وادي عربة وما رافقه من "حالة غضب ورفض شعبي" بحسب المعارضة، إضافة لإجرائها الانتخابات النيابية على أساس قانون الصوت الواحد وإصداره قانونا أُغلقت بموجبه صحف أسبوعية وضُيّق به على حرية التعبير، ورفعه الدعم عن سلع استهلاكية، وإقراره ضريبة المبيعات؛ أجبر على تقديم استقالته على وقع حالة من الضغط لدى الأردنيين.

يختلف معه معارضوه، سيما بعدما أوصت حكومته عام 1993 بحل مجلس النواب الحادي عشر، أول مجلس نواب بعد عودة الحياة الديمقراطية للأردن عام 1989، وإصدار حكومته "قانون الصوت الواحد" لإجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب الثاني عشر، وهو القانون الذي شهد معارضة واسعة، وكان سببا لمقاطعة أحزاب المعارضة الانتخابات النيابية عام 1997 وعدم المشاركة في مجلس النواب الثالث عشر.

المجالي (يسار) يهنئ رئيس الوزراء السابق فيصل الفايز بثقة البرلمان في حكومته عام 2003 (الفرنسية)

التمسك باتفاقية السلام

أبدى المجالي تمسكه بمعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية حتى وفاته، لأن الأردن -على حد قوله- حصل على حقوقه في "المياه، وترسيم الحدود مع إسرائيل، واستعادة أراضيه، ودفن فكرة الوطن البديل"، رغم الأصوات الإسرائيلية المنادية بين فينة وأخرى لأن يكون الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين.

وأضاف المجالي أن الأردن استطاع الاستمرار في رعاية الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، وتمكن من الضغط على الجانب الإسرائيلي، وتقديم المساعدة للسلطة الفلسطينية، وتسهيل حركة تنقل الفلسطينيين من خلال المنافذ الحدودية مع الأردن.

الإنجازات

وصفه عميد شؤون الطلبة في الجامعة الأردنية الكاتب مهند مبيضين -في مقال له- بأنه حاز على الموقع الأول في عدة مواطن، فهو:

  • أول طبيب مسلم في الكرك.
  • أول طبيب أردني يدخل الجيش.
  • أول أردني عسكري يتخصص في الأنف والأذن والحنجرة.
  • أول منشئ لنظام التأمين الصحي لأسر الجيش العربي.

وفي المجال الأكاديمي والسياسي كان:

  • أول من أدخل نظام الساعات المعتمدة في الجامعة الأردنية.
  • أول طبيب يرأس الجامعة الأردنية.
  • أول رئيس وزراء فعّل قانون الصوت الواحد للانتخابات النيابية.
  • أول رئيس وزراء لم يشرك النواب في حكومته بعد عام 1989، لإيمانه بمبدأ فصل السلطات.

الوفاة

توفي عبد السلام المجالي مساء الثلاثاء 3 يناير/كانون الثاني 2023 عن 98 عاما، ودفن في قريته بمقبرة العائلة.

المصدر : الجزيرة