الجمعيات اليهودية.. وكيل إسرائيل للاستيطان في الضفة الغربية

مستوطنة "كريات أربع" أولى المستوطنات التي أقيمت في الخليل بالعام 1968، وأقيمت بمبادرة حركة "غوش أمونيم".
مستوطنة "كريات أربع" أولى المستوطنات التي أقيمت في الخليل بالعام 1968، وأقيمت بمبادرة حركة "غوش أمونيم" (الجزيرة نت)

تعد الجمعيات اليهودية الذراع الرسمي للحكومة الإسرائيلية في توسيع المشروع الاستيطاني داخل الأراضي الفلسطينية، حيث أوكلت الحكومة عملية الإشراف على 150 بؤرة استيطانية لهذه الجمعيات.

ومنذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، أقامت الحكومة الإسرائيلية 288 مستوطنة يقيم فيها أكثر من 550 ألف مستوطن، وتعترف سلطات الاحتلال رسميا بـ138 مستوطنة منها فقط.

النشأة والتأسيس

بعد حرب عام 1967، وضع حزب العمل الحاكم "المعراخ" -في ذلك الوقت- حجر الأساس للمشروع الاستيطاني بالضفة "مشروع آلون"، واستُعين بالجيش الإسرائيلي لتطبيق المشروع من خلال وحدة أطلق عليها اسم "شبيبة الطليعة المقاتلة"، التي انتشرت على طول خط الهدنة بالضفة ومنطقة الأغوار.

وركز "مشروع آلون" الذي أعده وزير القضاء الإسرائيلي السابق إيغال آلون على الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تحت ما يسمى "الأغراض العسكرية والأمنية"، وكان هدفه الرئيسي هو الاستيطان وتوطين اليهود بالضفة لأغراض زراعية، ولمصادرة المياه الجوفية الفلسطينية.

أُسس "مشروع آلون" للاستيلاء على الأرض عبر الاستيطان على طول غور الأردن، وحتى جنوب "صحراء الخليل"، بطول 115 كيلومترا وعرض 20 كيلومترا، وخلال 10 سنوات من احتلال الضفة تم بناء 34 مستوطنة.

وبنيت أول مستوطنة في الضفة عام 1967، وعرفت بـ"كفار عتصيون"، وبعد أقل من عام بنيت مستوطنة "كريات أربع".

3 ثكنات عسكرية تحول إلى مشاريع استيطانية تضم للمستوطنات بالضفة.
ثكنات عسكرية تحولت إلى مشاريع استيطانية في الضفة (الجزيرة نت)

وتنافست الأحزاب والقيادات الإسرائيلية فيما بينها على ابتكار المقترحات والمشاريع لتثبيت الاستيطان في الضفة على وجه الخصوص، وعلى خطى "مشروع آلون"، تبلور مشروع "غاليلي"، الذي وضعته اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان، برئاسة الوزير يسرائيل غاليلي عام 1977، بقصد إقامة 186 مستوطنة في فلسطين، 49 مستوطنة منها تقع داخل الضفة.

وعلى خطى "حزب العمل" سار حزب الليكود بعد "انقلاب 1977″، وتابع المشاريع الاستيطانية القائمة، وتبنى مشروع "فوخمان" أو ما يعرف بـ"العمود الفقري المزدوج"، بالتعاون مع حركة "غوش أمونيم" رأس الاستيطان بالضفة، وتحولت لحركة سياسية واجتماعية ودينية واستيطانية وأيديولوجية ذات نفوذ وتوغل في الخارطة الحزبية الإسرائيلية.

وتعد حركة "غوش أمونيم"، التي أسست عام 1974، رأس عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتحديدا في الضفة الغربية، إذ ساهمت بتغلغل الفكر الصهيوني الاستعماري الاستيطاني في العقلية الإسرائيلية.

وزاد نفوذ حركة "غوش أمونيم" عقب الانقلاب عام 1977، وتقلد حزب الليكود للحكم خلفا لحزب العمل، وانتشرت ثقافة عدم التفريط بما يسمى "أرض إسرائيل الكبرى"، تأكيدا للسيادة اليهودية عليها.

ومنذ البداية كانت فكرة "غوش أمونيم" إقامة أكبر عدد من المستوطنات والكتل الاستيطانية والبؤر الاستيطانية في مناطق سكنية مأهولة ومتفرقة على أكبر مساحة ممكنة، وذلك بهدف توطين مليون يهودي في الضفة.

وركزت حركة "غوش أمونيم" في مشروعها الاستيطاني على الطرق ومسطحات الأراضي الممتدة من نابلس إلى الخليل عبر القدس وطرق ترتبط بغور الأردن، وكانت أولى المستوطنات التي بنتها في منطقتي نابلس ورام الله، حيث أسست عام 1977 ثلاث مستوطنات هي "عوفرا"، و"كيدوميم"، و"معاليه أدوميم".

4 الاستيطان الرعوي ونشر مزارع تربية المواشي على جبل الضفة.
الاستيطان الرعوي أحد أشكال احتلال الأراضي الفلسطينية حيث يتم نشر مزارع تربية المواشي على جبل الضفة (الجزيرة نت)

الفكر والأيديولوجيا

وقد ارتبط المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية بفكر وأجندة مختلف الأحزاب "اليهودية" و"الصهيونية"، حيث كان الاستيطان محورا جوهريا في برامج الأحزاب التي شكلت الائتلاف لمختلف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وعمدت هذه الأحزاب إلى توسيع المشروع الاستيطاني من منطلقات أيديولوجية وديمغرافية، ومراوغات سياسية رسمت من خلالها مسار وسيرورة المشروع الاستيطاني وتوسعه وملامحه المستقبلية.

وقامت الحكومات الإسرائيلية على مختلف تركيباتها الائتلافية بتوسيع المشروع الاستيطاني ودعمه بالميزانيات، وتوفير الغطاء الأمني والعسكري واللوجستي لتوسعه وتوغل حتى البؤر الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية وإطلاق العنان للجمعيات اليهودية للاستيلاء ووضع اليد على المزيد من الأراضي الفلسطينية لتوسيع مسطحات نفوذ المستوطنات وتشكيل نوى جديدة لمستوطنات مستقبلية بحماية جيش الاحتلال.

وتسلحت الحكومات الإسرائيلية بجيش الاحتلال وما يسمى "الإدارة المدنية"، لتوسيع المشروع بالضفة الغربية والذي عمد إلى إصدار الأوامر العسكرية لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت ذراع "أغراض أمنية وعسكرية"، إذ تسيطر سلطات الاحتلال على 60% من مساحة الضفة الغربية والأغوار التي تبلغ مساحتها 5844 كيلومترا مربعا.

وتبلغ مساحة البناء للمستوطنات القائمة 196 كيلومترا مربعا، بينما مساحة الأراضي التي تم وضع اليد عليها وما تزال فارغة حول المستوطنات 343 كيلومترا مربعا، في حين بلغت مسطحات الأراضي المصادرة لأغراض عسكرية وتقع ضمن نفوذ المجالس الاستيطانية 541 كيلومترا مربعا، وفق مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم".

مستوطنة سوسيا كبرى المستوطنات في مسافر يطا
مستوطنة "سوسيا" كبرى المستوطنات في منطقة "مسافر يطا" (الجزيرة)

الأعلام والرموز

إيغال آلون

وزير الشؤون الخارجية الإسرائيلي سابقا، ورئيس حركتي "الكيبوتسات" و"حزب العمل"، وهو معد "مشروع آلون" الاستيطاني داخل الضفة.

ولد في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 1918 في كفار تابور، وتوفي في 29 فبراير/شباط 1980.

يسرائيل غاليلي

رئيس الهيئة العامة لـ"الهاغاناه" ومن قياديي حركتي "الكيبوتسات" و"حزب العمل"، والوزير المسؤول عن شؤون الاستيطان سابقا، وقد أسس مشروع "غاليلي" الاستيطاني.

ولد عام 1911 في أوكرانيا، وهاجر إلى فلسطين عام 1914، وتوفي عام 1986.

أرييل شارون

عمل في الجيش الإسرائيلي منذ تأسيسه عام 1948، وشارك في حرب 1948، كما تولى منصبي قائد الجيش ووزير الدفاع، وشجع على تأسيس حركة "شبيبة التلال" للاستيطان في تلال الضفة وإفشال المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

ولد في 27 فبراير/شباط 1928 بقرية ميلان الفلسطينية، وتوفي في 11 يناير/كانون الثاني 2014.

سلب الكنوز الطبيعية والمياه الجوفية الفلسطينية من قبل شركة "مكوروت" التابعة لحكومة الاحتلال.
شركة "مكوروت" التابعة لحكومة الاحتلال صادرت المياه الجوفية الفلسطينية (الجزيرة)

بالتاريخ.. أبرز الجمعيات اليهودية

في عام 1908 أُسس "لواء الاستيطان" كوحدة مستقلة داخل "المنظمة الصهيونية العالمية"، ويعمل ذراعا تنفيذيا للحكومات الإسرائيلية في إنشاء المستوطنات والمزارع في الضفة الغربية والجولان السوري، ومنذ عام 2004 أيضا يعمل في النقب والجليل داخل الخط الأخضر، ويتم تمويل نشاطه من قبل حكومات إسرائيل.

وبعد حرب 1967 أُنشئت حركة "غوش أمونيم" مباشرة، وخلقت حالة من التنافس بين المعسكرات والأحزاب والتيارات اليهودية المختلفة لتأسيس جمعيات تعنى بتعزيز وتوسيع المشروع الاستيطاني مع العمل إلى جانب الحكومات الإسرائيلية عبر ما يسمى "لواء الاستيطان" في وزارة الإسكان، والذي يعد الذراع الحكومي المشرف على الاستيطان والبناء وإحكام القبضة على الأراضي الفلسطينية بذريعة التطوير في فلسطين التاريخية.

وأُسست "حركة أمان" عام 1979 كجسم تنظيمي داعم لـ"غوش أمونيم"، وتعمل بشكل أساسي على إقامة مستوطنات جديدة وتطوير المستوطنات القائمة، وتبادر إلى مشاريع استيطانية عبر شركات استثمارية بملكيتها، كما تتخصص في البناء والتخطيط الهيكلي للمستوطنات.

وفي عام 2005 أُسست حركة "نحالا" دعما لحركة "غوش "أمونيم"، كونها تركز جل نشاطها على توسيع دائرة نفوذ المستوطنات القائمة ونشر البؤر الاستيطانية على أوسع مساحة من الأراضي الفلسطينية في الضفة، حيث ساهمت "نحالا" في إقامة أكثر من 60 بؤرة استيطانية حتى عام 2022.

وتنشط حركة نحالا بالترويج للمشاريع الاستيطانية من خلال تعزيز العلاقات مع القيادات السياسية على مستوى إسرائيل والجاليات اليهودية عبر العالم، وتحظى بدعم وتأييد من تيار "الصهيونية الدينية"، كما أنها تتوغل في المجتمع الإسرائيلي القومي والديني وحتى العلماني، وتتطلع لتوطين مليوني يهودي بالضفة.

صحراء الخليل في محط أطماع الاحتلال.
صحراء الخليل محط أطماع إسرائيل للاستيطان فيها (الجزيرة)

وكانت الحركة بحاجة لتثبيت البؤر الاستيطانية، فعمدت إلى تشجيع تأطير ودعم ما يسمى "شبيبة التلال" التي أُسست بالعام 1998، بدعوة من وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون، حيث حث شباب المستوطنين على الاستيطان في أعالي التلال في كافة مناطق الضفة سعيا لإفشال مفاوضات الحل الدائم بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وتحولت "شبيبة التلال" إلى سلاح الاحتلال لتنفيذ هجمات إرهابية على الفلسطينيين بغرض دفعهم لمغادرة أراضيهم وإقامة البؤر والمزارع الاستيطانية والمناطق الرعوية وتوسيع المستوطنات القائمة مكانها.

ويتم تنفيذ مئات الهجمات والاعتداءات على الفلسطينيين سنويا، وقد تمكنت من المساهمة والمساعدة بالاستيلاء على عشرات آلاف الدونمات التي يملكها فلسطينيون ملكية خاصة.

وفي عام 2006 تأسست حركة "ريغافيم" بدعم من الحكومة الإسرائيلية حينها، والتي تعني "المحافظة على الأراضي الوطنية"، حيث تعمل على "وضع أجندة يهودية وصهيونية لدولة إسرائيل فيما يتعلق بالأرض والبيئة وحقوق الإنسان".

وتسعى للتأثير على جميع أجهزة الحكم في إسرائيل، وجعلها تعمل في ضوء "المبادئ الصهيونية" الأساسية وتنفيذها في القانون والممارسة، لحماية أراضي "الشعب اليهودي"، والكنوز الطبيعية والمناظر الطبيعية في "أرض إسرائيل" ومنع الاستيلاء على هذه الموارد من قبل الفلسطينيين، وتحضير الشكاوى والدعاوى لمطالبة الإدارة المدنية لهدم المنازل والمنشآت الفلسطينية بذريعة البناء دون ترخيص، وكذلك منع التوسع العمراني للفلسطينيين، خصوصا في تخوم المستوطنات.

المصدر : الجزيرة