طائرات الكاميكازي.. يوم قصف الطيارون الانتحاريون اليابانيون الأسطول الأميركي في الحرب العالمية الثانية

طائرات الكاميكازي هي جزء من وحدة تم تشكيلها من قبل الأدميرال الياباني أونيشي طاكيجيرو (شترستوك)

"رياح الآلهة (الكاميكازي)" أو "الهجمات الانتحارية"، هو تكتيك عسكري لجأت إليه اليابان ضمن قوى المحور، كحل أخير، في نهاية الصراع مع الأميركيين وقوى الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، أملا في تكبيدهم خسائر تجبرهم على الاستسلام.

وأطلق لقب "رياح الآلهة" على الطيارين الانتحاريين الشباب، الذين شكلوا "وحدة قوات الهجوم الخاصة"، في ذكرى العاصفة التي ساعدت اليابانيين على صد محاولات الغزو المغولي في القرن الثالث عشر، حيث قرر اليابانيون اللجوء إلى هذا التكتيك عام 1944 عندما اعتبروا أن الوضع في الحرب العالمية الثانية أصبح ميؤوسا منه.

الحرب العالمية الثانية

خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وتحديدا في أكتوبر/تشرين الأول سنة 1944، كانت البحرية اليابانية قد عانت من سلسلة هزائم ساحقة، خلال معركة بحر الفلبين يومي 19 و20 يونيو/حزيران 1944.

فقدت اليابان تقريبا جميع طائراتها وثلث حاملات الطائرات المشاركة، بعد أن كانت تملك عام 1941 أسطولا يضم أفضل الطائرات في العالم.

أمام هذا الوضع، كانت لدى القادة العسكريين اليابانيين، فكرة زيادة فعالية ما تبقى من عتادهم الحربي (ماديا وبشريا) عن طريق تحويله إلى قنابل بشرية.

بدأ اليابانيون بالفعل تطوير أجهزة مخصصة حصريا للهجمات الانتحارية، أبرزها طوربيدات كايتن (Kaiten) والطائرات الانتحارية أوهكا (Ôhka)، التي كانت قيد التطوير منذ نهاية صيف عام 1944، لكنها لم تجرب بعد.

أصل التسمية

طائرات الكاميكازي هي جزء من وحدة تم تشكيلها من قبل الأدميرال أونيشي طاكيجيرو (Ônishi Takijirô) (1945-1891)، "وهي وحدة هجوم خاصة" (توكوتاي tokkôtai)، تحمل اسم شينبو (Shinpu).

الأحرف التي يتكون منها هذا اسم (Kamikaze) تعني بالتعبير الياباني "الرياح الإلهية" ويمكن أيضا قراءتها "كامي كازي".

يعود تاريخ هذه التسمية إلى الفترة ما بين 1274 و1281م التي حاول فيها المغول غزو اليابان، حينما أرسل الإمبراطور المغولي قوبلاي خان أساطيله البحرية لغزو اليابان، لكن عواصف قوية ضربت المنطقة وقضت بأعجوبة على الأسطول المغولي وساعدت بذلك اليابانيين على صد هذا الغزو، حيث اعتبروها هبة من الآلهة وأطلقوا عليها اسم "كاميكازي".

أعيد استعمال هذا المصطلح خلال الحرب العالمية الثانية مع الطيارين الانتحاريين اليابانيين في أكتوبر/تشرين الأول 1944، خلال معركة ليتي البحرية في الفلبين، حيث تم استخدام مقاتلات صفرية محملة بـ250 كيلوغراما من القنابل.

الحرب الأميركية اليابانية

منذ بداية الحرب العالمية الثانية في 1 سبتمبر/أيلول سنة 1939، لم تنل الإستراتيجية التي وضعها طاقم البحرية اليابانية آنذاك الإجماع في البلاد، لأنها كانت ترمي فقط إلى الدفاع عن قواعدها.

لكن الأدميرال إيسوروكو ياماموتو عارض تماما هذه الفلسفة الدفاعية، وكان يعتقد على العكس من ذلك أن هجوما مفاجئا موجها نحو تجمع القوات البحرية الأميركية يمكن أن يكون حاسما، لأنه سيقلل بشكل كبير من قوة العدو البحرية بينما يسمح للجيش الياباني بربح الوقت وتقوية صفوفه.

ولتنفيذ خطته، استفاد ياماموتو الذي كان شخصية مؤثرة للغاية، من دعم مختلف الجنود والسياسيين في اليابان. وبعد المصادقة على خطته، قام ياماموتو بتعيين الرائد العسكري مينورو جندا (Minoru Genda) للتحضير للهجوم، بالنظر لصفاته كخبير تكتيكي ومهاراته في الابتكار.

واقتناعا منه أن الطيران يجب أن يكون في قلب الجهاز التكتيكي المعَد للهجوم على ميناء بيرل هاربور (Pearl Harbour)، حيث يوجد الأسطول البحري الأميركي، قرر ياماموتو إعادة تنظيم الأسطول الياباني، في سرية تامة، من خلال تجميع الأقسام الثلاثة لحاملات الطائرات، والتي كانت تضم 10 سفن.

قبل التصديق على خطة ياماموتو من قبل هيئة الأركان العامة اليابانية، بدأ القائد العسكري مينورو جندا بتدريب أسطوله في البحار الجنوبية والتفكير في عدة سيناريوهات باستخدام خرائط لمحاكاة جزيرة أواهو (Oahu) -هاواي- وميناء بيرل هاربور، وركزت اليابان كل اهتمامها على هجوم مفاجئ.

في غضون ذلك، تم التصديق على خطة ياماموتو، وأعاد الأسطول الياباني تنظيم صفوفه على مستوى جزر كوريل (Kouriles) في إيتوروفو (Etorofu)، وخطط لتغطية 5430 كيلومترا عبر 25 غواصة و32 سفينة، بما في ذلك 6 حاملات طائرات وسفينتان حربيتان ثقيلتان، و378 طائرة لما مجموعه 8900 رجل عسكري.

حشدت اليابان لمحاصرة ميناء بيرل هاربور، الذي لم يكن مستعدا لمقاومة أي هجوم جوي بحري، حيث قرر القائد الأعلى للأسطول الأميركي إدوارد كيميل نشر قواته في المحيط الهادي، خاصة حاملات الطائرات "يو إس إس إنتربرايز" (USS Enterprise).

وضع اليابانيون خطتين للهجوم، وتم اختيار تلك التي تنص على عنصر المفاجأة بسبب الغياب التام للمقاومة الأميركية المحتملة، وفي يوم الأحد الموافق 7 ديسمبر/كانون الأول 1941، وبينما كان سكان جزيرة أواهو ينهون وجبة الإفطار أو يستعدون للمغادرة، اجتاح أسطول الطيران الياباني المواقع الأميركية.

فوجئ الأميركيون بهذا الهجوم وظلوا عاجزين عن مواجهة عفوية الهجمات اليابانية المتعددة، حيث دمرت قاعدة مشاة البحرية في إيوا (Ewa) خلال 15 دقيقة واشتعلت النيران في ثلثي الطائرات.

نفس الشيء حدث في قاعدة كانيوهي (Kaneohe) البحرية، حيث تم تدمير 24 من 33 طائرة بحرية متمركزة هناك في غضون 10 دقائق، وكان الهدف هو القضاء على القوات الأميركية من أجل الاستمرار في الفتوحات الإقليمية في منطقة المحيط الهادي.

رد الفعل الأميركي ظل غائبا في وقت كانت فيه قواعد جزيرة فورد وهيكام وويلر مستهدفة من قاذفات القنابل اليابانية التي دمرت الجزء الأكبر من القوة الجوية الأميركية في 20 دقيقة، وأصبح الجيش الإمبراطوري الياباني لحظتها سيد السماء ويمكنه بالتالي التركيز على الهدف الرئيسي، ألا وهو تدمير الأسطول الأميركي المتمركز في ميناء بيرل هاربور.

على الجانب الأميركي كانت الخسائر فادحة في بيرل هاربور، فقد أودى الهجوم الياباني بحياة 2340 جنديا و50 مدنيا وأصيب أزيد من 1170 شخصا. وعلى مستوى الخسائر المادية، فقدت القوات الأميركية 166 طائرة فيما دمرت أو تضررت 21 سفينة موجودة في المرفأ.

نالت خطة إيسوروكو ياماموتو نجاحا كبيرا وألحق الجيش الياباني خسائر فادحة بعدوه وحافظ على جميع حاملات طائراته، على الرغم من فقدانه 29 طائرة و61 أخرى يصعب إصلاحها، وبذلك كانت بداية الحرب الفعلية بين اليابان وأميركا التي دخلت الحرب العالمية الثانية إلى جانب دول الحلفاء بسبب هذا الهجوم.

الكاميكازي يوكيو سيكي.. أول انتحاري

كانت حاملة الطائرات "يو إس إس سانت لو" (CVE – 63) (USS St.Lo)، التابعة للبحرية الأميركية، أول حاملة طائرات تم تدميرها بالكامل في بحر الفلبين بواسطة هجوم طائرات الكاميكازي خلال الحرب العالمية الثانية.

دخل الطيار الكاميكازي يوكيو سيكي (Yukio Seki) التاريخ، كأول انتحاري يصيب هدفه بدقة أثناء الهجوم على السفينة الأميركية، يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 1944، عندما انطلق بطائرته، التي كانت محملة تحت جناحيها بالقنابل، واصطدم بحاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس سانت لو"، ما تسبب في نشوب حريق مهول وانفجار في مستودع الأسلحة وسط السفينة مخلفا نحو 113 قتيلا.

حقق هجوم طائرات الكاميكازي الأول نجاحا كبيرا، حيث تم إغراق حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس سانت لو"، لكن هذا الوضع لم يستمر طويلا بعد أن قررت عناصر البحرية والجيش الأميركيين وضع برامج رئيسية لمواجهة تكتيكات الكاميكازي، ومن هنا جاء اختراع طوربيدات كايتن (Kaiten) والطوربيدات الموجهة (les torpilles pilotées) وطائرات أوكا (Ôhka).

الخسائر اليابانية في هذه الحرب كانت هائلة، إذ تمكنت 17% فقط من طائرات الكاميكازي من إصابة أهدافها، وهناك وثائق تتحدث عن وفاة ما يقارب 3800 طيار ياباني وأخرى تتحدث عما يقارب 6 آلاف وهناك من يقول إن الحصيلة ترتفع إلى 15 ألف قتيل.

وفي سنة 2019 ذكرت قناة (NHK) اليابانية أن حطام حاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس سانت لو"، تم اكتشافها وتصويرها من قبل أعضاء بعثة الغواصة الأميركية، في المحيط الهادي، في مايو/أيار سنة 2019.

متحف شيران للسلام

خلال الحرب العالمية الثانية، كانت قاعدة شيران الجوية هي نقطة الانطلاق الأخيرة لمئات الرجال الذين انضموا إلى وحدة "توكو تاي" (Tokko-tai) الخاصة للهجوم، والمعروفة باسم المفجرين الانتحاريين "الكاميكازي"، إذ إن من بين 1036 طيارا ماتوا في معركة أوكيناوا، كان 439 من شيران.

تم بناء متحف شيران للسلام في عام 1975، من طرف تاداماسا إيتاتسو أحد طياري الكاميكازي الناجين من الحرب لإحياء ذكرى تضحيات أصدقائه الشباب الذين ضحوا بحياتهم من أجل بلادهم.

ويكمن الجانب الأكثر إثارة في هذا المتحف، في الصور والرسائل التي لا تعد ولا تحصى والممتلكات الشخصية، وكذلك الوثائق التاريخية، التي خلفها الطيارون الشباب، والتي تمثل بعضا من حالتهم الذهنية قبل امتطاء طائراتهم للمرة الأخيرة.

كما يوجد ضريح ومعبد أيضا في الموقع للترحيب بالزوار الذين يرغبون في الصلاة من أجل السلام.

قام إيتاتسو بجمع أكثر من ألف رسالة وداع من عائلات الضحايا، تم ترجمة 333 منها من قبل المتحف وقدمت إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، على أمل أن يتم إدراجها في قائمة التراث العالمي.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية