مفاوض بارز وصاحب عقلية براغماتية.. الكاظمي رئيس الوزراء العراقي الذي لا يعادي أحدا
مراقب غربي يرى أن الكاظمي "يجسد عودة دولة عراقية ذات سيادة".
نجا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي من "محاولة اغتيال فاشلة" بواسطة "طائرة مسيّرة مفخّخة" استهدفت فجر اليوم الأحد مقرّ إقامته في بغداد، في هجوم لم تتبنّه أي جهة بعد. والكاظمي رئيس سابق لجهاز المخابرات وصحافي سابق ومفاوض ماهر بات مستقبله السياسي مجهولاً بعد الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كنت ومازلت مشروع فداء للعراق وشعب العراق، صواريخ الغدر لن تثبط عزيمة المؤمنين، ولن تهتز شعرة في ثبات وإصرار قواتنا الأمنية البطلة على حفظ أمن الناس وإحقاق الحق ووضع القانون في نصابه.
أنا بخير والحمد لله، وسط شعبي، وأدعو إلى التهدئة وضبط النفس من الجميع، من أجل العراق.— Mustafa Al-Kadhimi مصطفى الكاظمي (@MAKadhimi) November 7, 2021
تسلّم الكاظمي، المولود في بغداد في 1967، رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي في يونيو/حزيران 2016، في عزّ المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وقد نسج خلال وجوده في هذا الموقع الإستراتيجي الذي أبعده عن الأضواء، روابط عدة مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsهكذا يبتعد العراق عن إيران ويقترب من واشنطن ومحيطه العربي
في بداياته، كان الكاظمي الذي درس القانون في العراق، صحافيا وناشطا مناهضا للرئيس العراقي الراحل صدام حسين من أوروبا التي لجأ إليها هربا من النظام. وعاش سنوات في المنفى، لكنه لم ينضم إلى أي من الأحزاب السياسية العراقية.
أدار الكاظمي من بغداد ولندن مؤسسة "الحوار الإنساني"، وهي منظمة مستقلة تسعى إلى سد الثغرات بين المجتمعات والثقافات، والتأسيس للحوار بديلا عن العنف في حل الأزمات.
كما عمل كاتب عمود ومديرا لتحرير قسم العراق في موقع "مونيتور" الدولي، وركزت مقالاته على تكريس روح السلم الاجتماعي في البلاد. ونشر خلال مسيرته المهنية العديد من الكتب، من أبرزها "مسألة العراق.. المصالحة بين الماضي والمستقبل".
بعد الغزو الأميركي للعراق والإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، عاد الكاظمي إلى العراق ليشارك في تأسيس شبكة الإعلام العراقي، تزامنا مع دوره مديرا تنفيذيا لـ"مؤسسة الذاكرة العراقية"، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق الانتهاكات التي وقعت خلال الحقبة البعثية (1968-2003).
في عام 2016، كانت مفاجأة أن يعيّن رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي كاتب العمود والناشط الحقوقي في رئاسة جهاز المخابرات، إضافة إلى دوره في مكافحة الإرهاب والتهريب على أنواعه، وقد طوّر الكاظمي مواهبه بوصفه مفاوضا ووسيطا.
ويقول سياسي مقرب من الكاظمي "إنه شخصية لا تعادي أحدا، صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية، علاقة جيدة مع الأميركيين، وعلاقة عادت إلى مجاريها مؤخرا مع الإيرانيين".
من طهران إلى الرياض
ويعرف الكاظمي كيف يكون صديقا لعدوين فيما بينهما، فمع عودته إلى التقارب مع طهران، لم ينس صداقاته القديمة. وخلال زيارة إلى الرياض، المنافس الإقليمي لطهران، عقب توليه رئاسة وزراء العراق في مايو/أيار 2020، شوهد وهو يعانق مطولا صديقه الشخصي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ونتيجة هذه العلاقات المنسوجة شرقا وغربا، حاول في الأشهر الأخيرة جعل بغداد تتمتّع بمركز دولي. فقد كانت العاصمة العراقية مسرحا لمفاوضات مغلقة بين طهران والرياض، وشهدت زيارة تاريخية للبابا فرانشيسكو في مارس/آذار الماضي، واستضافت في أغسطس/آب الماضي مؤتمرا دوليا، شارك فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ويرى مراقب غربي أن الكاظمي "يجسد عودة دولة عراقية ذات سيادة".
لكنّ فصائل موالية لإيران تتّهمه بأنه متواطئ في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي على يد الولايات المتحدة في بغداد مطلع عام 2020. ولذلك كان لا بدّ عليه أن يعيد تحسين صورته أمام طهران.
داخليا، يواجه الكاظمي معارضة تحالف فصائل موالية لإيران منضوية في القوات الأمنية. ويطالب مناصرو الحشد بانسحاب كامل للقوات الأميركية من العراق، ويواصلون الضغط على الكاظمي في هذا الصدد.
كما يحمّل هؤلاء المناصرون حكومة الكاظمي المسؤولية عن حصول "تزوير" في الانتخابات النيابية المبكرة الأخيرة التي تراجع فيها عدد مقاعد تكتل الفتح بزعامة هادي العامري الممثل للحشد الشعبي.
وليس الكاظمي مرشحا رسميا لتولّي المنصب من جديد، لكن يرى بعض المسؤولين السياسيين فيه حلاً توافقيا إذا تعثّرت المفاوضات بين القوى السياسية.
بعد حصوله على دعم الطبقة السياسية العراقية التي تحتكر السلطة منذ 16 عاما، اضطر الكاظمي إلى إعادة نسج الروابط التي تقطعت مع العراقيين الغاضبين الذين تظاهروا خلال أشهر ضد السياسيين "الفاسدين".
حاول أيضا التفاوض بشأن القنوات الاقتصادية الحيوية للبلاد، مع انهيار أسعار النفط عالميا، إضافة إلى مسألة الإعفاءات الأميركية للعراق من العقوبات على إيران.
ويقول مدير الدراسات في معهد الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد توبي دودج "إنه مفاوض بارز ولاعب ماكر"، لكنه يضيف أن "العراق اليوم في وقت مستقطع، وقد ازدادت المخاطر كثيرا".