"قانون الهولوكوست".. عندما تدافع بولندا عن صورتها
قانون بولندي يجرّم بالسجن كل من يشير إلى مخيمات الموت النازية في البلاد (الهولوكوست) على أنها بولندية، أثار توترا مع إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى الأوروبيين.
القانون الذي قدمه زعيم المحافظين الحاكمين في بولندا ياروسلاف كاتشينسكي، تبناه مجلس النواب البولندي يوم 26 يناير/كانون الثاني 2018 بأغلبية 57 نائبا مقابل 23 رفضوه، ثم أقره مجلس الشيوخ في 31 من الشهر ذاته، وجاء دور الرئيس أندريه دودا الذي وقعه يوم 6 فبراير/شباط 2018، في خطوة تتيح دخوله حيز التنفيذ.
وطلب الرئيس -الذي وصل إلى السلطة عام 2005- من الحكومة الدستورية التحقق من تطابق النص مع القانون الأساسي فيما يتعلق بحرية التعبير.
وتقول السلطات البولندية إن القانون يهدف للدفاع عن صورة بولندا في مسألة جرائم ارتكبها النازيون على أراضيها إبّان الحرب العالمية الثانية، ولضمان اعتراف المؤرخين بأن بولنديين راحوا ضحية ممارسات النازيين.
وفي كلمة له في التلفزيون، صرح الرئيس دودا بأن هذا القانون "يحمي المصالح البولندية.. وكرامتنا والحقيقة التاريخية حتى لا يتم تشويه سمعة دولتنا وأمتنا"، كما أنه "يأخذ في الاعتبار الحساسية بالنسبة لهؤلاء الذين تمثل لهم الحقيقة التاريخية وذكرى المحرقة أهمية كبيرة".
واجتاحت ألمانيا النازية بولندا عام 1939 إبان الحرب العالمية الثانية، واحتلتها. وتقول إسرائيل إن نحو ثلاثة ملايين يهودي قتلوا على يد نازيي بولندا. ودأبت الأخيرة على رفض استخدام عبارات مثل معسكرات الموت البولندية لأنها تشير بطريقة ما إلى مشاركتها في المسؤولية عن هذه المذابح.
يذكر أن كل من ينكر "المحرقة اليهودية" يتهم بمعاداة السامية، ويتعرض لضغوط من اللوبي اليهودي.
نص القانون
تضمن قانون "الهولوكوست" إجراءات عقابية ضد كل شخص "ينسب إلى الأمة أو الدولة البولندية جرائم ارتكبها النازيون الألمان إبان احتلالهم بولندا"، وينص على التالي:
ــ فرض غرامات مالية وعقوبة تصل للسجن ثلاث سنوات لكل من ينتهك القانون سواء كان بولنديا أو أجنبيا.
ــ يجرم تسمية "معسكرات الموت" في العهد النازي بالمعسكرات البولندية، كما يعاقب كل من يتهم دولة بولندا أو الأمة البولندية بالتورّط أو بالمشاركة في المحرقة النازية.
وتقول منظمات قومية بولندية، دعت في وقت سابق لاحتجاجات أمام السفارة الإسرائيلية في وارسو، إن هناك "سلسلة أكاذيب لممثلي إسرائيل بشأن سلوك بولندا والبولنديين أثناء الحرب العالمية الثانية".
الرد الإسرائيلي
أثار قانون "الهولوكوست" غضب إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى منظمات يهودية داعمة لإسرائيل.
وجاء الرد الفوري من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اتهم بولندا نهاية يناير/كانون الثاني 2018 بالسعي لإنكار التاريخ من خلال هذا التشريع، وقال في بيان "نحن لا نتسامح مع تحوير الحقيقة وإعادة كتابة التاريخ أو إنكار الهولوكوست".
وتمخضت الردود الإسرائيلية من مختلف الاتجاهات عن اقتراح قانون في الكنيست حصل على تأييد مبدئي من قبل 61 نائبا من أصل 120، يفرض عقوبة الحبس لخمس سنوات على كل من "يقلل من أو ينكر دور من ساعدوا النازيين في الجرائم المرتكبة ضد اليهود".
وطالبت وزارة الخارجية الإسرائيلية يوم 6 فبراير/شباط 2018 من السلطات البولندية بتقديم "توضيحات وتعديلات" على القانون الذي دخل حيز التنفيذ مع توقيع الرئيس عليه.
أما النائبة العربية في الكنيست حنان زعبي فانتهزت فرصة الهجوم الإسرائيلي على بولندا بسبب قانون الهولوكوست لتذكير تل أبيب بنكبة عام 1948 التي شردت الفلسطينيين.
وعلى المستوى الأوروبي، انتقد المفوض الأوروبي بيار موسكوفيسي التشريع البولندي، وقال في برنامج إذاعي يوم 4 فبراير/شباط 2018 إنه يجب إدانته، ودعا إلى احترام القيم الأوروبية، وأضاف "أعتقد أن هذا القانون يؤكد أن أولوية السلطات البولندية اليوم ليست في احترام هذه القيم. ففي هذه القيم يكمن تاريخنا، وفي صميم تاريخنا تقع مأساة المحرقة هذه".
الولايات المتحدة من جهتها أعربت عن "خيبة أملها" من توقيع الرئيس البولندي على القانون، وحذرت من عواقب إقراره على علاقة واشنطن بهذا البلد العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) والذي وصفه وزير الخارجية ريكس تيلرسون بأنه "حليف قوي" لبلاده.