يوري موسيفيني "محرر ثوري" أََسرته سطوة السلطة

WINDSOR, ENGLAND - APRIL 20: President of Uganda Yoweri Museveni arrives at Windsor Castle for a retreat with other Commonwealth leaders on the final day of the 'Commonwealth Heads of Government Meeting' (CHOGM) on April 20, 2018 in Windsor, England. The UK is hosting the heads of state and government from the Commonwealth nations this week. (Photo by Jack Taylor/Getty Images)
يوري موسيفيني في اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث في قلعة وندسور بإنجلترا عام 2018 (غيتي)

من أبرز القادة السياسيين في أفريقيا، وصل إلى سدة الحكم في أوغندا عام 1986 عقب تمرد مسلح، واستهل نشاطه السياسي منخرطا في الحركات الثورية المناهضة للاستعمار والأنظمة الدكتاتورية في أفريقيا، ثم أصبح قائدا لحركة مسلحة إبان الحرب الأهلية الأوغندية بداية ثمانينيات القرن الـ20 استطاعت السيطرة على مناطق مهمة من البلاد، وتمكنت من دخول العاصمة كمبالا، ونصبت قائدها رئيسا.

استمر حكمه لأوغندا بعد ذلك لعقود بفوزه المتتالي في الانتخابات الرئاسية، في ظل انتقادات دولية واتهامات من معارضيه بالتزوير وقمع المعارضة السياسية.

وُجهت إليه اتهامات من طرف منظمات حقوقية -وفي مقدمتها منظمة العفو الدولية– بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في أثناء محاولاته الرامية إلى توطيد ركائز حكمه "المطلق" في ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20.

المولد والنشأة

ولد يوري كاغوتا موسيفيني يوم 15 أغسطس/آب 1944 في منطقة نتونغامو بجنوب غربي أوغندا، لأسرة ريفية من قبيلة أنكولي. ونشأ في بيئة زراعية بسيطة، إذ عمل والداه في تربية الماشية والزراعة.

الدراسة والتكوين

تلقى موسيفيني تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه، قبل أن يلتحق بمدينة مبارارا (270 كلم جنوب غرب كامبالا)، حيث أكمل المرحلة الثانوية.

بعد إنهائه التعليم الثانوي بتفوق، حصل على منحة للدراسة في جامعة دار السلام بتنزانيا عام 1967، وتخصص في الاقتصاد والعلوم السياسية.

في أثناء دراسته الجامعية تشبع بالفكر الماركسي، متأثرا بالأفكار الثورية المنتشرة بأفريقيا في ستينيات القرن العشرين، وشارك في أنشطة طلابية سياسية ونقاشات فكرية حول الاستعمار والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني.

LONDON, UNITED KINGDOM - MAY 11: President Yoweri Museveni of Uganda meets Prime Minister Theresa May during the London Conference on Somalia at Lancaster House on May 11, 2017 in London, England. (Photo by Hannah McKay - WPA Pool/Getty Images)
يوري موسيفيني استهل نشاطه السياسي منخرطا في الحركات الثورية المناهضة للاستعمار والأنظمة الدكتاتورية في أفريقيا (غيتي)

المسار السياسي

أسس موسيفيني تنظيم "جبهة الطلاب الثوريين الأفارقة" وهو لا يزال طالبا، وترأس وفدا لزيارة جبهة تحرير موزمبيق، وخضع مع رفاقه لدورات تدريبية عسكرية مكثفة في مجال حرب العصابات.

وانخرط في الحركات الثورية المناهضة للاستعمار والأنظمة الدكتاتورية في أفريقيا، وتأثّر بشكل خاص بحركات التحرر في موزمبيق وزيمبابوي، كما شارك في دعم الثورة الأنغولية.

ومباشرة بعد تخرجه، التحق بالعمل موظفا في الحكومة الأوغندية عام 1970، في عهد الرئيس أبولو ميلتون أوبوتي.

إعلان

وبعد نجاح انقلاب اللواء عيدي أمين دادا وإطاحته بحكم الرئيس أوبوتي عام 1971، فرّ موسيفيني إلى تنزانيا، وقاد منها معارضته لنظام عيدي أمين عبر حركة أسسها تحت اسم "جبهة الإنقاذ الوطني".

تلقى موسيفيني حينئذ دعما مهما من الجيش التنزاني، وساعده على الإطاحة بالنظام العسكري لعيدي أمين عام 1979.

بعد ذلك، دخل في صراع سياسي مع الفصائل الأخرى التي تنافست على السلطة، ودخلت البلاد ابتداء من عام 1981 في حرب أهلية خلّفت آلاف الضحايا من المدنيين.

وبعد حرب عصابات طويلة استمرت 5 سنوات، سيطرت حركة "المقاومة الوطنية" التي قادها موسيفيني على مناطق مهمة من البلاد، ليتمكن بذلك من دخول العاصمة كمبالا ويتولى حكم البلاد رسميا عام 1986.

الثالث من اليمين الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في القمة الخاصة بإيغاد شرقي أفريقيا عام 2017 (إيغاد)

حربه على "جيش الرب"

بعد سنوات قليلة من توليه الحكم، واجه موسيفيني تحديات أمنية خطيرة في شمال البلاد، حيث برز تمرد قادته جماعة عرفت باسم "جيش الرب للمقاومة" بزعامة جوزيف كوني، وجاء امتدادا لغضب شعبي في قبائل الأشولي التي استشعرت نوعا من التهميش السياسي والعسكري بعد وصول موسيفيني وحركته إلى السلطة.

اقتصر التمرد في البداية على حركات مقاومة محلية، لكن سرعان ما تحولت مع مرور الوقت إلى تمرد مسلح قاده كوني الذي زعم أنه "نبي شعب الأشولي"، وأن حركته تستمد توجيهاتها من "أوامر إلهية".

تميّزت الحرب التي شنها "جيش الرب" على الحكومة بالعنف والوحشية تجاه المدنيين، إذ اعتمدت الجماعة على خطف الأطفال وتجنيدهم قسرا للقتال، إلى جانب استغلال الفتيات في أعمال السخرة والاستعباد الجنسي، مما أدى إلى تشريد مئات الآلاف من سكان شمال أوغندا، ووقوع جرائم واسعة النطاق صنفتها منظمات حقوقية "جرائم ضد الإنسانية".

شنت حكومة موسيفيني عمليات عسكرية مكثفة ضد "جيش الرب"، لكنها لم تفلح في القضاء الكامل على التمرد الذي امتد لاحقا ليشمل دول الجوار مثل جنوب السودان والكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى.

اتّبع أساليب مختلفة لمواجهة تمرد جيش الرب، فأنشأ -فضلا عن العمليات العسكرية المباشرة- "قرى محمية" للسكان المدنيين، كما لجأت حكومته إلى الضغط الدولي وطلب الدعم من الولايات المتحدة التي صنفت "جيش الرب" جماعة إرهابية، وقدمت دعما استخباراتيا ولوجستيا مهما للحكومة الأوغندية.

بحلول العقد الثاني من القرن الـ21، تقلّص نشاط "جيش الرب" في أوغندا بشكل كبير، بعد عمليات مطاردة إقليمية مكثفة شاركت فيها قوات أميركية وأوغندية أجبرت كوني ومقاتليه على الفرار إلى مناطق نائية خارج الحدود، دون التمكن من اعتقاله وفق مذكرة توقيف أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه عام 2005.

يوري موسيفيني طالته اتهامات من منظمات حقوقية بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان (غيتي)

المناصب والمسؤوليات

على مدى مسيرته السياسية والعسكرية، تقلد موسيفيني مسؤوليات مختلفة وتولى مناصب عدة، منها:

  • مساعد باحث بمكتب الرئيس الأوغندي (1971) في أثناء الفترة المضطربة قبل حكم عيدي أمين.
  • مقاتل ضد نظام عيدي أمين عقب انقلابه على الحكم عام 1971، وحينئذ هرب موسيفيني إلى تنزانيا، وشارك من هناك في التحضير لعمليات مسلحة لإسقاط النظام.
  • مؤسس جبهة الإنقاذ الوطني (1972)، وهي حركة متمردة شكلها في المنفى، وكان لها دور مباشر في الإطاحة بعيدي أمين عام 1979 بدعم من الجيش التنزاني.
  • وزير دولة، ثم وزير الدفاع (1979).
  • وزير التعاون الإقليمي (1979-1980)، وعمل على تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة في فترة إعادة بناء الدولة.
  • نائب رئيس اللجنة العسكرية الحاكمة، إذ كان جزءا من الهيئة العسكرية التي أدارت المرحلة الانتقالية.
  • رئيس حركة أوغندا الوطنية (1980)، وهي حركة سياسية شكلها بعد الانتخابات المتنازع عليها عام 1980، وأعادت ميلتون أوبوتي إلى الحكم.
  • مؤسس حركة المقاومة الوطنية وجيش المقاومة عام 1981، ثم زعيم المقاومة المسلحة ضد حكومة أوبوتي (1981–1986).
  • رئيس الجمهورية ووزير الدفاع (منذ 26 يناير/كانون الثاني 1986).
  • رئيس القيادة العليا والقائد الأعلى لجيش المقاومة الوطني، وحينئذ احتفظ بقيادة الجيش بشكل مباشر.
  • رئيس حركة المقاومة الوطنية، واستمر في ترؤس الحزب الحاكم الذي يسيطر على السلطة في أوغندا.
إعلان

التشبث بالسلطة

تولى يوري موسيفيني رئاسة أوغندا في يناير/كانون الثاني 1986، بعد سيطرة حركته المسلحة "حركة المقاومة الوطنية" على معظم مناطق البلاد، منهيا بذلك سنوات من الاضطراب السياسي والانقلابات العسكرية.

في بدايات حكمه، لاقى ترحيبا داخليا ودوليا، واعتبرته أغلب القوى الغربية "مصلحا قاد البلاد نحو الاستقرار والنمو الاقتصادي"، إذ تبنى سياسات ليبرالية ونجح في جذب الدعم الدولي، إضافة إلى نجاح حملاته لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (الإيدز).

أخذ حكمه منحى آخر مع مرور السنوات، فقد عدّل الدستور عام 2005 لإلغاء الحد الأقصى لفترات الرئاسة، ثم ألغى الشرط المتعلق بسن المترشح في عام 2018، ليسمح لنفسه بالبقاء في السلطة مدة أطول، مما أثار سخط معارضيه، الذين اتهموه بقمع المعارضة، وتقييد الحريات، وتزوير الانتخابات.

في انتخابات الرئاسة عام 1996، فاز موسيفيني بنسبة 75.5% من الأصوات، ليتولى رئاسة أوغندا رسميا بعد سنوات من حكم غير رسمي، بعد أن سيطر على السلطة عقب تمرد عسكري.

رغم فوزه الكبير، فإن الانتخابات تعرضت لانتقادات واسعة على المستويين المحلي والدولي بسبب مزاعم التزوير وقمع المعارضة السياسية.

فاز موسيفيني مرة أخرى في انتخابات 2001 بنسبة 69% من الأصوات، ثم تقلصت نسبة فوزه إلى 59% في انتخابات 2006، لكنه استمر في الاحتفاظ بموقعه محققا الفوز مجددا في انتخابات 2011 و2016، مما عزز حكمه على البلاد، في ظل استمرار انتقادات المعارضة التي اتهمته باستخدام سلطته لفرض سيطرة "حركة المقاومة الوطنية" على المؤسسات الحكومية والانتخابات.

في يناير/كانون الثاني 2018، أصدر موسيفيني قانونا مثيرا للجدل من أجل تعديل الدستور، ألغى فيه الحد الأقصى لعمر الترشح للرئاسة، والذي كان يمنع المرشحين الذين تزيد أعمارهم على 75 عاما من الترشح.

وقدّمت هذه التعديلات عبر نواب حزب حركة المقاومة الوطنية في البرلمان في ديسمبر/كانون الأول 2017، ممهدة بذلك الطريق لترشحه لولاية سادسة في الانتخابات التي جرت عام 2021.

في الانتخابات الرئاسية عام 2021، فاز موسيفيني بولاية رئاسية جديدة وسط اتهامات دولية ومحلية بتزوير الانتخابات واستخدام العنف ضد المعارضين، كان أبرزهم زعيم حزب "المنصة الوطنية الموحّدة" روبرت كياجولاني، وهو مغنٍ معروف في أوغندا باسمه الفني "بوبي واين".

وعلى الرغم من اتساع دائرة منتقديه، فإن موسيفيني استمر في إحكام قبضته على السلطة، وأعلن نيته الترشح مجددا في انتخابات يناير/كانون الثاني 2026.

المصدر: الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية

إعلان