قناة بنما.. ثاني أهم القنوات المائية الاصطناعية في العالم

Panama Canal, Panama - December 7, 2019: A cargo ship entering the Miraflores Locks in the Panama Canal, in Panama
سفينة شحن تدخل عبر إحدى بوابات الأقفال المائية في قناة بنما(شترستوك)

تقع قناة بنما في دولة بنما، وتمتد بطول 82 كيلومترا، تربط ما بين المحيطين الأطلسي والهادي، وهي إحدى أبرز القنوات المائية الاصطناعية في العالم، وثاني أهم قناة بعد قناة السويس.

تأسست القناة بعد محاولات عدة من دول مختلفة لبنائها، آخرها الولايات المتحدة التي تولت المهمة بعد فشل مشروع فرنسي لتشيدها، وأكملت بناء القناة عام 1914. وبعد السيطرة الأميركية على القناة لأكثر من 85 عاما، نقلت إدارتها إلى الحكومة البنمية عام 1999.

الموقع

تقع "قناة بنما" في دولة بنما، وتمتد بطول 82 كيلومترا من خليج ليمون في المحيط الأطلسي، وتنتهي عند المحيط الهادي مرورا ببرزخ بنما، وتقسم بين قارتي أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية.

ويبلغ أضيق جزء من القناة عند معبر جيلارد بعرض 150 مترا، وأوسع جزء منها عند بحيرة جاتن بمساحة إجمالية تبلغ 422 كيلومترا مربعا. ويصل فرق الارتفاع عن سطح البحر بين المحيطين الأطلسي والهندي عند قناة بنما إلى 26 مترا، ويعالج عبر نظام المحابس المائية.

التأسيس

تعود فكرة تأسيس قناة تربط بين المحيطين الأطلسي والهادي إلى قرون من الزمن، إذ وجدت أول إشارة مسجلة إلى الرغبة في بنائها في عام 1513 عندما لاحظ المستكشف الإسباني "فاسكو نونييث" شريطا رفيعا من الأرض يفصل بين المحيطين ويقع في بنما.

وبعد أعوام، أمر إمبراطور الرومان وملك إسبانيا شارلكان بإجراء دراسة للبحث عن مسار محتمل عبر الأميركيتين، وكان من شأن المشروع أن يسهل حركة السفن بين إسبانيا وبيرو، ويمنح الإسبان تفوقا إستراتيجيا وعسكريا على البرتغاليين.

إعلان

وفي القرن الـ18، طرح فكرة إنشاء القناة الرئيس الأميركي توماس جيفرسون إذ اعتبرها طريقة أفضل وأكثر أمانا لسفنهم مقارنة بالإبحار حول الطرف الجنوبي لأميركا الجنوبية، لكنها لم تطبق.

وحاول كثير من المكتشفين والدول، مثل أسكتلندا وبريطانيا، وضع خطط وتنفيذ مشاريع لبناء القناة، لكنها لم تنجح. وفي النهاية، تبنى الفرنسيون المشروع مستفيدين من خبرتهم السابقة في بناء قناة السويس في مصر.

وفي عام 1878 وقّع الفرنسيون معاهدة مع الحكومة الكولومبية لبناء قناة عبر بنما التي كانت آنذاك مقاطعة في كولومبيا.

وبدأت أعمال حفر القناة عام 1881 بقيادة رجل الأعمال الفرنسي فرديناند دي ليسيبس، الذي أدرك العائدات الهائلة التي يمكن أن يحققها المشروع إذا تم إنجازه، فجمع مبلغا كبيرا لتمويله.

واجه الفرنسيون صعوبات مادية وتقنية، وعانوا من التضاريس شديدة الصعوبة في المنطقة بما في ذلك ارتفاع منسوب الأنهار وما تبعه من ظهور الثعابين والحشرات والأمراض الاستوائية التي زادت الأمر تعقيدا وأودت بحياة آلاف العمال، فقرروا التخلي عن المشروع.

تبنت الولايات المتحدة المشروع عام 1902، ووقّعت اتفاقية مع بنما، واستحوذت على الآلات والحفريات الفرنسية بما في ذلك سكة حديد بنما عام 1904، وفي العام نفسه بسطت يدها على مشروع القناة بالكامل.

بلغت تكلفة بناء قناة بنما 380 مليون دولار، وشارك في العمليات 40 ألف عامل من 50 بلدا، وخلّفت أعمال حفرها وفاة 20 ألف عامل بسبب الحوادث والأمراض الفتاكة.

وفي عام 1914، اكتملت أعمال بناء قناة بنما قبل الموعد المحدد للانتهاء من المشروع بعامين، وأبحرت "إس إس كريستوبال" أول سفينة عبر القناة في الثالث من أغسطس/آب من العام ذاته، وافتتح الممر المائي رسميا بعدها بـ12 يوما.

تشغيل القناة

بعد نحو 85 عاما على السيطرة الأميركية على إدارة قناة بنما، انتقلت إدارتها إلى لجنة مشتركة أميركية بنمية عام 1979، ثم تسلمت بنما إدارتها نهائيا في 31 ديسمبر/كانون الأول 1999، وذلك بعد توقيع الرئيس الأميركي جيمي كارتر ورئيس بنما الجنرال عمر توريخوس معاهدات تقضي بنقل سلطة مراقبة القناة إلى البلاد مقابل منح واشنطن حق استعمال القوة العسكرية للدفاع عن القناة ضد أي تهديد لحياديتها.

إعلان

ولضمان عبور السفن للطرف الآخر من القناة، يتطلب رفع السفن 26 مترا فوق سطح البحر، وذلك بسبب اختلاف مستوى المحيطات المرتبطة بقناة بنما، إذ يقع المحيط الهادي على ارتفاع أعلى قليلا من المحيط الأطلسي.

ولضمان الانتقال السلس للسفن بين المحيطين، أُنشئت بوابات أقفال مائية تعرف بـ"الأهوسة"، ترفع السفن التي تدخل القناة إلى مستوى أعلى، ثم تنخفض لاحقا إلى مستوى سطح البحر عند الطرف الآخر.

ويضم نظام الأقفال 4 مجموعات أساسية موزعة على 3 مسارات، تحتوي على ما مجموعه 18 غرفة تُستخدم في رفع أو خفض السفن أثناء عبور السفن.

وتتراوح أبعاد أبواب الأقفال في قناة بنما بين 14.33 و24.99 مترا، ويبلغ سمكها 2.13 متر، ويحوي كل باب على لوحتين بعرض 19.81 تسمح للأبواب بتحمل قوة الماء، كما يتضمن النظام مجاري مائية بعرض 18 قدما، تنقل المياه من البحيرات إلى غرف الأقفال لرفع السفن، أو بين الغرف ومن ثم إلى البحر لخفضها.

وللسماح للسفن بعبور البوابات، تملأ كل غرفة بـ101 ألف متر مكعب من المياه، ويتطلب مرور كل سفينة نحو 200 مليون لتر من المياه، ويتراوح الوقت الذي تستغرقه السفينة للانتقال إلى الجانب الآخر ما بين 8 إلى 10 ساعات.

الأهمية الإستراتيجية

قلّصت قناة بنما رحلة السفن حول الأميركيتين من 21 ألف كيلومتر إلى 8 آلاف، بفارق 13 ألف كيلومتر، وأتاحت الربط بين 160 دولة و1700 ميناء حول العالم. ويمر عبرها حوالي 5% من حجم التجارة العالمية.

ويصل عدد السفن التي تمر بها سنويا إلى 14 ألف سفينة، في مقدمتها الأميركية والصينية واليابانية، إلى جانب نقل 70 ألف حاوية أسبوعيا.

وقد حفزت القناة النمو الاقتصادي في بنما، إذ ولدت إيرادات من الرسوم وساهمت في تحفيز الصناعات، وبلغت إيرادات القناة السنوية نحو 1.8 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 6% من الناتج المحلي الإجمالي لبنما.

إعلان

ومن السلع الإستراتيجية التي تنقلها السفن عبر القناة هي منتجات النفط والسيارات والحبوب والفحم. وبعد توسيع القناة عام 2016، استوعبت سفنا أضخم من أجل زيادة كمية البضائع المنقولة ما بين المحيطين الأطلسي والهادي.

ومن أبرز الطرق الرئيسة البحرية التي تخدمها قناة بنما هي:

  • الساحل الشرقي للولايات المتحدة وآسيا الشرقية.
  • الساحل الشرقي للولايات المتحدة والساحل الغربي لأميركا الجنوبية.
  • أوروبا والساحل الغربي لأميركا الشمالية.
  • الساحلان الشرقي والغربي للولايات المتحدة.
  • أوروبا وأستراليا.

ترامب يهدد

أجبر التغير المناخي في العالم لسنوات هيئة قناة بنما -المشغل للممر المائي- على الحد من عمليات العبور لتحقيق التوازن مع احتياجات شعب بنما من المياه.

وعقب فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية عام 2024، هدد في 22 ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته بإعادة فرض السيطرة الأميركية على القناة، مشيرا إلى أن بنما تضع "رسوما مفرطة" لاستخدامها، ومنعا لتمدد النفوذ الصيني.

وقال ترامب "إن القناة منحت لبنما وشعبها، لكن بشروط وأحكام"، وأضاف "إذا لم تُتبع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا، بالكامل وبسرعة".

من جهته، أكد الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو رفضه لتهديد ترامب، قائلا إن رسوم القناة خضعت للتقييم بعناية وشفافية، وإن الرسوم تحافظ على الممر وساعدت في توسعيه عام 2016.

وقال في بيان إن "كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المحيطة بها ملك لبنما وسيبقى كذلك… سيادة بلادنا واستقلالها غير قابلين للتفاوض".

وأضاف مولينو أن "القناة ليست تحت أي سيطرة مباشرة أو غير مباشرة من الصين أو المجتمع الأوروبي أو الولايات المتحدة أو أي قوة أخرى".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان