التطهير العرقي
التطهير العرقي هو محاولة خلق حيز جغرافي متجانس عرقيا بإخلائه من مجموعة عرقية معينة باستخدام القوة المسلحة، أو التخويف، أو الترحيل القسري، أو الاضطهاد، أو طمس الخصوصية الثقافية واللغوية والإثنية، عبر القضاء عليها نهائيا أو تذويبها في المحيط الإثني الذي يُراد له أن يسود.
ويتضمن التطهير العرقي -كذلك- المسَّ بمقدسات المجموعة المستهدفة، وجبرها على التخلي عن جوهر خصوصيتها، ومن ذلك الدين واللغة والعادات والميزات البدنية (الوشم، وتسريحة الشعر، وثقب الأذنين أو الأنف أو الشفاه، وغيرها)، بل إنَّ بعض الباحثين يُثيرون طرائق أخرى لتنفيذ عمليات التطهير العرقي مثل منع الإنجاب لدى مجموعة إثنية بعينها.
النشأة
رغم أنَّ مفهوم التطهير العرقي يعود للحقبة المعاصرة، فإن بعض المؤرخين يُرجعون الظاهرة إلى ما قبل التاريخ الميلادي، ويذكرون في هذا الباب عمليات ترحيل واسعة تشير مصادر تاريخية إلى أنَّ الآشوريين نفذوها في حق مجموعات عرقية بين القرنين التاسع والسابع قبل الميلاد، بيد أن تلك المراجع لا تُشير إلى دافع عمليات الترحيل تلك.
في 1002 بعد الميلاد، ارتكب البريطانيون مجازر واسعة النطاق في حق الدانماركيين، صنفها بعض المؤرخين الغربيين على أنها عملية تطهير عرقي. وفي القرون الوسطى، حاول التشيك إخلاء أرضهم من العنصر الجرماني مستخدمين القتل والترحيل القسري.
التطور
ارتبطت عبارة التطهير العرقي أو الإثني في العصر الحديث بالحرب الأهلية التي شهدتها يوغسلافيا السابقة (1991-1995) وما عرفته من انتهاكات جسيمة وإبادة ومجازر كان المتضرر الأكبر منها مسلمو كوسوفو.
والغريب أن مصطلح التطهير العرقي نشأ على أرض يوغسلافيا نفسها قبل 130 سنة من تلك الحرب.
ففي عام 1860، استخدم الكاتب الصربي فيك كارزيتش مصطلح التطهير العرقي لوصف ممارسات مجلس الحكومة الصربي في حق الأتراك والمسلمين خلال الانتفاضة الصربية على الحكم العثماني عام 1805، وهي الانتفاضة التي ستَنتهي عام 1807 بسيطرة الصرب على بلغراد وإخلائها تماما من الأتراك والمسلمين بوصفهم الدعامة الرئيسية للحكم العثماني.
التطهير العرقي في القانون الدولي
لا توجد في القانون الدولي جريمة محددة اسمها التطهير العرقي أو الإثني، وإنما تقتصر الجرائم المعرفة -والتي يمكن ارتكابها على نطاقٍ واسع- على جرائم الحرب، والجريمة ضد الإنسانية وجرائم الإبادة.
بيد أن مفهوم التطهير العرقي ساد على نطاقٍ واسع واشتهر بفضل التعبئة الحقوقية الدولية النشطة التي أججتها مجازر الصرب في حق مسلمي البوسنة والهرسك، وعمليات الترحيل القسري التي تعرضوا لها، وتبيَّن أنَّ هدفها جعل مناطق كاملة من صريبا وكرواتيا خالية من المسلمين.
وقد ورد مصطلح التطهير العرقي في تقرير لمجلس الأمن تناول الأزمة اليوغسلافية عام 1992. وتم تحديد ثلاثة عناصر لضبط المفهوم، وهي: الهوية الإثنية للمجموعة المستهدفة، والترحيل القسري، وضم الأراضي التاريخية للمجموعة المُرَحّلة.
التطهير العرقي والإبادة وجريمة الحرب
يرتبط مفهوم التطهير العرقي كثيرا بمفهومي الجريمة ضد الإنسانية والإبادة، وهو ارتباط مفهوم كون الجريمة ضد الإنسانية والإبادة يشكلان أهم أدوات التطهير العرقي المستند أصلا إلى استخدام القوة المسلحة والخطاب التحريضي والتخويف لبلوغ هدفه الأكبر وهو النقاء العرقي المنافي أصلا للفطرة الإنسانية.
ويصعب تصور حدوث عمليات تطهير عرقي دون ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة، ومن هنا لجأ القانون الدولي في أحيان كثيرة إلى تكييف التطهير والإبادة ليصبحا جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة.
ففي القارة الأفريقية، كانت رواندا مسرحا لعمليات إبادة واسعة نفذها المتطرفون في نظام الهوتو الحاكم حينها ضدَّ أقلية التوتسي بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 1994.
وقد خلَّفت هذه الإبادة نحو ثمانمئة ألف قتيل حسب تقدير منظمات دولية، ولبست لبوس التطهير العرقي بامتياز، كون هدفها المعلن القضاء على أقلية التوتسي.
التطهير العرقي والتمييز العنصري
إذا كان التمييز العنصري هو تكريس سيادة عرقٍ على آخر في نظامٍ مؤسسي يستند إلى ترسانة قانونية، كما كان الحال في جنوب أفريقيا بين 1948-1991، فإنَّ التطهير العرقي هو ابتداء هذا التمييز على نحو عنيف وفجائي وشامل.
ويختلف المفهومان في أساليبهما، رغم طابع العنف المشترك، إلا أن هاجس التفوق المرضي هو الهدف الذي يسعى إليه مرتكبو الجريمتين، وإن كان لا بد من الإشارة إلى أنَّ نظام الفصل العنصري يحسب له قبول فئات أخرى مختلفة عن مجموعته العرقية، مع أن ذلك لا يمنحه أيَّ صبغة إنسانية.
المسلمون والتطهير العرقي
من النماذج الصارخة على التطهير العرقي والديني ما ارتكبه الإسبان في حق المسلمين والعرب بعد سقوط غرناطة عام 1492.
وقد دفعت حملات التنكيل ومحاكم التفتيش مئات الآلاف من المسلمين واليهود إلى الفرار من الأندلس والاستقرار بالضفة الجنوبية للمتوسط بين مدينة طنجة بالمغرب ومدينة تستور بتونس.
وفي العقود التي لحقت هذه الفترة -وتحديدا منذ 1515 ميلادية- توسعت عمليات التطهير لتشمل إجبار المسلمين على التخلي عن دينهم واعتناق المسيحية.
وفي مراحل لاحقة، تركزت عمليات التطهير على طمس الموروث الثقافي العربي والإسلامي، فمُنعت الأسماء العربية أو المحيلة على الثقافة الإسلامية، وحُوّلت المساجد إلى كنائس.
وكنيسة (الخيرالدا) في إشبيلية شاهدة على ذلك، وهي التي كانت في الأصل مسجدا أمر ببنائه السلطان الموحدي أبو يعقوب المنصور، وأراد له أن يكون توأما لجامع الكتبية في مراكش.
وارتكبت الحركة الصهيونية سياسة التطهير العرقي بجميع مراحلها ضد الشعب الفلسطيني بشكل خاص بين عامي 1948 و1949، وما زالت تمارس هذه السياسة بأشكال مختلفة حتى الوقت الحاضر.
حيث قامت إسرائيل بممارسة التطهير العرقي في حق الفلسطينيين، فهجَّرتهم وأبادتهم بعد قيامها في 1948، ثم واصلت تلك السياسة في صيغٍ أخرى منها الاستيطان والتهويد وطمس الهوية العربية الإسلامية لفلسطين التاريخية.
فقد قامت إسرائيل بإخراج السكان الفلسطينيين من أراضيهم عن طريق القتل الجماعي والتهجير القسري، وقامت بمحو وإزالة كل ما يثبت الوجود الجسدي والتاريخي والثقافي للشعب الفلسطيني المهجر، وبذلك تمحو تاريخهم الثقافي من المنطقة.
وضمن سياسية التطهير العرقي، وقفت إسرائيل في وجه عودة الفلسطينيين إلى المناطق التي هجروا منها عنوة مستخدمة أساليب وحججا مختلفة.
وفي أواخر القرن العشرين، عادَ الحديث عن مصطلح التطهير العرقي مع اشتداد الحرب الأهلية في يوغسلافيا السابقة خاصة في البوسنة والهرسك، وما رافق ذلك من انتهاكات جسيمة في حق المسلمين.