ليوبولد سيدار سنغور.. الرئيس الأديب

الرئيس السنغالي الأسبق Léopold Sédar Senghor ليوبولد سيدار سنغور - الموسوعة
أول رئيس للسنغال بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960. جمع بين السياسة والأدب، تنازل عن طواعية عن السلطة وتركها ليتفرغ للأدب بعد عقدين قضاهما على كرسي الحكم. ويعتبر أحد أبرز رواد حركة "الزنوجة" التي ساهمت في دفع النهضة الأدبية الأفريقية إلى الأمام.
 
المولد و النشأة
ولد ليوبولد سيدار سنغور في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1906 ببلدة جووال الساحلية جنوب دكار وسط عائلة ميسورة أبوها تاجر كبير، مما جعل سنغور ينشأ في مناخ أبعد ما يكون عن واقع الشعب السنغالي.

ونشأ في بيئة أفريقية خالصة تمتزج فيها طقوس الوثنية بالثقافة الأفريقية الشفهية القديمة. فقومية "السرير" التي ينتمي لها سنغور تعتبر من أكثر القوميات السنغالية ارتباطا بالعادات الأفريقية القديمة.

تمرد سنغور على ظروف الرفاه والبذخ التي عاش فيها وتعاطف مع عالم الرعاة والمزارعين الصغار، مما جعله عرضة للعقاب من رب العائلة البرجوازية. ويقول عن نفسه في مقدمة ديوانه "إثيوبيات": "كان أبي يضربني وهو يقرعني على تسكعي الدائم، وانتهى كي يعاقبني بإرسالي إلى مدرسة البيض، رغم معارضة أمي التي رأت أن السابعة سن مبكرة للتعليم".

الدراسة والتكوين
تلقى سنغور تعليمه الابتدائي في المدارس الكنسية الفرنسية بالسنغال. ثم انتقل بعد ذلك لإعدادية "ليبرمان"، وبعد حصوله على شهادة الثانوية سافر عام 1928 للدراسة في العاصمة الفرنسية باريس، ودخل جامعة السوربون الشهيرة فكان أول إفريقي يتخرج من هذه الجامعة مبرزا في علم النحو والأدب الفرنسييْن.

التجربة السياسية والأدبية
عرف بعلاقته الوثيقة بالأديب والسياسي المارتنيكي الراحل إيميه سيزار، فقد عاشا سويا لفترة طويلة وجمعتهما ظروف الدراسة وكانا وراء إطلاق الميثاق السياسي والأدبي لحركة "الزنوجة"، التي أصبحت فيما بعد بطاقة هوية اجتماعية وأدبية للزنوج.

وقد جسد سيزار هذه العلاقة بعبارته شهيرة "ليس لون البشرة هو ما يوحدنا، لكن المثالية في الحياة والتعطش إلى التحرر هو ما يجمعنا".

دافع هو وصديقه سيزار في فرنسا عن "الزنوجة" وتعني اعتراف المرء بواقع كونه أسود، وقبوله بهذا الواقع وتقدير السود تاريخا وثقافة، واعتبر سنغور أن "الزنوجة" هي: "مجموعة القيم الاقتصادية والسياسية والفكرية والمعنوية والفنية والاجتماعية لدى شعوب أفريقيا والأقليات السوداء في أميركا وآسيا وأوقيانيا".

ودخل سينغور عالم السياسية 1946 بانتخابه نائبا عن السنغال في البرلمان الفرنسي، وأعيد انتخابه فترتين سنتي 1951 و1956. ونال عضوية الجمعية الاستشارية في المجلس الأوروبي، وتولى منصب مندوب فرنسا في مؤتمر اليونيسكو عدة مرات.

كان وزيرا مستشارا في الحكومة الفرنسية سنة 1959، وأيد فدرالية الدول الأفريقية المستقلة كنوع من "الكومنولث الفرنسية". تولى سنغور مقاليد السلطة في السنغال بعد استقلالها، حيث انتخب في 5 سبتمبر/أيلول 1960. وألف النشيد الوطني السنغالي المعروف بـ"الأسد الأحمر".

اتسمت الحياة السياسية في عهده بالاستقرار، وتبنى نظاما رئاسيا وكان أول رئيس في الغرب الأفريقي يتبنى التعددية الحزبية في العمل السياسي، حيث أعلن عام 1976 إطلاق التعددية الحزبية في ثلاثة اتجاهات سياسية وهي: الشيوعية والليبرالية والاشتراكية.

وفي 31 ديسمبر/كانون الأول 1980 أعلن تخليه عن الحكم في ولايته الخامسة، واستقال طواعية ليحل محله الرئيس عبد ضيوف. يؤخذ عليه أنه بقي تابعا لفرنسا خاصة في الجانب اللغوي، وأنه كان للفرنسيين دور في إدارة البلاد أيام حكمه.

لكن مؤيديه قالوا إن استعماله اللغة الفرنسية لم يكن تبعية بقدر ما كان مقاومة بـ"أفرقة" اللغة الفرنسية بشحنها بمعاني ومفردات أفريقية محلية، وتجلى ذلك في تبنيه لمفهوم "الزنوجة" أو ما سماه "الخصوصية السوداء".

أيد سنغور إنشاء لجنة فرانكفونية، وانتخب نائبا لرئيس المجلس الأعلى للناطقين باللغة الفرنسية في عام 1982، وكان أحد مؤسسي رابطة فرنسا والبلدان النامية لأجل الاهتمام بمشاكل هذه البلدان في العالم، حسب قول مؤسسيها. وبعد استقالته طلق السياسة وتفرغ للأدب.

الجوائز و الأوسمة
حصد سنغور طوال مسيرته العلمية والأدبية العديد من الجوائز الدولية، من أهمها: الجائزة الذهبية في الأدب الفرنسي، والجائزة الكبرى الدولية للشعر بفرنسا، والجائزة الكبرى في الأدب الفرنسي للكتاب التي تمنحها جمعية الأدب الفرنسي.

وأصبح في عام 1984 عضوا في الأكاديمية الفرنسية للأدب. واحتفاء به أسست جائزة تحمل اسم "ابن خلدون/ليوبولد سيدار سنغور للترجمة في العلوم الإنسانية".

المؤلفات
ألف سنغور العديد من الكتب والدواوين الشعرية، ومن أكثرها شهرة: "أغنيات الظل" و"قرابين سوداء" و"ليليات"، و"قصائد متنوعة" و"إثيوبيات" و"رسائل البيات الشتوي"، و"مرثيات كبرى" و"قصائد ضائعة". 

وقف وراء إطلاق أول نسخة من مهرجان الفنون الأفريقية نظمت سنة 1966 بدكار، وسعت فكرة المهرجان إلى إحياء الفنون الأفريقية وربط الأجيال الحالية بتراثها الثقافي.

الوفاة
أمضى ليوبولد سيدار سنغور سنواته الأخيرة في نورماندي شمالي فرنسا، وهناك وافته المنية في 20 ديسمبر/كانون الأول عام 2001، فنـُقل إلى بلده ودفن في دكار 2001 بحضور مسؤولين فرنسيين كبار، كرئيس الجمعية الوطنية الفرنسية ووزير الدولة الفرنسي للشؤون الخارجية شارل جوسلان، بالإضافة إلى شخصيات من عالم الأدب والفكر والفن.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان