عمر المختار.. أسد الصحراء
مجاهد ليبي قاوم الغزو الإيطالي لبلاده في الفترة من 1911 إلى 1931. لقبه الليبيون بـ"شيخ المجاهدين" و"أسد الصحراء"، وأسره الإيطاليون وعقدوا له محاكمة صورية قضت بإعدامه شنقا في 16 سبتمبر/أيلول 1931.
المولد والنشأة
ولد عمر بن المختار بن عمر المنفي عام 1862 (وقيل عام 1858) في قرية جنزور بالبطنان في منطقة الجبل الأخضر ببرقة شرقي ليبيا.
والده المختار بن عمر من قبيلة المنفة من بيت فرحات، توفي في رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج، فتولى الشيخ حسين الغرياني (شيخ زاوية جنزور السنوسية) رعايته وشقيقه محمد بوصية من أبيه، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي.
مكث عمر المختار في معهد الجغبوب 8 أعوام، حيث درس العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه والحديث والتفسير، ومن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم: السيد الزروالي المغربي، والسيد الجواني، والعلامة فالح بن محمد بن عبد الله الظاهري المدني.
الدراسة والتكوين
التحق عمر المختار بمعهد واحة الجغبوب التي كانت آنذاك عاصمة للدعوة السنوسية شرقي ليبيا، فدرس فيه مدة 8 سنوات العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير.
وقد تميز بثقافة دينية عميقة وبشخصية قيادية عززتها نشأته في الصحراء، حيث خبر القبائل وحروبها، وتعلم وسائل فض الخصومات البدوية، كما أصبح ماهرا بمسالك الصحراء.
التوجّه الفكري
تربى عمر المختار منذ صغره على مبادئ الدعوة السنوسية ذات المنزع العلمي الجهادي، وهو القائل في ولائه لها: "إن قيمتي في بلادي -إذا ما كانت لي قيمة أنا وأمثالي- مستمدة من السنوسية".
الوظائف والمسؤوليات
شق عمر المختار طريقه نحو الزعامة مبكرا حين حاز ثقة مشايخ الدعوة السنوسية، فأسند إليه محمد المهدي السنوسي (شيخ الدعوة) مشيخة "زاوية القصور" بالجبل الأخضر 1897، واختاره ليرافقه إلى تشاد لما قرر نقل قيادة الزاوية السنوسية إليها 1899.
ثم عُين شيخا لزاوية عين كلكة، هناك فساعد في نشر تعاليم الإسلام بتلك المناطق، ثم عاد إلى الجبل الأخضر سنة 1906 فتولى مجددا مشيخة "زاوية القصور"، وفيما بعد أصبح قائدا لمعسكرات السنوسية بالجبل الأخضر.
المسار الجهادي
شارك عمر المختار أثناء وجوده بتشاد في المعارك التي خاضتها كتائب السنوسية (1899-1902) ضد الفرنسيين الذين احتلوا المنطقة، وكانت لا تزال وقتذاك ضمن الأراضي الليبية.
وفي سنة 1908 دُعي للمشاركة في المعارك بين السنوسيين والقوات البريطانية على الحدود الليبية المصرية.
وفي 29 سبتمبر/أيلول 1911، أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية التي كانت ليبيا حينذاك جزءا منها، وبدأت السفن الحربية تقصف مدن الساحل الليبي.
يومها سارع عمر المختار بالعودة إلى "زاوية القصور" لتنظيم حركة الجهاد ضد الغزاة الإيطاليين، فشارك في معركة السلاوي أواخر 1911.
وتولى قيادة "المجلس الأعلى" للعمليات الجهادية الذى أدار أعظم المعارك في التاريخ الليبي مع المحتلين الإيطاليين، خاصة بعد انسحاب الأتراك من البلاد عام 1912 بموجب معاهدة لوزان التي تخلوا فيها لإيطاليا عن ليبيا.
ألحق المجاهدون -بقيادة عمر المختار- بالغزاة هزائم مريرة، فقتلوا مئات الضباط والجنود، وخاضوا مئات المعارك في حرب استمرت 20 عاما.
ولما انسحب السنوسيون من ليبيا إلى مصر 1922، ظلت الحرب قائمة بقيادته، وعندما حاصره المحتلون سنة 1926 في الجبل الأخضر، لجأ إلى حرب العصابات فأجبرهم على طلب مفاوضته سنة 1929، لكنه رفض مطالبهم بوقف القتال والخروج من البلاد واستأنف قتالهم حتى وقع في الأسر وأعدم عام 1931.
الأسر والوفاة
كان من عادة عمر المختار في كل سنة الانتقال من مركز إقامته إلى المراكز الأخرى التي يقيم فيها المجاهدون لتفقد أحوالهم، مصطحبا قوة كافية تحرسه.
وفي عام 1931 ذهب المختار كعادته لكن في نفر قليل يقدر بمئة فارس، ثم عاد فردَّ من هذا العدد 60 فارسًا وذهب في 40 فقط.
وفي الجبل الأخضر، يوجد واد عظيم اسمه وادي الجريب (بالتصغير)، وهو صعب المسالك كثير الغابات، كان لا بد من اجتيازه، فمر به عمر المختار ومن معه، وباتوا فيه ليلتين.
وعن طريق عملائها، علمت إيطاليا بمكان المختار، فأمرت بتطويق الوادي من جميع الجهات، فوقع المختار ورفاقه وسط العدو، والتحمت المعركة داخل الوادي.
أصيب عمر المختار بجراح في يده، وأصيب فرسه بضربة قاتلة، وحُصرت يده السليمة تحت الفرس فلم يتمكن من سحبها، ولم تسعفه يده الجريحة.
ويوم 11 سبتمبر/أيلول 1931، هجم جنود الطليان على المختار دون أن يعرفوا شخصيته في البداية، وتم القبض عليه، وتعرَّف عليه أحد الخونة، وجاء الكمندتور داود باتشي متصرف درنة ليتعرف عليه، ونقل المختار سريعا إلى ميناء سوسة محاطًا بعدد كبير من الضباط والجنود الإيطاليين، ومن ثم نقل فورًا إلى بنغازي عن طريق البحر.
قدم الإيطاليون المختار لمحاكمة عسكرية صورية في بنغازي حكمت عليه بالإعدام شنقا، فنفذ فيه الحكم -أمام آلاف الليبيين- صباح يوم 16 سبتمبر/أيلول 1931.
سجل التاريخ كلماته الأخيرة قبيل إعدامه عندما قال للضابط الإيطالي الذي كان يحقق معه: "نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي".
أسد الصحراء
وُثقت قصة كفاح المختار في فيلم شهير للمخرج السوري مصطفى العقاد بعنوان "أسد الصحراء"، أنتج سنة 1981 وأدى فيه الممثل أنتوني كوين دور عمر المختار.
تأسست جامعة باسمه في ليبيا عام 1961، ومنذ عام 1971 ظهر وجه المختار على الورقة النقدية الليبية من فئة العشرة دنانير، كما أطلق اسمه على بعض الطرق والشوارع والمساجد في عدد من دول العالم خاصة الدول العربية.
وفي سبتمبر/أيلول 2008، انحنى رئيس الوزراء الإيطالي وقتها سيلفيو برلسكوني أمام محمد نجل عمر المختار معتذرا عن فظائع بلاده بحق الشعب الليبي، وقورنت صورة انحنائه ذلك بصورة التقِطت لعمر المختار مكبلا بالأغلال قـُبيل إعدامه.
واستلهم الليبيون في ثورة 17 فبراير/شباط 2011 -وفي الذكرى المائة للاحتلال الإيطالي- تجربة عمر المختار الجهادية، فأطلقوا اسمه على جماعات مشاركة في المظاهرات الشعبية، ثم على ألوية عسكرية قاتلت كتائب العقيد الراحل معمر القذافي، كما ضمّنوا عَلمَه الأسود ذا النجمة والهلال في علم الدولة بعد نجاح الثورة.