ما علاقة تراجع الجنيه بارتفاع أسعار "ياميش رمضان"؟
القاهرة – تراجع في المعروض وإحجام عن الإقبال، لسان حال موسم شهر رمضان في مصر بعد عام عصيب من شح الدولار وتراجع قيمة الجنيه، مما أدى إلى قفزة غير مسبوقة في أسعار المكسرات والفواكه المجففة المعروفة بـ"ياميش رمضان".
والياميش هو مجموعة من السلع الغذائية الموسمية تزدهر تجارتها بيعا وشراء قبيل شهر رمضان، وهي أحد مظاهر الاحتفال بقدوم الشهر الكريم، وعادة ما تزدحم الأسواق والمحلات التجارية بالمتسوقين والبيع والشراء بكميات كبيرة تكفي الشهر.
لكن مشاعر الفرح والاحتفاء بشراء الياميش استعدادا لاستقبال الشهر الكريم تحولت إلى دهشة واستغراب لدى قطاع عريض من المواطنين، نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار، سواء الشعبية منها أو المستوردة ما بين 100% و200%، وفق تجار ومستوردين.
ارتفاع كبير الأسعار
تستورد مصر نحو 90% من ياميش رمضان من الخارج، وتصل فاتورة الاستيراد أكثر من 3 مليارات جنيه بسعر الدولار في السوق الموازي أو ما يعادل نحو 50 مليون دولار.
ويوجد أكثر من سعر للدولار بسبب شح العملة الصعبة، مثل دولار السوق السوداء، ودولار الذهب، ودولار الحديد، ودولار السيارات إلخ، ويبلغ السعر الرسمي 30.85 جنيها وفي السوق السوداء نحو 50 جنيها.
وخلال العامين الماضيين ارتفع على سبيل المثال سعر جوز الهند، الأكثر شعبية في مصر والأكثر استخداما، من 70 جنيها إلى 100 جنيه ثم 180، والفول السوداني المحلي والأكثر استخداما من مستوى 40 جنيها إلى 80 حنيها ثم 140 جنيها، وارتفع سعر الزبيب المحلي من 50 جنيها إلى أكثر من 100 جنيه.
وانعكس شح الدولار وخفض قيمة الجنيه على الأسعار، وبالتالي انعكست الأسعار على عادات وتقاليد الكثير من الأسر المصرية وفرض عليهم "التقشف" بدرجات متفاوتة وبأشكال مختلفة كانت أقلها الاقتصار على شراء كميات محدودة.
مبادرات حكومية لتخفيف حدة الأزمة
في محاولة لاحتواء الغضب المتنامي من زيادة أسعار السلع الرمضانية والتذمر المستشري بين الناس من الغلاء، أعلنت الحكومة المصرية عن إجراءات تهدف إلى توفير السلع بأسعار مخفضة مثل معارض "أهلا رمضان" ومبادرة "كلنا واحد".
بحسب الحكومة، هناك 3 آلاف مَنفذ على مستوى الجمهورية خاصة بمبادرة "كلنا واحد"، وآلاف المنافذ والسلاسل بـ"أهلا رمضان" وخصومات تتراوح بين 15% و30% تضم كبار منتجي السلع الغذائية والرمضانية.
كما ستُخصص أجنحة لمعروضات الشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين والتجارة الداخلية والشركات التابعة لها، إلى جانب تخصيص مساحات لجهاز الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع و"أمان" بوزارة الداخلية.
وبشأن ما يثار حول تردي جودة السلع المباعة في المبادرات، أكدت الحكومة أن السلع المطروحة بالمنافذ هي نفسها المطروحة بالأسواق، ولكن بأسعار مُخفَّضة، وهي مُتاحة للمواطن فقط ويحظر إعادة بيعها.
تقليل الإنفاق
يقول مواطنون التقاهم مراسل الجزيرة نت في الأسواق، إن الأسعار زادت أكثر من المتوقع وفرضت واقعا جديدا أكثر تقشفا، وبات على الأسر إما التكيف مع الأسعار الجديدة أو ترشيد الإنفاق أو مقاطعة الياميش، وهو أمر مستبعد مع حرص الناس على الاحتفال بشهر رمضان الكريم.
وذهبوا في تصريحات متفرقة إلى ضرورة تقليل الكميات والاكتفاء بالضروريات أو الشراء حسب الحاجة، والاستغناء عن المكسرات والفواكه المجففة المستوردة والتعود على المنتج المحلي، كما أن في تقليل الإنفاق يتحقق أحد أهداف الصيام.
3 أسباب لارتفاع الأسعار
وأرجع مجدي توفيق نائب رئيس شعبة العطارة بغرفة القاهرة التجارية، الارتفاع الحاد في أسعار ياميش رمضان إلى أن "غالبية أنواع السلع الرمضانية تأتي من الخارج، وتأثرت بارتفاع أسعار الشحن عبر البحر وبارتفاع أسعارها من مصادرها، وقبل كل شيء تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار".
لكنه أوضح في تصريحات، للجزيرة نت، أن زيادة الأسعار لم تقتصر على السلع المستوردة التي زادت بأكثر من 200% بل طالت المحلية والشعبية الأرخص ثمنا، مثل الفول السوداني وبعض أنواع الزبيب المحلي والتمور والبلح الناشف والكركديه التي زادت أسعارها بأكثر من 100%.
التجار ليسوا سعداء بهذا الغلاء -بحسب توفيق- لأن "رأس المال تراجعت قيمته ودورة رأس المال تباطأت، وكلما كانت الأسعار معقولة كان الإقبال كبيرا والقوة الشرائية كبيرة وحركة التجارة أفضل وانتقال رؤوس الأموال سريعا"، مشيرا إلى أن هناك معروضا في الأسواق لكن لم تعد هناك قوة شرائية تستطيع شراء الأنواع نفسها بالكميات ذاتها كما كان الحال في الأعوام السابقة.
ويتوقع نائب رئيس شعبة العطارة بالقاهرة، أنه حتى حل الأزمة الاقتصادية ستتغير عادات المصريين الرمضانية بشكل واضح، وقال إنه يمكن إجمالها تحت "ترشيد الإنفاق".
انخفاض الجنيه
وتلقي الحكومة والإعلام المحلي باللوم على التجار في ارتفاع الأسعار، في حين نفى عضو مجلس إدارة شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية في القاهرة، علي هاشم، أن "تكون الزيادة بسبب ما يقال عن استغلال واحتكار وجشع التجار ووصفها أنها شماعة لتعليق الفشل، وهي مجرد ادعاءات لتبرير فشل الحكومة في معالجة الأزمة الاقتصادية".
ويضيف "لا يمكن تصور أن يكون كل التجار من شمال مصر إلى جنوبها لديهم جشع، قد تكون هناك نسبة تتصرف بشكل خاطئ لكن الغالبية ليسوا كذلك".
وأوضح في حديثه، للجزيرة نت، أن الزيادة الكبيرة في أسعار ياميش رمضان كانت متوقعة، خاصة أن أكثر من 80% منه مستورد من الخارج مثل المكسرات وجوز الهند والمشمشية والقراصيا، والتمر هندي والتين المجفف، وقال "في الحقيقة هي ليست زيادة في الأسعار بقدر ما هي انخفاض في قيمة الجنيه".
ولفت علي هاشم إلى أنه في الأوضاع الطبيعية كانت الزيادة تتراوح بين 10% و15% كل عام تغطيها زيادة وارتفاع الأجور والمرتبات، لكن مع انخفاض العملة المحلية بشكل حاد ارتفعت في المقابل الأسعار بالطريقة نفسها.
وبشأن معارض "أهلا رمضان" والمنافذ والمجمعات الاستهلاكية التابعة للحكومة، قلل هاشم من تأثيرها، واعتبر نسب التخفيض بمثابة القشرة من اللب، فإذا كانت الزيادة في حدها الأدنى 100% -يقول المتحدث ذاته- فإن التخفيض لا يتجاوز 10% أو أقل، ولن تستطيع بيع السلع بأسعار العام الماضي، وهي باختصار من أجل تجميل صورة الحكومة لا أكثر ولا أقل، وفق تعبيره.
ويرى هاشم أنه إذا كانت الحكومة تريد خفض الأسعار عليها دعم المصانع والشركات وخفض أسعار الطاقة والوقود والتراخيص والرسوم حتى تقلل تكلفة الإنتاج، مشيرا إلى أن الشركات والمصانع المنتجة لن تبيع بأقل من سعر التكلفة وبالخسارة، وفي النهاية ليس أمام المستهلك سوى تنظيم للإنفاق حتى تمر الأزمة.