الاقتصاد الباكستاني يعاني.. مصانع تغلق أبوابها والفحم الطبيعي بديلا للغاز

Smoke rises from the smoke stacks of brick factories on the outskirts of Islamabad
باكستان تتجه لتوليد الطاقة بالفحم بسبب نقص الغاز ولخفض التكاليف (رويترز)

تعاني باكستان من أزمة اقتصادية خانقة مع انخفاض عملتها المحلية مقابل الدولار، وفرض المزيد من الضرائب وزيادة معدلات التضخم والنقص في المواد الخام اللازمة للصناعة، ناهيك عن أزمة في ميزان المدفوعات، في الوقت الذي تبحث فيه البلاد عن حل لسداد ديونها الخارجية.

وتكافح باكستان للحصول على حزمة من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.1 مليار دولار، كانت قد توقفت منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي بسبب عدم تلبية الشروط، وهي من ضمن اتفاق تم إبرامه عام 2019 للحصول على قرض بقيمة 6.5 مليارات دولار.

ولا تزال المفاوضات بين إسلام آباد وصندوق النقد مستمرة بالرغم من فشلها قبل أسبوعين، وهو ما دفع البرلمان الباكستاني قبل يومين إلى الموافقة على مشروع قانون لفرض ضرائب تهدف لجمع 170 مليار روبية (649 مليونًا و63 ألف دولار) في الأشهر الأربعة والنصف المقبلة لتلبية شروط الصندوق، وذلك بعد خلافات ومداولات استمرت أيامًا.

مشاكل متعددة

وكان مخزون النقد الأجنبي لدى باكستان وصل 2.9 مليار دولار، وهو ما يكفي لتغطية الواردات الخارجية لمدة لا تتجاوز 20 يوما وفقا لخبراء اقتصاديين.

وفي هذا السياق يقول الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي شهباز رانا، إنه لأول مرة في تاريخها، تواجه إسلام آباد خطرا حقيقيا من التخلف عن السداد.

ويضيف رانا، في حديث للجزيرة نت، "سيؤدي الافتقار إلى الدعم المالي من صندوق النقد الدولي أو دول المنطقة، إلى زيادة مخاطر التخلف عن السداد".

وحول المشكلات الاقتصادية التي تواجهها باكستان، يقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة الوطنية للغات الحديثة (NUML) الدكتور شفيع الله قريشي، في حديث للجزيرة نت، إن لدى باكستان 4 عقبات:

  • مشكلة عجز الحساب الجاري المستمرة منذ عقود.
  • نسبة الاستثمار الحالية إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة 14%. في المقابل، تمتلك كمبوديا وفيتنام وبنغلاديش وتركيا معدلات استثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 25% و30%.
  • بدلا من استخدام القرض في الاستثمار البنّاء، تقترض باكستان الأموال لسداد ديونها الحالية.
  • تحديد كيفية الاستثمار بدلا من تكبد المزيد من الديون، حيث لا توجد آلية موحدة للاستثمار حتى الآن.

بينما يقول الخبير الاقتصادي ورئيس المعهد الآسيوي لبحوث الحضارة والتنمية شاكيل راماي، إن المشكلة الأهم في الوقت الحالي هي انخفاض النقد الأجنبي بالتزامن مع ضرورة سداد الديون الخارجية، وفي نفس الوقت هناك تضخم عالٍ جدا في البلاد.

ويتابع راماي في حديث للجزيرة نت، بأن السبب الثالث هو عدم ارتفاع نسبة النمو وهذا يرجع إلى ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض مخزون النقد الأجنبي.

Pakistani Rupee
باكستان تواجه لأول مرة في تاريخها خطرًا حقيقيًّا في التخلف عن سداد ديونها (شترستوك)

مصانع كبرى تغلق أبوابها

في ظل هذه الأزمة الخانقة، تأثر عدد من المصانع في باكستان، ما دفع بعضها لإيقاف عملياته أو الإغلاق إلى أجل غير مسمى، وفقا لوكالة بلومبيرغ (Bloomberg) الأميركية.

وقد أغلقت الوحدات المحلية لكل من شركة "سوزوكي" (Suzuki) و"هوندا" (Honda) و"تويوتا" (Toyota) اليابانية لعدة أسابيع، بسبب استمرار نقص قطع الغيار، وهو ما أثر على مبيعات السيارات التي انخفضت بنسبة 65% إلى أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من 3 سنوات.

كما أغلقت شركة "غاندارا" (Ghandhara Tire & Rubber)، التي تصنع إطارات السيارات، مصنعها اعتبارا من 13 فبراير/شباط، قائلة إنها تواجه "عقبات هائلة أمام استيراد المواد الخام والحصول على تخليص الشحنات من البنوك التجارية".

ووفقا للوكالة الأميركية، فإن شركات أخرى لتصنيع الأسمدة والصلب والمنسوجات أغلقت مصانعها إلى أجل غير مسمى أو أوقفت عملياتها بشكل متقطع لأنها تكافح مع نقص في المخزون أو السيولة، أو حتى انخفاض في الطلب.

وحول الأسباب وراء الإغلاقات، يقول رانا إن أحد الأسباب يكمن في فرض الحكومة قيودا على الواردات بسبب النقص الحاد في النقد الأجنبي، وقد أثر هذا على سلسلة التوريد للشركات التي تعتمد بشكل كبير على المواد الخام المستوردة.

ويضيف رانا، أن القيود المفروضة على الواردات أدت كذلك إلى إنتاج صناعي سلبي خلال النصف الأول من هذه السنة المالية، وكل هذه العوامل ستسهم في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر في باكستان.

ويؤكد راماي أيضًا على أن نقص العملة الأجنبية يؤثر على توفر المواد الخام، والمشكلة الأخرى هي ارتفاع التكاليف التشغيلية للمصانع مثل أسعار الكهرباء والبترول والغاز، وذلك نتيجة لمحاولات الحكومة الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، والسبب الثالث هو المضاربة السوقية وعدم اليقين.

من جانبه، يقول الدكتور شفيع الله قريشي، إن عدم قدرة باكستان على سداد قيمة الواردات يترك آلاف حاويات الإمدادات في موانئها، ويوقف العمليات، ويهدد الوظائف، ووفقا لقريشي فإنه بسبب انخفاض الصادرات وعجز الحكومة عن حل الأزمة الاقتصادية، تم تسريح حوالي 7 ملايين عامل في مجال النسيج والصناعات التابعة له.

International Workers' Day in Karachi
إغلاق عدد كبير من المصانع في باكستان سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة (الأناضول)

اللجوء إلى الفحم الطبيعي

نتيجة لأزمة النقد الأجنبي، تتجه باكستان لتوليد الطاقة بالفحم، حيث قال وزير الطاقة الباكستاني خورام داستغير خان في وقت سابق إن بلاده تعتزم مضاعفة طاقتها المحلية 4 مرات باستخدام الفحم، لخفض تكاليف توليد الطاقة ولن تبني محطات جديدة تعمل بالغاز في السنوات المقبلة.

ويواجه قطاع الطاقة في باكستان العديد من الأزمات؛ أولها نقص الغاز الطبيعي المطلوب في توليد الكهرباء، حيث يمثل الغاز أكثر من ثلث إنتاج الكهرباء في البلاد، وقد أدى نقصه إلى إغراق مناطق واسعة في الظلام العام الماضي.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور شفيع الله، إن باكستان لم تتمكن من شراء الغاز بسبب قفزة في الأسعار العالمية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الاقتصادية الحادة.

وهذا ما أكد عليه رانا الذي قال إن الأزمة الاقتصادية الحادة أدت إلى تقويض قدرة البلاد على استيراد ما يكفي من الغاز والفحم لتوليد الطاقة.

بينما يقول راماي، إن إحدى المشاكل التي يواجهها قطاع الطاقة هي قلة الاستثمار في هذا القطاع، وهو ما يعني قلة الإنتاج مقارنة مع الاستهلاك، ويتابع بأن أحد الحلول يكمن في زيادة الاستثمار في قطاع الطاقة وتطوير المحطات لتغطية الطلب.

ويقول راماي إن الحكومة تعمل حاليا على عدة خيارات، أحدها الطاقة المتجددة، حيث تعمل على بناء بعض السدود لتوليد الكهرباء، وتسعى لاستخدام الألواح الشمسية أيضا.

ويقول راماي إن الفحم هو الأقل استخداما في باكستان لتوليد الكهرباء، لأن باكستان تركز على الطاقة النظيفة والمتجددة.

ويعود رانا للقول إن أي خطة لاستخدام الفحم المحلي في محطات الطاقة القائمة قد لا تزيد من إنتاج الطاقة بالفعل بسبب الصعوبات التكنولوجية والميكانيكية، ويرى أن ذلك سوف يتطلب مزيدا من الوقت والمال لتحويل محطات الطاقة التي تعمل بالوقود المستورد إلى فحم محلي قد لا يكون ممكنا أيضا.

المصدر : الجزيرة