تونس.. ارتفاع الأسعار ينذر بأزمة غذائية وانفجار اجتماعي وشيك

محمد علي لطيفي ..سوق باب سعدون للخضروالغلال الحكومي في ظل حملة المقاطعة
التونسيون باتوا يعانون من اختفاء السلع الأساسية (الجزيرة)

تونس عادت النقاشات حول مسألة الأمن الغذائي في تونس إلى الواجهة مجددا، وسط تهديد الاتحاد العام التونسي للشغل، بعدم الالتزام بتعهداته مع الحكومة، مع تزايد المخاوف من أزمة الدواء، ومطالبة أصحاب المخابز الدولة بتسديد الديون المتراكمة، وذلك بالتزامن مع انطلاق سباق الانتخابات التشريعية.

ولا تزال مشاهد طوابير السيارات الطويلة أمام محطات الوقود بسبب نفاد الكميات، وتحول المساحات التجارية إلى ساحة للمصارعة والتشابك بالأيدي بين المواطنين للحصول على القليل من السكر أو علبة حليب، عالقة في أذهان التونسيين، المُتوقع عزوفهم عن المشاركة في السباق الانتخابي.

وما زالت تونس تعيش على وقع أزمة تزويد حادة بقائمة من المواد الأساسية، فضلا عن ارتفاع الأسعار في الوقود والنقل، ما قد يزيد من حجم الضغوط على جيوب التونسيين المفلسة، خاصة مع إعلان الدولة رفع الدعم، وهذا ما ينذر بأزمة اقتصادية وانفجار اجتماعي وشيك.

ارتفاع الأسعار

ويرى مراقبون أن نهاية العام الجاري لن تكون سعيدة بالنسبة للتونسيين الذين باتوا يعانون من اختفاء السلع الأساسية وليس فقط غلاء أسعار، وفي مقدمتها الزيت والسكر والأرز والدقيق والحليب، وبالتوازي مع ذلك، يتذمر المستهلك والتاجر على حد سواء، من الارتفاع الفاحش للأسعار.

ومنذ وصول الرئيس قيس سعيد للحكم، ارتفعت قائمة المواد المفقودة من الأسواق، لتشمل الماء المعدني والمشروبات الغازية والحلويات الصناعية، إلى جانب الدواجن، فضلا عن فقدان أغلب المواد التي تحظى بدعم الدولة، فيما ارتفع إجمالي الزيادات هذا العام في سعر الوقود إلى حوالي 20%.

ويقول الخبير الاقتصادي أرام بلحاج للجزيرة نت، إن المتسبب الأول في أزمة التزود هي الدولة، التي أسهمت في أزمة الخبز، وذلك من خلال عدم إيفائها بتعهداتها، وهو ما تسبب في إضراب أصحاب المخابز عن العمل.

ويضيف بلحاج أن الدولة هي المسؤولة عن أزمة الدواء، بعد إعلان موزعي الأدوية إضرابا مفتوحا، قبل أن يتراجعوا عن تنفيذه، اعتراضا على ما اعتبروه "أعباء ضريبية"، بعدما أعلنت الدولة تراجعها عن مسألة الإعفاء عن الخصم من المورد، رغم اعتراض موزعي الأدوية على القرار.

وتشهد تونس نقصا كبيرا في العديد من الأدوية وسط تزايد المخاوف من تفاقم الأزمة، كما تواجه الصيدليات اضطرابا على مستوى التزود بالأدوية، لاسيما في ظل الديون المتراكمة التي لم تسددها الصيدلية المركزية (مؤسسة حكومية معنية بتزويد الصيدليات والمستشفيات بالأدوية).

ويعتبر بلحاج أن الأزمة في المخزون التعديلي للحليب الذي لم تقم الدولة بمضاعفته، جاءت نتيجة عدم مقاومة تهريب الأبقار إلى دول مجاورة، إضافة إلى عدم تصديها لغلاء الأعلاف، مؤكدا أن الأخطاء التي اقترفتها الحكومة زادت في تعميق أزمة التزود بالمواد الأولية والطاقية مثل المحروقات والحبوب وغيرهما.

Cars queue for fuel at a gas station in Tunis
طوابير السيارات الطويلة لا تزال أمام محطات الوقود بسبب نفاد الكميات (رويترز)

أزمة شاملة

تونس التي لجأت لسحب مخزونها من النفط الإستراتيجي لمواكبة الطلب المتنامي على المواد البترولية في ظل أزمة اقتصادية ومالية صعبة تعيشها البلاد، ورفعت أسعار الوقود لكبح ميزانية الدولة، وهو إصلاح يريده المقرضون، فشلت في إيجاد حل للمخزون الغذائي الإستراتيجي.

وتستورد تونس حوالي 58 ألف برميل نفط يوميا لتغطية حاجتها اليومية، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية للشركة التونسية لصناعات التكرير 32 ألف برميل يوميا، في المقابل يبلغ استهلاك المنتجات البترولية حوالي 90 ألف برميل يوميا.

وحول مسألة الأمن الطاقي، يرى الخبير في الاقتصاد عزالدين سعيدان للجزيرة نت، أن الفصل 13 من دستور 2014، تسبب بتعطيل إنتاج البترول وغلق الآبار، ومغادرة مؤسسات كانت تنشط في مجال التنقيب، وهو ما أسهم في تراجع حاجيات البلاد في مجال الطاقة إلى أقل من 50% بعد أن كانت 95% سنة 2010.

ويضيف سعيدان أن الدولة -التي تبرر اليوم أزمة نقص الغذاء بتصاعد الاحتكار وإتلاف السلع من قبل المضاربين- لم يعد لديها أي محزون إستراتيجي في الحبوب أو الحليب أو السكر أو الزيت النباتي، موضحا أن هناك غيابا شاملا لإستراتيجية الأمن الغذائي في تونس.

ويعتبر أن المشكلة تكمن في وضع المالية العمومية، خاصة في عديد المؤسسات الحكومية الحساسة، حيث إن الوضع المالي لديوان الحبوب مثلا صعب وغير مسبوق، إذ بلغت نسبة ديونه مع البنك الفلاحي 4.5 مليارات دولار، معتبرا أن البلاد أصبحت تستورد 60% من حاجتها من الحبوب.

ولفت سعيدان أيضا إلى تراجع زراعة الحبوب من مليون و500 ألف هكتار سنة 2010 من الحبوب إلى 950 ألف هكتار اليوم، مبينا في مقاربة لسياسة الأسعار أن الدولة تدفع للمنتج الوطني للقمح الصلب واللين، أقل بكثير مما تستورده من الفلاح الروسي أو الأوكراني.

وفي سياق متصل، يقول الخبير الاقتصادي الصادق جبنون للجزيرة نت، إن المخزون الغذائي الذي يشكو نقصا كبيرا، مجرد مسألة ظرفية مرتبطة بالتضخم المالي الذي شمل عدة دول أفريقية وأوروبية، من بينها تونس، وتعود إلى ضعف مصادر الإنتاج جراء الأزمة الدولية.

حلول مقترحة

ولم تسهم إصلاحات الحكومة التي لا تحظى بشعبية واسعة في إعادة التوازن المالي، والتي تشمل جملة من التخفيضات في الوقود والغذاء، مقابل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، بقدر ما أسهمت في خلق أزمة اقتصادية، على مستوى التزود وعلى مستوى فقدان المواد الأساسية والأولية.

ويعتبر المحلل الاقتصادي سعيدان في حديثه للجزيرة نت، أن الحلول المفترضة لمعالجة الأزمة الاقتصادية في تونس، مرتبطة بضرورة تحسين الحياة السياسية في البلاد، حتى تسمح بالقيام بالإجراءات، ثم المرور بعد ذلك إلى مرحلة تشخيص وتحديد دقيق للمشاكل، وصولا إلى مرحلة تنفيذ الإصلاحات.

ويقول إن استعادة التوازنات وخلق فرص النمو وتحقيق انتعاشة اقتصادية ناجعة ومستدامة، لا يمكن أن يكون إلا عبر مشاركة الأحزاب السياسية والكفاءات في بناء العملية الاقتصادية، بعيدا عن سياسة الإقصاء، حتى تعود عجلة الاقتصاد للدوران، في مناخ يشجع الفلاحين والمستثمرين على العمل.

من جهته، يؤكد جبنون أن بداية الحل لا يمكن أن تكون إلا عبر سيادة الإنتاج من جهة، والوقوف على الأسباب الحقيقية من جهة أخرى، فضلا عن وضع إجراءات قطاعية صارمة لمواجهة أزمة الأدوية والخبز أو فقدان قوارير الغاز المنزلية، بعيدا عن سياسة الاتهامات.

زلزال اجتماعي

في غضون ذلك، تبدو لغة الحوار قد تعطلت بين اتحاد الشغل ذي النفوذ الواسع وحكومة نجلاء بودن، بعد تأكيد المركزية النقابية عدم التزامها بتعهداتها مع الحكومة، مما ينذر بشتاء ساخن قد يصعّب المهمة على حكومة الرئيس في الحصول على الأقساط المتبقية من القرض الذي سيمنحه صندوق النقد الدولي.

ويصف الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، للجزيرة نت، تعهدات اتحاد الشغل مع حكومة بودن بالهشة، معتبرا أن النقطة الوحيدة المشتركة بين الطرفين، هي الاتفاق الأخير حول الأجور، حيث إنه بحسب بند الاتفاق من حق الاتحاد مراجعة هذا الاتفاق بعد 6 أشهر، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ويشدد بن عمر على أن مناخ عدم الثقة المشحون بالتوترات، خاصة في ظل الخناق الذي تفرضه الحكومة على مواطنيها، سيؤدي إلى زلزال وانفجار اجتماعي في عدة قطاعات، بسبب الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة الدولة على معالجة الأوضاع المعيشية الصعبة.

المصدر : الجزيرة