بعد توقيع اتفاق الكهرباء بين لبنان والأردن وسوريا.. ما مقومات وعقبات المشروع اقتصاديا وسياسيا؟

بيروت- في خطوة حملت أبعادا اقتصادية وسياسية، حضر وزيرا الطاقة الأردني صالح الخرابشة والسوري غسان الزامل، إلى بيروت، ووقعا اليوم الأربعاء، مع نظيرهما اللبناني وليد فياض، اتفاقيتين، الأولى لتزويد لبنان بالطاقة الكهربائية من الأردن، والاتفاقية الثانية لتأمين عبور الطاقة عبر سوريا إلى لبنان.

وتوقيع هاتين الاتفاقيتين -اللتين شملتا الجوانب التقنية والتكاليف المادية وآلية الترانزيت- يأتي تتويجا لأشهر من العمل على مسارين: حصول لبنان على الكهرباء الأردنية، والثاني يرتبط باستجرار الغاز المصري، بهدف رفع ساعات التغذية لشبكة كهرباء لبنان التي تفرض تقنينا قاسيا بلغ نحو 22 ساعة يوميا. هذا ويطمح لبنان، عبر الغاز المصري والكهرباء الأردنية، أن يوفر نحو 10 ساعات من التغذية.

إعلان التوقيع

وفي مؤتمر صحفي مشترك، في مبنى وزارة الطاقة اللبنانية، قال فياض إن الاتفاقية ستؤمن للبنان 250 ميغاوات من الكهرباء، بالتعاون مع الأردن وسوريا، وإن دخولها حيز التنفيذ ينتظر فقط إنجاز اتفاق تمويل من البنك الدولي، كما أشار إلى أن لبنان يعمل على توقيع اتفاق استجرار الغاز مع مصر.

من جانبه، وضع الوزير الأردني توقيت الاتفاقية في سياق "الظرف اللبناني الحساس" موضحا أن التوجيهات السياسية بالأردن أن يجري التعاون مع لبنان على أكمل وجه.

أما الوزير السوري، فقال إن بلاده أنجزت كامل الترتيبات للربط الكهربائي من الأردن إلى لبنان، وستقدم كل التسهيلات لإنجاز الاتفاق.

المسار التقني

تقنيا، يرتبط الأردن وسوريا كهربائيا بخط نقل منذ 2001، كان خرج عن الخدمة منتصف 2012 لأسباب فنية، في حين ترتبط سوريا ولبنان بعدة خطوط ربط، بحسب الخبير اللبناني ومستشار شؤون النفط والطاقة ربيع ياغي.

ويوضح ياغي -للجزيرة نت- أن خطوط التوتر العالي جرى وصلها من الأردن لسوريا بعد ترميمها، ومن سوريا ستصل إلى منطقة كسارة ببقاع لبنان، حيث توجد محطة تحويل، يُوزع منها لبقية محطات التحويل الكهربائية اللبنانية.

ويرجح انتهاء سوريا من إعادة ترميم الخطوط، في حين لا توجد مشاكل بالجانب الأردني، ويحتاج لبنان نحو 3 أسابيع إضافية للانتهاء من عمليات التأهيل. وقال ياغي إن توريد الكهرباء الأردنية مسألة وقت، وليست معقدة كاستجرار الغاز المصري، وإن المشروعين متممان لبعضهما بغية الوصول إلى 10 ساعات كهربائية، إذا تم توزيعها عدلا بين المناطق.

تفاصيل المشروع

عمليا، سيتم توريد لبنان من فائض الكهرباء الأردنية، على أن يدفع لبنان الكلفة مباشرة للأردن، وستحصل سوريا على كمية من الكهرباء كبدل للنقل، وستكلف لبنان نحو 12 سنتا للكيلووات.

ويلفت ياغي إلى أن هذه الكلفة هي أقل من كلفة إنتاج الكهرباء بلبنان، والتي تبلغ نحو 20 سنتا للكيلووات، لأن لبنان يعتمد على الوقود الثقيل ويعاني من تقادم معامله وضعف كفاءتها، في حين ينتج الأردن الكهرباء من الغاز الطبيعي الذي يستورده من مصر، ويعد أرخص وأنظف.

ومن المتوقع أن تتراوح الكلفة الإجمالية للمشروع بين 200 و300 مليون دولار سنويا، وأن تموّل بالسنة الأولى بقرض من البنك الدولي.

وهنا، يشير الصحفي الاقتصادي محمد وهبة إلى أن توقيع الاتفاق لا يعتبر نافذا إلا بتوقيع لبنان عقد التمويل مع البنك الدولي، لأنه المعضلة الأهم للمشروع، إذ يشكل الغطاء غير المباشر لجميع أطراف الاتفاق باستثنائهم من عقوبات قانون قيصر الأميركي الذي يحظر التعامل مع النظام السوري (رغم تطمينات واشنطن) إذ إن البنك لا يمنح قروضا قد تعرضه لعقوبات.

وبعثت واشنطن سابقا رسائل عدة تطمئن باستثناء المشروع من عقوبات قيصر، في وقت تطالب مصر باستثناء خطي موقع رسميا لضمان استدامته ومفعوله.

وأشار وهبة -للجزيرة نت- إلى أن اتفاق الكهرباء هو الشكل النهائي للإجراءات التقنية والمالية حول كيفية توريد الكهرباء، وتحديد المسؤوليات بين سوريا ولبنان والأردن، مضيفا أن توقيت إنجاز اتفاق لبنان والبنك الدولي ليس محددا، وقد يستغرق وقتا.

وبلغت خسائر لبنان بقطاع الكهرباء من عام 1992 حتى 2020 نحو 38 مليار دولار، بحسب أرقام المؤسسة الدولية للمعلومات، أي تشكل نحو 40% من الدين العام، نظرا لأسباب عدة كالهدر من الشبكة وعدم الجباية ودعم تعرفة الكهرباء وفق سعر صرف رسمي مما كبد مؤسسة كهرباء لبنان خسائر هائلة، خصوصا أن الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 90% من قيمتها.

وسبق أن صرح وزير الطاقة اللبناني للجزيرة نت عن توجه فعلي لدى وزارته لرفع تعرفة الكهرباء، وأن القرار لن يتخذ دون دراسة تضمن عدم إلحاق الضرر بالفئات الاجتماعية الفقيرة.

ويوضح وهبة أن استجرار الكهرباء الأردنية لا يعني رفع تكلفة الكهرباء مباشرة "لكن المشروع سيرتب ديونا بالدولار، وتاليا، كلما ارتفع إنتاج وتوزيع الكهرباء، ستزيد الخسائر على مؤسسة كهرباء لبنان". وقال إن لبنان ذاهب لرفع تعرفة الكهرباء، لكن الاتفاق لم ينجز بالمعنى السياسي العام، خوفا من ردود فعل شعبية على مسافة بضعة أشهر من الانتخابات، متوقعا أن تكون شطور التعرفة المقبلة غير عادلة بين الفئات الطبقية اللبنانية.

ويستبعد الصحفي استدامة مشروع الكهرباء الأردنية، خصوصا أنه يرتبط بضمان مصادر تمويل له، مذكرا أنه، مع الغاز المصري، جاءا كرد فعل سياسي دفع واشنطن للقبول به، بعد استقدام حزب الله للوقود من إيران.

ما أبعاد المشروع؟

يجد مهند الحاج علي، الكاتب والباحث في مركز كارنيغي في بيروت، أن هذا المشروع كرس دور الأردن كدولة مصدرة للكهرباء في محيطها العربي.

وهناك معنى عميق "أن يعتمد لبنان على الأردن لتوفير الكهرباء، وعلى مصر بالغاز، وعلى سوريا لعبورهما لاحقا، ما يضعه في خانة المحتاج لنحو 80% من مصادر الطاقة من محيطه العربي، إذا تمكن الأردن وسوريا توفير نحو 8 ساعات إضافية من الكهرباء" وفقا للحاج علي.

وقال للجزيرة نت "إن لبنان صار يعتمد بطريقة غير مسبوقة على محيطه العربي، وإن الأمر له تبعات سياسية حتما، مذكرا بما يحدث بين أوروبا وروسيا، إذ أصبحت الأخيرة قادرة على استخدام ورقة الغاز للضغط على الجانب الأوروبي".

أما النظام السوري فهو المستفيد الأكبر من هذه الصفقة، بحسب تعبير الحاج علي، وهو أول من قبض ثمنها العام الماضي، بدءًا من إعلان واشنطن توجهها لاستثناء المشروع من قانون قيصر، مما أفسح المجال للتواصل الرسمي معه، كطرف ندي ومفاوض لديه لائحة من المطالب.

ويجد الباحث أن الاتفاقية تعزز نفوذ النظام السوري تجاه لبنان، مذكرًا بأنه أغلق حدوده سابقا مع لبنان حين توترت العلاقات بين البلدين عام 1973 "أما اليوم، فبيده ورقة إضافية لجهة عبور الطاقة".

وعليه، يُدرج الاستفادة السورية على 3 مستويات:

  • الاستثناء المبدئي من عقوبات قيصر.
  • تطبيع العلاقات والاتفاقيات مع محيط سوريا العربي المجاور بعد سنوات من عزله.
  • الحصول على حصص من الغاز المصري والكهرباء الأردنية.

ويرى الحاج علي أن لبنان سيبقى بوضع حرج للغاية، لأنه لن يضمن توفير المال الكافي لتسديد تكاليف الكهرباء والغاز سنوات طويلة، لا سيما أن القروض غير دائمة، في حين أن النخبة السياسية "لا تخطط لاقتصاد مستدام يقود إلى تعزيز واردات الدولة، ولتحقيق اكتفائها الذاتي".

المصدر : الجزيرة