جدل واتهامات بين وزارة الطاقة ونشطاء حماية الطبيعة.. ما حقيقة وجود خام النحاس في محمية ضانا الأردنية؟

محمية ضانا الطبيعية من المحميات ذات القيمة التاريخية والطبيعية والاقتصادية العالمية (الجزيرة)

عمّان – بالرغم من صدور قرار مجلس الوزراء الأردني القاضي بتعديل حدود محمية "ضانا" الطبيعية جنوب المملكة الأسبوع الماضي -بناء على طلب من وزارة الطاقة للتنقيب واستخراج النحاس منها- ما يزال الجدل دائرا بين خبراء الطاقة والجيولوجيين من جهة، ونشطاء حماية الطبيعة من جهة أخرى، حول حقيقة كميات النحاس الموجودة هناك ودواعي تعديل حدود المحمية.

وعلى مدى الأسبوعين الماضيين انشغل الرأي العام الأردني في حالة من الجدل والتشكيك بين الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، ووزارة الطاقة والثروة المعدنية، بعد نية الأخيرة بدء التنقيب في محمية ضانا الطبيعية عن خامات النحاس.

وبين خلافات الاقتصاديين الباحثين عن ثروات النحاس، والبيئيين المدافعين عن الطبيعة، يبحث رئيس مجلس محافظة الطفيلة محمد الكريميين (هيئة منتخبة) عن الفوائد العائدة على المحافظة، وتطوير بنيتها التحتية، والتخفيف من حدة البطالة، وتحسين الواقع المعيشي للمجتمع المحلي المحيط بالمحمية.

وتعتبر محمية "ضانا" الطبيعية من المحميات ذات القيمة التاريخية والطبيعية والاقتصادية العالمية، وأول محمية طبيعية في الأردن يتم إدراجها ضمن "محميات الإنسان والمحيط الحيوي" الخاصة بمظلة الأمم المتحدة "اليونسكو" (UNESCO) وتقع في محافظة الطفيلة على بعد 200 كيلومتر جنوب العاصمة.

أصل حكاية التعدين

الحكومة الأردنية كلفت وزارة البيئة بإعادة ترسيم حدود محمية ضانا، بما يسمح بـ"اقتطاع المساحات المخصصة للتنقيب، وتعويض المحمية بمساحات جديدة من الأراضي المحيطة بها ذات التنوع الحيوي والبيئي"، وفق وزير البيئة نبيل المصاروة.

وقال المصاروة للجزيرة نت أن الوزارة بصدد تشكيل لجان فنية من المختصين لتعديل حدود محمية ضانا، وهذه اللجان ستعمل بصفة الاستعجال، ويأتي التعديل بعد دراسات أولية لدى وزارة الطاقة بوجود كميات من خامات النحاس في أراضي المحمية.

وأعلنت وزارة الطاقة عن وجود 45 مليون طن من خامات النحاس بعد تنقيب ودراسات استكشافية أولية أجرتها سلطة المصادر الطبيعية منذ ستينيات القرن الماضي وحتى مطلع القرن الـ21 الجاري، إضافة للشركة الأردنية المتكاملة للتعدين والتنقيب بعد توقيعها عقد تنقب في 2016.

ويشير رئيس سلطة المصادر الطبيعية السابق ماهر حجازين إلى أن السطلة أجرت "دراسات أولية وغير متكاملة" على مدى 30 عاما حول وجود خامات النحاس في محمية ضانا، ومناطق أخرى جنوب المملكة، إضافة لدراسات من شركات ألمانية وفرنسية.

وتابع حجازين للجزيرة نت أن تلك الدراسات أشارت لوجود كميات تصل لـ45 مليون طن خام من فلزات النحاس، التي تصل نسب التراكيز فيها نحو 2.5%، مما يشير إلى وجود نحو 700 ألف طن، تصل قيمتها بحسب سعر النحاس بالأسواق العالمية حاليا 6.5 مليارات دينار (9 مليارات دولار).

أما المطلوب حاليا، فيرى حجازين ضرورة عمل دراسات جدوى اقتصادية متكاملة، تشمل دراسات جيولوجية وبيئية وتعدينية وتقنية ومالية وتمويلية وغيرها، مفصلة وبإشراف من الوزارات الرسمية المختصة لتحديد الكميات الموجودة وتكاليف استخراجها والأرباح العائدة منها للمستثمرين ولخزينة الدولة، وتكلفة تلك الدراسات تصل لـ25 مليون دينار (35 مليون دولار)، وتمتد لنحو 3 أعوام.

منطقة يرتادها السياح في ضانا (الجزيرة)

شركة "المتكاملة"

أحدث دراسات تقييم الجدوى الاقتصادية لاستغلال خام النحاس والمعادن المصاحبة في محمية ضانا؛ أجرتها الشركة الأردنية "المتكاملة" للتعدين والتنقيب، وذلك بعد توقيع اتفاقية مع وزارة الطاقة الأردنية نهاية عام 2016، وجاءت نتائج الدراسات الأولية تشير لوجود 845 ألف طن من فلزات النحاس في منطقتي فينان وخربة النحاس، وأن نسب التراكيز أعلى ببعض المناطق، بحسب المكتب الإعلامي للشركة.

ووفق مسجل الشركات الأردني فإن الشركة الأردنية المتكاملة للتعدين والتنقيب التي حصلت على امتياز تنقيب النحاس في ضانا؛ مملوكة لمجموعة شركات المناصير والقوات المسلحة الأردنية.

وبلغ رأس مال الشركة -حسب التسجيل المتوفر على موقع وزارة الصناعة والتجارة- 6 آلاف دينار (8.4 آلاف دولار) ومسجلة كشركة محدودة المسؤولية، وتملك 42 ألف من أسهمها شركة مجموعة المناصير للاستثمارات الصناعية والتجارية، و18 ألف سهم لشركة القوات المسلحة الأردنية.

استنزاف التنوع البيئي

جمعية حماية الطبيعة دافعت عن المحمية وحماية التنوع البيئي هناك، وقال مدير الجمعية يحيى خالد للجزيرة نت أن الجمعية "لا تقف في وجه التنقيب والاستثمار في المعادن إن وجدت في أراضي المحمية، نحن مهمتنا الرئيسية هي حماية المحمية والمحافظة عليه، ونرفض اقتطاع أي جزء من محمية ضانا أو غيرها من المحميات الطبيعية".

وتابع "لا نملك بالجمعية دراسات تؤكد أو تنفي وجود خامات النحاس في المحمية وأنها بكميات تجارية، وليس من اختصاص الجمعية إجراء تلك الدراسات"، مشككا بصحة الأرقام والمعلومات التي تعرضها وزارة الطاقة حول خامات النحاس، قائلا إنها "معلومات غير مثبتة علميا بينما تذكرها الوزارة على أنها حقائق".

ووفق نشطاء حماية البيئة فإن خطورة أي نشاط تعديني قادم يكمن في استنزاف الموارد الطبيعة للمحمية من خلال إنشاء الطرق والمباني التي تخدم المشروع، إضافة إلى أن استخراج النحاس من الصناعات المستنزفة للمياه غير المتوفرة أصلا بمنطقة وادي عربة، وكذلك تكمن الخطورة في تدمير المواقع التاريخية والأثرية ومناطق السياحة البيئية، كمنطقة خربة النحاس وخربة فينان وغيرها.

ضانا أول محمية طبيعية في الأردن يتم إدراجها ضمن "محميات الإنسان والمحيط الحيوي" الخاصة بمظلة اليونسكو (الجزيرة)

جدل وخلافات

وبين خلافات الاقتصاديين والبيئيين، يرحب الناشط النقابي في محافظة الطفيلة محمود الجرابعة بمشروع تعدين النحاس؛ لكن بشروط، أهمها أن يعود بـ"الفائدة على أبناء المجتمع المحلي، وتوفير وظائف لأبناء الطفيلة، وتحسين المستوى المعيشي، والمحافظة على المحمية التي تشكل إرثا تاريخيا وبيئيا وحضاريا للمحافظة، خاصة أن تجاربنا مع الاستثمارات القائمة بالمنطقة غير موفقة". وفق قوله.

وحذر المحلل الاقتصادي فهمي الكتوت من خطورة حالة الخلافات بين الجهات الرسمية والجمعية على استقرار المستثمرين وبالتالي هجرتهم، مؤكدا للجزيرة نت أهمية التنقيب عن النحاس، لكن على أن يعود إيراد ذلك التنقيب بالفائدة على خزينة الدولة وخفض المديونية ومعالجة عجز الموازنة، وبما ينعكس على تحسين المستوى المعيشي للمواطن، وتخفيف العبء الضريبي، ورفع الرواتب.

ووفق إحصائيات رسمية فإن محافظة الطفيلة سُجلت كأعلى محافظة بالمملكة في نسبة البطالة بين أبنائها، ووصلت نسب البطالة هناك لـ28.5% خلال عام 2020.

وكتب وزير الداخلية السابق سمير الحباشنة -على صفحته في فيسبوك- قائلا "نشد على يد الحكومة بموضوع استخراج النحاس من ضانا وما حولها، وأن لا تلتفت إلى جماعات كما يقولوا الكركية "فسقانيين" بمعنى الذين لا يدرون بالواقع، ومنهم السياسيين الذين لا يدركون أولويات الدولة والمجتمع، ولا يعلمون شيئا عن حاجات الناس..".

 

 

كما اشتعل الجدل بين الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي حول القضية، وما إن كان وجود خامات النحاس سينعكس إيجابا على الشعب الأردني وينقذ اقتصاد البلاد.

 

 

المصدر : الجزيرة