بلومبيرغ: بكين تسعى لإنقاذ إحدى كبرى مؤسساتها المالية من الانهيار.. فما تداعيات ذلك النظام المالي الصيني؟

أزمة هوارونغ تشكل تهديدا للجهود التي يبذلها الرئيس الصيني لإضفاء الطابع المركزي على القطاع المالي

حصلت الشركة في وقت سابق على قرض بنحو 41 مليار دولار من أسواق السندات قبل القبض على رئيسها السابق ضمن حملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد (غيتي)

تحاول الصين منذ عدة أشهر إعادة الأمور إلى نصابها في هوارونغ (Huarong) -المؤسسة المالية المملوكة للدولة- التي تعيش أزمة خانقة تشكل تحديا كبيرا للنظام المالي الصيني المثقل بالديون.

وقد حصلت الشركة في وقت سابق على قرض قيمته حوالي 41 مليار دولار من أسواق السندات، قبل أن يُقبض على رئيسها السابق ضمن حملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد.

ويرى موقع بلومبيرغ (Bloomberg) الأميركي في تقرير له أن تداعيات أزمة هوارونغ تشكل تهديدا للجهود التي يبذلها الرئيس الصيني شي جين بينغ لإضفاء الطابع المركزي على القطاع المالي وكبح جماح عمليات الاقتراض المحفوفة بالمخاطر.

ويقول مايكل بيتيس، أستاذ المالية في جامعة بكين، إن إنقاذ شركة هوارونغ سيعزز سلوك المستثمرين الذين يتجاهلون المخاطر، في حين أن التخلف عن السداد سيعرض الاستقرار المالي في الصين للخطر إذا تبع ذلك إعادة تسعير "فوضوية" لسوق السندات.

ما الذي يحدث داخل هوارونغ؟

حسب بلومبيرغ، تعيش شركة هوارونغ على وقع أزمة حادة منذ فترة، مما جعلها تؤخر إعلان نتائج أرباحها لعام 2020، وهو ما أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين في الشركة.

وقال الموقع إنه على المسؤول في الحزب الشيوعي الصيني وانغ تشان فونغ وفريقه تقديم تقارير أسبوعية للسلطات عن عمليات البنك والسيولة المتوفرة، وقد تم اللجوء إلى البنوك المملوكة للدولة طلبا للدعم، والتواصل مع أصحاب السندات لتهدئة المخاوف، لكن الأمور لا تسير على ما يرام.

وفي بياناتها، تصر الشركة باستمرار على أن موقفها سليم، وأنها ستفي بالتزاماتها، ويتم الاجتماع بشكل دوري مع المسؤولين في وزارة المالية وبقية الأجهزة التابعة للحكومة الصينية، ومن أهم الملفات على جدول أعمال الاجتماعات الخطط الموضوعة لبيع جزء من أصول الشركة.

وطلبت هيئة الرقابة المالية الرئيسية في البلاد تقديم تقارير بشأن وضع شركة هوارونغ، لكن المسؤولين يقولون إن الشركة لم تقدم حلولا طويلة الأمد إلى حد الآن، بما في ذلك خططها بشأن الخسائر التي قد يتكبدها مالكو السندات.

(FILE) A file picture dated 26 August 2015 of a clerk counting Renminbi banknotes in a bank outlet in Huaibei, Anhui province, China. The International Monetary Fund (IMF) on 30 November 2015 announced it is adding China's renminbi, or Yuan, to the currencies that the Washington-based crisis lender uses as a measure of value, alongside the dollar, euro, yen and pound sterling. EPA/WOO HE CHINA OUT *** Local Caption *** 52146007
تحتاج شركة هوارونغ إلى إعادة تمويل أو سداد حوالي 6.2 مليارات دولار من السندات هذا العام (وكالة الأنباء الأوروبية)

التركيز على الأساسيات

تسلم وانغ منصبه على رأس هوارونغ في أوائل عام 2018 عندما كانت شركة إدارة الأصول العملاقة تعيش على وقع فضيحة فساد كبيرة. ويُنظر إلى وانغ داخل الشركة على أنه هادئ ومتواضع لا سيما بالمقارنة مع الرئيس الشركة السابق، وفق ما يذكر موقع بلومبيرغ.

وفي 16 أبريل/نيسان الماضي، قدّم وانغ مراجعة للأرقام الفصلية، وشدد على أن المؤشرات تحسنت منذ توليه منصبه، وهي وجهة نظر يتفق معها بعض المحللين، رغم أنها غير كافية لتهدئة مخاوف المستثمرين.

لكن وانغ لم يكن لديه الكثير ليقوله حول ما يدور في أذهان الكثيرين بشأن خطط إعادة هيكلة ودعم الشركة، التي تعهد بتحسينها في غضون 3 أعوام من تولي المنصب.

سداد الديون

تحتاج شركة هوارونغ إلى إعادة تمويل أو سداد حوالي 6.2 مليارات دولار من السندات هذا العام. ويقول أحد الموظفين إنه لم يلاحظ أي تغيير في طرق العمل، في حين يؤكد آخر أن زملاءه في الفرع قلقون من وصول الشركة إلى مرحلة العجز عن دفع رواتبهم.

ويضيف موظف ثالث أن أولئك الذين عملوا في الفترة التي تولى فيها الرئيس السابق إدارة الشركة، انخفضت أجورهم عاما بعد عام وأصبحوا يشعرون باليأس من تحسّن وضع الشركة، رغم التفاؤل الذي يبديه المسؤولون الجدد.

وحسب بلومبيرغ، لا يبدو أن الشركة على وشك الانهيار رغم كل هذه المشاكل، لأنها تحصل على الدعم الكامل من الحكومة الصينية.

ويقول مراقبون إنه من غير المحتمل أن تسمح الحكومة بحدوث اضطرابات مالية خطيرة، مثل تخلف شركة هوارونغ عن سداد ديونها، في الوقت الذي يستعد فيه الحزب الشيوعي الصيني للاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسه في الأول من يوليو/تموز القادم، كما يأمل الرئيس شي جين بينغ ترسيخ مكانته كأحد أقوى الرؤساء في تاريخ البلاد.

علم الصين
يقول مراقبون إن طريقة تعامل الصين مع هوارونغ سيكون لها تداعيات واسعة على نظرة المستثمرين الأجانب للشركات الصينية المملوكة للدولة (الجزيرة)

تضارب مصالح

وفقا لديني مكماهون، المحلل الاقتصادي في شركة الاستشارات "تريفيوم تشاينا"، فإن هوارونغ تلعب دورا محوريا في استيعاب الديون المتعثرة للمقرضين والتخلص منها لدعم القطاع المصرفي، لكن ذلك يتطلب تدخلا حكوميا.

ويقول مكماهون في هذا السياق إن المسؤولين الصينيين "يتوقعون أن يُطلب من حاملي السندات الأجانب أن يخفضوا قيمتها. وسيتم تصميم التدخل بشكل لا يوحي للمستثمرين بأن الدعم الحكومي سيتحول إلى دعم مطلق".

وحسب بلومبيرغ، فإن الشركة وجدت نفسها في قلب لعبة المصالح بين مختلف مؤسسات الدولة والأجهزة الحكومية، في ظل عدم وجود أوامر مباشرة وصريحة من القيادة العليا.

وتؤكد مصادر مطلعة لموقع بلومبيرغ أن البنك المركزي الصيني لا يزال يدرس اقتراحا لتحمّل أكثر من 100 مليار يوان (15.5 مليار دولار) من أصول هوارونغ.

ويضيف أحد المراقبين أن وزارة المالية -التي تمتلك 57% من هوارونغ نيابة عن الحكومة الصينية- لم تلتزم بإعادة رسملة الشركة، رغم أنها لم تستبعد أيضًا هذا الخيار بشكل حاسم.

وقد كانت الوزارة وسيطا في اتفاقية مع جهات مقرضة مملوكة للدولة، بما في ذلك البنك الصناعي والتجاري الصيني، لتغطية أي تمويل مطلوب لسداد ما يقارب 2.5 مليار دولار من الأموال المستحقة الدفع بحلول نهاية أغسطس/آب المقبل.

من جانبه، يقول وو تشيونغ، المدير التنفيذي لشركة "بي أو سي إنترناشونال" (BOC International) في هونغ كونغ، إن "طريقة تعامل الصين مع هوارونغ سيكون لها تداعيات واسعة على نظرة المستثمرين الأجانب للشركات الصينية المملوكة للدولة ومدى ثقتهم بها".

وأضاف "إذا أدت أي حالات تخلف عن سداد الديون إلى إعادة تقييم مستوى الدعم الحكومي المفترض في التصنيف الائتماني للشركات المملوكة للدولة، سيكون لذلك تداعيات عميقة على العلاقة مع الأسواق الخارجية".

المصدر : بلومبيرغ