الطالب هو الضحية.. مصر تفرض الضرائب على الدروس الخصوصية

الدروس الخصوصية أصبحت أمرا واقعا وهاما في ظل خلل المنظومة التعليمية، وفق مراقبين (الجزيرة)

تحارب الحكومة المصرية لعقود مراكز الدروس الخصوصية باعتبارها أداة لتدمير العملية التعليمية في البلاد، غير أنها مؤخرا التفتت إلى تلك المراكز لتكون وسيلة ربحية، ومن ثم أقرت مصلحة الضرائب رسوما على العائدات المالية التي تحققها.

وطالبت مصلحة الضرائب، الأسبوع الماضي، القائمين على مراكز الدروس الخصوصية بفتح ملفات ضريبية لنشاط التدريس الخاص في موعد أقصاه شهر.

وقال رئيس مصلحة الضرائب رضا عبد القادر إن كل مراكز الدروس الخصوصية مطالبة بإخطار مأموريات الضرائب بنشاطها سواء كانت جمعيات أو قاعات أو شقق أو تدريس عبر الوسائل الإلكترونية أو غيرها، سواء كانت مملوكة أو مؤجرة.

وأكد -في بيان رسمي- أن فتح ملف ضريبي لا يعد سندا قانونيا لتقنين أوضاع مراكز الدروس الخصوصية، معتبرا نشاطها كأي نشاط تجاري أو مهني ينتج عنه ربح، وبالتالي تحصل منه ضريبة.

وسبق أن أعلنت مصلحة الضرائب يوليو/تموز 2020 فرض ضريبة الدخل على تجار المخدرات والسلاح والعاملين بالدعارة حال القبض عليهم.

تناقض

يبدو الموقف الحكومي متناقضا؛ فبعد ساعات من إعلان مصلحة الضرائب فتح ملفات ضريبية لمراكز الدروس الخصوصية، أكدت وزارة التنمية المحلية عدم قانونية تلك المراكز وتنفيذ حملات دورية لإغلاقها.

وقال المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية خالد قاسم -في تصريح صحفي- إن العام الجاري شهد غلق آلاف المراكز المتخصصة في الدروس الخصوصية، لأنها مخالفة للقانون ولأنها غير ملتزمة بالإجراءات الحكومية التي تحظر التجمعات.

وفي ذلك، تحدث طلعت عبد السلام -مدير عام المكتب الفني لرئيس مصلحة الضرائب- مؤكدا أن المصلحة لا تعطي الشرعية للدروس الخصوصية، موضحا أن البيان الصادر مؤخرا هو جزء من دورها الخاص بتوعية المجتمع الضريبي.

وأضاف -في مداخلة هاتفية ببرنامج تلفزيوني- أن موقف مصلحة الضرائب لا يتعارض مع اتجاه الدولة بشأن محاربة الدروس الخصوصية، ولكن هو جانب من ضبط نشاط الاقتصاد غير الرسمي.

في المقابل، تقدمت عضوة مجلس النواب إيناس عبد الحليم بطلب إحاطة بشأن ضم مراكز الدروس الخصوصية إلى منظومة الضرائب.

وتساءلت النائبة البرلمانية -في بيان صحفي- "كيف لمصلحة الضرائب أن تقر ضرائب على شيء محظور؟ كيف نوقع عقوبات على أصحاب مراكز الدروس الخصوصية، ثم نطالبهم بالضريبة على هذا النشاط غير المشروع؟"

مصلحة الضرائب طالبت القائمين على مراكز الدروس الخصوصية بفتح ملفات ضريبية لنشاط التدريس الخاص (الجزيرة)

إنفاق ضخم

وفق تقرير الجهاز المركز للتعبئة العامة والإحصاء لبحث الدخل والإنفاق عن العام المالي 2017-2018، تنفق نحو 26 مليون أسرة نحو 47 مليار جنيه -ما يعادل 3 مليارات دولار- سنويا على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية التعليمية.

وأوضح التقرير أن إجمالي متوسط الإنفاق السنوي للأسرة على التعليم بجميع محافظات الجمهورية يبلغ 5 آلاف و184 جنيها، وأن نسبة الإنفاق منها على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية تبلغ 37.7%، بقيمة 1954.368 جنيها.

وعن كيفية حساب الضرائب على مراكز الدروس الخصوصية، نقلت صحيفة الوطن المصرية عن مصدر مسؤول داخل مصلحة الضرائب أن مأموري الحصر الضريبي سيسجلون عدد الطلاب والمجموعات ومصاريف كل طالب.

وأضاف أن مصلحة الضرائب ستخصم بعد حساب إجمالي الأرباح 10% مقابل التكاليف، ليصبح الباقي خاضعا للوعاء الضريبي، لافتا إلى تنوع الشرائح الضريبية إذ يتم تحصيل 20% من الأرباح حال وصولها إلى 200 ألف جنيه سنويا وتزيد النسبة حال زيادة الربح عن هذا المبلغ.

أرباح

لا يوجد إحصاء رسمي لعدد مراكز الدروس الخصوصية بمصر، ولكن يمكن تصور مدى انتشارها بالبلاد مما كشفت عنه وزارة التنمية المحلية سبتمبر/أيلول الماضي.

وأعلنت التنمية المحلية غلق 97 ألفا و500 مركز للدروس الخصوصية منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، أي أنه تم رصد ما يقارب 100 ألف مركز خلال 10 أشهر فقط.

وأكتوبر/تشرين الأول الماضي، صرح وزير التربية والتعليم طارق شوقي بأن حجم اقتصاد الدروس الخصوصية يصل إلى نحو 20 مليار جنيه، أي ما يعادل 1.2 مليار دولار.

وعن حجم الضرائب المتوقع تحصيلها من الدروس الخصوصية، أوضح وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب ياسر عمر أن العائد المتوقع يمكن أن يصل إلى عدة مليارات من الجنيهات.

وأضاف عمر -في تصريح صحفي- أن حصيلة الضرائب ستمثل نسبة 20% من عائدات الدروس.

التنمية المحلية أعلنت غلق 97 ألفا و500 مركز للدروس الخصوصية منذ أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي (الجزيرة)

تداعيات قاسية

في حال تمكنت الجهات الحكومية المختصة من حصر مراكز الدروس الخصوصية ومن ثم تحصيل الضرائب منها، فهناك تداعيات خطيرة وقاسية سيعاني منها المجتمع، حسب توقع الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب.

فقال عبد المطلب -للجزيرة نت- إن ضعف الإمكانيات داخل المدارس وقلة عدد المعلمين بالنسبة لعدد الفصول التعليمية دفعت إلى مراكز الدروس الخصوصية كونها وسيلة مساعدة للطلبة في التعلم.

وأضاف عبد المطلب أن التلميذ أو ولي أمره هو من سيتحمل الضرائب المستهدفة حيث سترفع المراكز الخصوصية تكلفة الدروس.

كما توقع الخبير الاقتصادي إحجام من يقدمون محتوى تعليميا مجانيا عن تقديم خدماتهم، خوفا من الوقوع في دائرة التهرب الضريبي، واستطرد "هذا التوجه يشير بوضوح إلى تقديم منهج الدولة الجابية على منهج الدولة الراعية".

وأردف "الأفضل أن تحاول الدولة الحصول على حقوقها الضريبية الثابتة والمتأخرة والمتنازع عليها بدلا من البحث عن مجالات لن ينتج عنها إلا زيادة المشكلات".

وحول الجدوى الاقتصادية من تحصيل رسوم عن المراكز الخاصة، أكد عبد المطلب أن الدروس الخصوصية خدمة تتمتع بمرونة كبيرة مثل الخدمات الصحية، فعندما سترتفع تكلفتها سيحاول المستهلك الاستغناء عنها، لتعاود الدولة وتدفع تريليونات الجنيهات لمحو الأمية التي ستتفشى بين المصريين.

أولويات

من جهته، رأى الخبير بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي الدكتور محمد فتح الله أن الأولية ليست لتحصيل الضرائب من تلك المراكز، بل لفرض رقابة حكومية عليها باعتبارها أحد أشكال التعليم الخاص.

ورغم أن الدروس الخصوصية أصبحت أمرا واقعا وهاما في ظل خلل المنظومة التعليمية من وجهة نظر الخبير التربوي، فإنها صارت تتمدد وتتوحش بطريقة تحتاج إلى تدخل سريع من الدولة، حسب قوله.

وتابع -للجزيرة نت- "نرى مدرسين يقدمون دروسا خصوصية في قاعات الأفراح والساحات الرياضية، ويجبرون التلاميذ على الالتحاق بمراكزهم الخاصة".

وأكد فتح الله أن المسائل التعليمية لا يمكن معالجتها بقرار أمني أو إداري، داعيا إلى منح المراكز البحثية المعتمدة فرصة التحليل الموضوعي للقصور التعليمي وما نتج عنه من ظواهر، مثل الدروس الخصوصية، وإيجاد الحلول اللازمة.

المصدر : الجزيرة