تدابير حكومية مرتقبة.. هل تنجح الجزائر باستمالة المستثمرين الأجانب؟

هل ينعش سوق الاستثمار بالجزائر
المستثمرون الأجانب ليس باستطاعتهم امتلاك حصص تزيد عن 49% في المشاريع التي ينفذونها بالجزائر (الجزيرة)

حمزة عتبيالجزائر

"كيف لمستثمر أجنبي استثمر سبعمئة مليون دولار، أن يحصل على ملياري دولار كأرباح صافية في غضون 3 سنوات"، تساؤل طرحه الرئيس بوتفليقة صيف 2008 أمام رجال الأعمال، كان كافيا ليكون مرجعا للحكومة في إقرار القاعدة 49%-51%.

بعد الخطاب بأشهر قليلة، فرضت الحكومة الجزائرية تدابير جديدة بإدراج مواد في قانون المالية التكميلي لسنة 2009، أعطت الأفضلية للمستثمر الجزائري بنسبة 51% سواء كان حكوميا أم خاصا، في حال دخوله في شراكة مع مستثمر أجنبي.

وبذلك بات ممنوعا على المستثمرين الأجانب امتلاك حصص تزيد على 49%، تسري على كافة المشاريع والقطاعات الاقتصادية، بحجة حماية الاقتصاد الوطني من نفوذ المال الأجنبي، حسب التبريرات التي ساقتها الحكومة وقتذاك. 

لكن الحديث عن القاعدة عاد مجددا في الآونة الأخيرة، على إثر إعلان الحكومة رغبتها في تضمين مشروع قانون المالية لسنة 2020، حزمة من الإجراءات الاقتصادية تسعى من خلالها إلى تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني وتحسين مناخ الأعمال.

واقترحت الحكومة في اجتماع لها، برئاسة الوزير الأول نور الدين بدوي، رفع القيود المقررة في إطار قاعدة 49%-51% المطبقة على الاستثمارات الخارجية، التي تمس القطاعات غير الإستراتيجية.

ولم تشر الحكومة في بيانها الموجه للرأي العام إلى القطاعات المعنية بهذا الإجراء، غير أن أغلب قراءات المحللين الاقتصاديين رجحوا أنها تشمل جميع القطاعات عدا قطاعي النفط والمحروقات والصناعة والمناجم.

وكانت هذه القاعدة محل انتقاد من قبل دول أجنبية ومنظمات دولية بمبرر أنها قيدت رغبات العديد من المستثمرين الأجانب، وكانت سببا في عزوف ملحوظ للشريك الأجنبي من أغلب ميادين الاستثمار المتوفرة في الجزائر.

الحكومة اقترحت رفع القيود المطبقة على الاستثمارات الخارجية (رويترز)
الحكومة اقترحت رفع القيود المطبقة على الاستثمارات الخارجية (رويترز)

تدفقات محتشمة
وعلى المستوى المحلي، طالب في وقت سابق منتدى رجال الأعمال بإسقاط قاعدة 49%-51% باعتبارها عائقا أمام الاستثمار، بينما وصفت الجمعية العامة للمقاولين الجزائريين، على لسان رئيسها مولود خلفي، قرار الحكومة الجديد بأنه "غير مقبول" لأنه يهدد مؤسسات المقاولات بالإفلاس.

وقدر إجمالي الاستثمارات التي تشمل مستثمرين أجانب، المصرح بها لدى الوكالة الوطنية لترقية وتطوير الاستثمار، بـ 146 مليار دينار جزائري (1.216 مليار دولار)، بحسب ما صرح به المدير العام للوكالة عبد الكريم منصوري في وقت سابق لوكالة الأنباء الجزائرية. 

ورغم تصريحات المسؤولين بأن قانون الاستثمار الجزائري يتضمن امتيازات، غير أن التدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الجزائر لم ترق إلى مستوى طموحات الحكومة.

ووفقا لتقارير إعلامية، فإن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر سنة 2015 لم يتجاوز 587 مليون دولار، في حين بلغ سنة 2016 حوالي 1.5 مليار دولار.

وسُجل تراجع لقيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر سنة 2017، حيث بلغت 1.2 مليار دولار، في حين ارتفعت تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى 22% سنة 2018 لتبلغ 1.5 مليار دولار. 

‪مصطفى راجعي استبعد تحرير الاستثمار على المدى القريب‬ (الجزيرة)
‪مصطفى راجعي استبعد تحرير الاستثمار على المدى القريب‬ (الجزيرة)

الشرعية تجلب الاستثمار
فرْض شريك محلي على المستثمر الأجنبي، يراها مصطفى راجعي مدير معهد "هايك" للتفكير الاقتصادي، واحدا من القيود العديدة التي تفرضها التشريعات الوطنية على المستثمرين المحليين والأجانب، إذ تحولت إلى عائق للمستثمر الأجنبي.

وفي منظوره أن الحكومات السابقة فشلت في تجسيد وعودها بتنويع الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال، لكن معطيات الواقع أثبت أنها تراجعت لإرضاء رغبات فئوية ومجموعات محددة من أصحاب المصالح.

‎وأوضح راجعي للجزيرة نت أن البلد في الظرف الراهن بحاجة إلى حكومة منتخبة وشرعية لتتخذ قرارات برفع كل القيود عن الاستثمار المحلى والدولي، غير أنه يستبعد تحرير الاستثمار على المدى القريب، لأن الحكومة الحالية منبوذة شعبيا، وفق وصفه.

ومنذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط من العام الجاري، تشهد الجزائر اضطرابا سياسيا، مما قد يؤثر بشكل سلبي على جاذبية الاستثمارات الخارجية في الوقت الراهن ما لم تعرف الأزمة طريقها إلى الحل.

‎ومن هذا المنطلق يرى أستاذ الاقتصاد عبد الرحمن مساهل أن المستثمر الأجنبي براغماتي في تفكيره التجاري، لا يمكن شده بتصريحات صحفية أو قرارات وزارية، إذ يبحث عن الإجراءات الميدانية والضمانات القانونية والعقود التأمينية التي تحمي حقوقه وتؤمن وجوده.

‎وقال مساهل في حديثه للجزيرة نت إنه في الكثير من المناسبات أخلت الجزائر بوعودها، منها تحسين مناخ الاستثمار وإعطاء تسهيلات جمركية وتحفيزات جبائية، وعلى أرض الواقع لا شيء من هذه الوعود قد تحقق.

‎وفي حال تمسكت الحكومة برفع العمل بقاعدة 49%-51%، فلا يتوقع مساهل أن يكون لها تأثير إيجابي على الأقل في الأجل القصير، على اعتبار أن الأجانب غالبا لا يثقون في الحكومات المؤقتة ولا في الفترات الانتقالية ولا في التشريعات الاستثنائية ولا في الديمقراطيات المزيفة.

‪بجبج: الاستثمار يحتاج إلى حرية الحركة لرؤوس الأموال والأشخاص‬ (الجزيرة)
‪بجبج: الاستثمار يحتاج إلى حرية الحركة لرؤوس الأموال والأشخاص‬ (الجزيرة)

وصفة لحماية السيادة
ولطالما كانت حجج الحكومات المتعاقبة أن فرض قاعدة 49%-51% كان بهدف حماية سيادة البلد من سطوة المال الأجنبي وتشجيع المستثمر المحلي لكسب التكنولوجيا والتدرب على المنافسة الدولية استعدادا لالتحاق الجزائر بمنظمة التجارة العالمية.

لكن أستاذ الاقتصاد توفيق بجبج اعتبر أن هذه القاعدة من بين القواعد التي عطلت الجزائر في الالتحاق بمنظمة التجارة العالمية، وكانت محور جل الجولات التي تناولت المفاوضات، ذلك أن الاستثمار عملية تحتاج إلى حرية الحركة لرؤوس الأموال والكادر البشري.

وقال بجبج للجزيرة نت إن حماية سيادة البلد تكون بالحفاظ على قاعدة 49%-51% في القطاعات السيادية فقط، بالإضافة إلى تخصيص غلاف مالي معتبر للاستثمارات العمومية ودعم الشركة الوطنية بالتكنولوجيا الحديثة التي تعزز تنافسيتها وتنويع الاقتصاد وذلك بالتقليل من الاعتماد على المحروقات.

ومن أجل أسس ضامنة لحماية الاقتصاد الوطني، دعا إلى المحافظة على الاعتماد المستندي كوسيلة لتسديد عمليات الاستيراد، ناهيك عن إجراء تعديلات قانونية لمحاربة البيروقراطية والفساد المالي وإعادة تأهيل المنظومة البنكية عن طريق الرقمنة وإعادة تأهيل الرأسمال البشري.

المصدر : الجزيرة