تجارة السمك بالسلطنة.. مهنة تورّث للأجيال

جانب آخر من مرسى السيب لصيد الأسماك بمسقط.
جانب من مرسى السيب لصيد الأسماك بالعاصمة مسقط (الجزيرة نت)

طارق أشقر-مسقط

درويش بن خلفان سليم الكندي عماني في العقد الرابع من عمره، ويعتز كغيره من ممتهني حرفة صيد الأسماك في سلطنة عمان بحرفته وبيع الأسماك، ليس فقط كونها مصدر رزقه، بل لمكانتها الخاصة في قناعاته، حيث يحرص الصيادون بعمان -حسب درويش- على توريث مهنتهم لأجيالهم.

يتواجد درويش الكندي بسوق الأسماك المركزي بولاية مطرح بالعاصمة العمانية مسقط، فهو محكوم بمزاج البحر، الذي يوجه مسارات بوصلة الدخل اليومي لنحو 47470 صيادا بالسلطنة؛ فإن كانت الأمواج هائجة، يلجأ درويش للشراء والبيع من المعروض من صيد اليوم السابق.

وإن كان البحر ساكنا تطمئن له القلوب، يبكر درويش في النزول للبحر بعد صلاة الفجر هو وأولاده الثلاثة، ليصطادوا ما يجود به البحر بوداعته من أسماك تتنوع باختلاف جغرافية تواجدها، سواء كانت بالقاع أو على السطح.

يحكي درويش للجزيرة نت، وعبارة الحمد لله تتقدم وتختم سرده لمسيرة توارثه حرفة الصيد، معددا أنواع الأسماك التي يتعامل معها بشكل يومي، وحسب كل المواسم، كأسماك التونة بأنواعها الثلاثة السهوة والكنعد والإسكيل، والكوفر والشعري والحمرا و الهامور والصال والصافي وبنت النوخة، والروبيان والحبار وغيرها.

‪من داخل سوق مطرح للأسماك بمسقط‬ (الجزيرة)
‪من داخل سوق مطرح للأسماك بمسقط‬ (الجزيرة)

اكتفاء ذاتي
وبتعدد أنواع الأسماك التي سردها درويش، تتعدد وسائل الصيد حسب العمق، فهناك شباك الهيال والخيوط والسنارات والأقفاص، بالإضافة إلى القوارب التي بلغ عددها حسب الإحصاءات الرسمية لوزارة الزراعة والثروة السمكية العمانية 22 ألفا و720 قاربا، علاوة على سبعمئة سفينة صيد حرفي و134 سفينة صيد ساحلي.

وتؤكد الإحصاءات نفسها أن سلطنة عمان حققت معدلات عالية من الاكتفاء الذاتي من إنتاج الأسماك تجاوز 200% بحجم إنتاج بلغ 280 ألف طن، بنسبة نمو 8.7%، وبقيمة إجمالية 212.6 مليون ريال عماني (553 مليون دولار) عام 2016.

وتتوقع الإحصاءات أن يحقق قطاع الأسماك بعمان معدل نمو يبلغ 6.5% خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة (2016-2020) ، مع جهود لتشجيع الاستثمار بالقطاع السمكي بلغ فيها إجمالي القروض الاستثمارية التي قدمها بنك التنمية العماني للقطاع 1020 قرضاً بقيمة إجمالية قاربت سبعة ملايين ريال عماني (18.2 مليون دولار).

ويسهم الصيد الحرفي بنسبة 99% من إجمالي الإنتاج السمكي لعام 2016، في حين تتوزع النسبة المتبقية على الصيد الساحلي والتجاري والاستزراع السمكي.

وبلغت الصادرات العمانية من الأسماك عام 2016 نحو 152 ألف طن، بقيمة 72 مليون ريال عماني.

كما بلغت نسبة الصادر من إجمالي الإنتاج السمكي 54%، بينما يوجه الباقي للاستهلك المحلي، حيث تقدر إحصاءات الوزارة متوسط نصيب الفرد من الأسماك بالسلطنة بنحو 33 كيلوغراما للفرد سنويا.

‪من أسماك التونة بسوق مطرح للأسماك بمسقط‬ (الجزيرة)
‪من أسماك التونة بسوق مطرح للأسماك بمسقط‬ (الجزيرة)

منافسة
ويقدر درويش الدخل اليومي للبائع في سوق الأسماك بأكثر من 25 ريالا عمانيا في اليوم (65 دولارا). ويرى صياد عماني آخر يدعى موسى بن عبد الله بمرسى السيب لصيد الأسماك بالعاصمة مسقط أن الإيراد اليومي مربوط بحجم المعروض من الأسماك بالأسواق.

ويؤكد موسى أيضا توارثه المهنة من عائلته، ويتكسب منها بشكل جيد، غير أنها تشهد في مرسى السيب -حيث يباشر نشاطه- تنافسا في ساعات الصيد، إذ يصل عدد القوارب في وقت واحد إلى مئة قارب، مع تذبذب الأسعار لكثرة واردات صيد المراسي الأخرى كالدقم وصلالة وصور بالشرقية والمصايد الأخرى.

ويعتقد موسى بأن انخفاض أسعار أسماك المصايد البعيدة يرجع إلى كونها تُجلب مبردة لبعد المسافة، بينما صيدهم طازجا تتحرك جوانبه نفضا عند ملامسته بسوق السيب.

ويتحدث عن وجود بعض المشكلات التي تواجههم كصيادين تقليديين مثل ارتفاع أسعار الوقود وأسعار معدات الصيد وتكاليف صيانتها.

ويشير موسى أيضا إلى أن كثرة التوجيهات الرسمية التي تحدد مواسم الصيد، رغم أهميتها لحماية الثروة السمكية، فإنها تتعارض -وفق رأيه- مع فرصه في الحصول على صيد وفير يعادل خسائره التشغيلية.

 

‪ابن مبارك الرميمي شاب يعمل في تقطيع وتنظيف الأسماك بمسقط‬ (الجزيرة)
‪ابن مبارك الرميمي شاب يعمل في تقطيع وتنظيف الأسماك بمسقط‬ (الجزيرة)

وبسوق الأسماك بمطرح بمسقط، حيث يتواجد درويش وأحد أبنائه الثلاثة، يعمل مجموعة من الشباب في حرف مساعدة كتنظيف وتقطيع الأسماك، بينهم الشاب يونس بن مبارك الرميمي (38 عاما)، فهو إمام مسجد يباشر عمله بالسوق بعد صلاة الفجر إلى ما قبل آذان الظهر.

يؤكد يونس استمتاعه بحرفته المتوارثة، فقد سبق أن حاول البيع والشراء في الأسماك، لكنه فضل العودة للتنظيف والتقطيع لضمان عائد له.

وبالقرب من يونس على إحدى منصات السوق يعمل الشاب راضي بن مبارك (36 عاما)، في سوق يقتصر فيه العمل على العمانيين فقط.

ويؤكد بن مبارك تمسكه بمهنة أجداده، ويطالب البلدية والشركة الاستثمارية التي تدير السوق بخفض القيمة الإيجارية لمنصة التنظيف لأقل من  سبعين ريالا شهريا ( 182 دولارا)، معبرا عن أمله أن تتم الاستجابة لمطلبه.

المصدر : الجزيرة