تحولات أسواق الغاز المسال في عام 2016

تصميم قضية اقتصادية / الكاتب تامر بدوي

تامر بدوي

زيادة المعروض رغم ضغوط الإنتاج
مشكلة استمرار ضعف الطلب الآسيوي
أوروبا والتحولات الجيوسياسية

هناك توقعات بحدوث تحولات كبيرة في أسواق الغاز الطبيعي المسال في نهاية العقد الجاري، ستتبلور ملامحها أكثر بدءا من عام 2016 نتيجة عوامل عديدة تبدأ بالزيادة المتوقعة في حجم المعروض السوقي -على غرار النفط- وتراجع الطلب من مستهلكين كبار، وتنتهي بتراجع سعر النفط الذي لا يزال يؤثر بشكل كبير على اتجاهات تسعير الغاز المسال في الأسواق العالمية.

زيادة المعروض رغم ضغوط الإنتاج
تشكل كل من أستراليا والولايات المتحدة الأميركية في أسواق الغاز المسال رقما صعبا بالنسبة للمُصدرين المهيمنين على الأسواق الذين تتصدرهم قطر.

ومن المتوقع أن تضيف أستراليا إلى السوق 58 مليون طن من الغاز المسال خلال فترة 2017-2018، وفقا للاتحاد العالمي للغاز. وبذلك ستشكل هذه الإضافة 149% ارتفاعا في حجم الصادرات الأسترالية مقارنة بحجمها في عام 2013 الذي بلغ 23.3 مليون طن. وهناك ثلاثة مشروعات أسترالية لتسييل الغاز (كوينزلاند، وغلادستون، وأستراليا باسيفيك) بدأت إنتاجها خلال النصف الثاني من العام الماضي، وسيكون لها أثر ملموس بداية 2016 على أسواق الغاز العالمية.

وبالرغم من توقعات بتوسع الفائض في المعروض السوقي من الغاز المسال، فإن استمرار تراجع أسعار النفط لا يزال يهدد مشروعات أسترالية مزمعة، بسبب قيام العديد من هذه المشروعات مسبقا على عقود طويلة المدى مرتبطة في تسعيرتها بسعر النفط، حيث تم التوقيع عليها في وقت كانت أسعار النفط فيه مرتفعة. وبحسب أحد التقديرات، تتكلف مشروعات أسترالية مزمعة 12 دولارا للوحدة الحرارية.

من المتوقع أن تضيف أستراليا إلى السوق 58 مليون طن من الغاز المسال خلال فترة 2017-2018، وفقا للاتحاد العالمي للغاز؛ وبذلك ستشكل هذه الإضافة 149% ارتفاعا في حجم الصادرات الأسترالية

وبانخفاض أسعار الغاز المسال بالأسواق الشرق آسيوية (وفقا لتسعيرة كوكتيل خام اليابان) من 16.3 دولارا للوحدة الحرارية في نهايات 2013 إلى تسعة دولارات للوحدة الحرارية في نهايات 2015 و6.5 دولارات في الأسواق الفورية؛ أصبحت العديد من المشروعات تواجه ضغوطا لعدم جدواها الاقتصادية. ولكن في المقابل، تسعى الشركات إلى خفض تكاليف الإنتاج للحفاظ على تنافسية هذه المشروعات؛ ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي أنهت شيفرون الأميركية عقود 1200 عامل بمشروع تسييل غرغون بغرب أستراليا، وهو رقم مرشح للزيادة.

على غرار أستراليا، من المتوقع أن تضيف الولايات المتحدة 44.1 مليون طن سنويا من الغاز المسال إلى الأسواق بحلول 2020. وبالرغم من تهديد الهبوط الكبير في أسعار النفط للعديد من مشروعات استخراج الغاز الأحفوري التي تغذي مشروعات التسييل (وفقا لوكالة بلومبرغ، سجل الربع الأخير من 2015 أعلى نسبة إفلاس في قطاعي النفط والغاز في الولايات المتحدة)، فإنه وفقا لتقرير صدر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015 فإن حقلي غاز مارسيلاس وأوتيكا اللذين يشكلان 85% من إجمالي إنتاج الغاز الأحفوري الأميركي يشهدان ارتفاعا مستمرا في حجم إنتاجهما بفضل تطور تقنيات الاستخراج. فبعد أن كان حجم إنتاج منطقة مارسيلاس 6.3 مليارات قدم مكعبة في يناير/كانون الثاني 2012، قفز إلى 16.5 مليارا في يوليو/تموز 2015. أما حقل أوتيكا فقد تضاعف حجم إنتاج الغاز فيه 18 مرة خلال الفترة السابق ذكرها.

ولكن في ظل هبوط سعر مزيج برنت إلى ما دون الأربعين دولارا، قد يكون النصف الأول من عام 2016 حاسما في تقرير مصير العديد من المشروعات اعتمادا على مدى قدرتها على تحمل تقلبات الأسعار خلال هذه الفترة.

مشكلة استمرار ضعف الطلب الآسيوي
في مقابل الكميات الكبيرة من الغاز المسال المتوقع أن تستقبلها الأسواق من أستراليا وأميركا الشمالية في نهايات العقد الجاري وحتي منتصف العقد القادم، سيزداد تشبع السوق الشرق آسيوي، وقد استوعب هذا السوق ما يقارب 60% من الإنتاج العالمي للغاز المسال في 2014. في المقابل -وفقا لبلومبرغ- تراجع طلب منطقة شمال شرق آسيا على الغاز المسال بنسبة 27% في عام 2015.

بعد حادثة فوكوشيما ارتفعت واردات الغاز المسال اليابانية (25% نموا في الواردات من 2010 إلى 2013) مع غلق جميع المحطات النووية، ولكن من نهاية عام 2014 بدأ الاتجاه نحو إعادة تشغيل المفاعلات، وبعد تلقي التصاريح اللازمة تم افتتاح مفاعل سينداي في أغسطس/آب 2015، ومن المتوقع إعادة تشغيل مفاعلات أخرى مستقبلا.

الفحم ومصادر الطاقة المتجددة بدأت في الاستحواذ على مساحة أوسع على حساب الغاز المسال في إنتاج الكهرباء باليابان، إذ يُشار إلى تراجع الطلب الياباني على الغاز المسال العام الماضي بثلاثة ملايين طن

في هذا السياق، يشير موقع إنترفاكس للطاقة في تقرير له إلى أن الفحم ومصادر الطاقة المتجددة بدأت في الاستحواذ على مساحة أوسع على حساب الغاز المسال في إنتاج الكهرباء باليابان، إذ يُشار إلى تراجع الطلب الياباني على الغاز المسال العام الماضي بثلاثة ملايين طن، وتسير كوريا الجنوبية في الاتجاه نفسه مع تراجع أسعار الفحم العالمية.

أما الصين فمن المتوقع أن يتراجع طلبها على الغاز المسال لعدة أسباب؛ فمع تباطؤ النمو الصيني شهد الطلب على الغاز الطبيعي تراجعا إلى 8.3% في عام 2014 مقارنة بعام 2013 الذي بلغ معدل الطلب فيه 13.9%، وشهدت واردات الغاز المسال الصينية تراجعا في معدل نموها من 10% في عام 2014 إلى نحو 3.5% في 2015.

وفضلا عن ضعف نمو الاستهلاك الصيني، يقلق مصدري الغاز المسال عاملان: نمو إنتاج الغاز الأحفوري، والغاز القادم من روسيا في نهاية العقد الجاري.

فالحكومة الصينية تخطط لإنتاج ثلاثين مليار متر مكعب سنويا من الغاز الأحفوري بحلول عام 2020، وهو ما يشكل 8.3% من إجمالي استهلاك الصين من الغاز الطبيعي الذي تتوقع مؤسسة وود ماكينزي بلوغه 360 مليار متر مكعب في عام 2020. ولكن لا يزال الإنتاج بطيئا؛ إذ لم تنتج الصين سوى 1.6 مليار متر مكعب في 2015 في مقابل 2.6 مليار متر مكعب استهدفت إنتاجها في ذلك العام.

وعلى صعيد آخر، فإنه بتوقيع روسيا والصين في مايو/أيار 2014 اتفاقا يقضي بتصدير شركة غازبروم 38 مليار متر مكعب من الغاز إلى بكين بداية من عام 2018 (ولاحقا تم الاتفاق على توريد موسكو ثلاثين مليار متر مكعب إضافية لبكين)؛ أصبح مصدرو الغاز المسال الجدد والمهيمنون يواجهون ضغوطا. ولكن ليس معروفا إن كانت موسكو ستتمكن من تنفيذ المشروع بحسب جدوله الزمني أم لا بسبب أزمة التمويل التي تواجهها مع تراجع عائداتها من النفط والغاز وعدم قدرتها على تأمين مصادر تمويل من مؤسسات غربية بسبب العقوبات.

ووسط تراجع الطلب الآسيوي وتشبع الأسواق من الغاز المسال بشكل مستمر، يسعى المصدرون المهيمنون -وعلى رأسهم قطر- إلى تطوير إستراتيجياتهم السعرية في آسيا من أجل الحفاظ على حصصهم السوقية. فقد اتفقت كل من قطر والهند في ديسمبر/كانون الأول الماضي على تعديل نظام تسعير الغاز المتبع في اتفاق التوريد (الذي يمتد 25 عاما) لينخفض سعر الوحدة الحرارية بموجب النظام الجديد من 12.6 دولارا إلى 6.5 دولارات تقريبا، إذ تمكن التكاليف المنخفضة لإنتاج الغاز المسال القطري (مبلغ دولارين للوحدة الحرارية) الدوحة من تحمل ضغوط المنافسة واتباع إستراتيجيات سوقية أكثر مرونة مع توسع الأسواق الفورية.

أوروبا والتحولات الجيوسياسية
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تشكل واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي 77% من استهلاكه في 2025 في مقابل 63% بالوقت الحالي، وتتوقع الوكالة أن تتضاعف واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال بين 2014 و2020. ومع ذلك، يشير مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) إلى تراجع في الحجم الكلي لاستهلاك الاتحاد الأوروبي منذ عام 2010، مما قد يعني بشكل محتمل استمرار التراجع في حجم استهلاك دول الاتحاد خلال السنوات القادمة حتى لو توسعت حصص وارداتها من الغاز.

يشير مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (يوروستات) إلى تراجع في الحجم الكلي لاستهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي منذ عام 2010

هناك عاملان يدفعان باتجاه توسع واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال:

الأول- انكماش الإنتاج النرويجي من الغاز الطبيعي. فوفقا للخبير النرويجي رون ليكفيرن فمن المتوقع تراجع قدرة تصدير الغاز النرويجي بنسبة 40% بحلول عام 2025 مقارنة بفترة 2014-2015، ومع الأخذ في الاعتبار أن النرويج هي ثاني أكبر مصدر للغاز إلى الاتحاد بعد روسيا، فإن إمدادات الغاز المسال ستسهم في سد هذا الفراغ شريطة توسع دول الاتحاد في بناء منشآت لاستقبال الغاز.

الثاني- مع إلغاء مشروع خط غاز السيل التركي على خلفية التوترات الجيوسياسية بين أنقرة وموسكو، أصبحت دول البلقان ووسط أوروبا في حاجة إلى بدائل للغاز الروسي (إلى جانب مشروع خط غاز تاب-تاناب الأذري). وتنشط حاليا شركات الغاز الأميركية -مثل شنيير للطاقة- في جنوب شرق أوروبا للبحث عن فرص لتصدير الغاز الأميركي المسال. ومن ناحية أخرى يدفع استمرار تعطل مشروع خط السيل الشمالي الثاني لتصدير الغاز الروسي إلى ألمانيا (لعدم توافقه مع قواعد الحزمة الثالثة الأوروبية للطاقة) إلى تعزيز فرص مصدري الغاز المسال.

_______________________
باحث ماجستير في العلاقات الدولية بجامعة وسط أوروبا

المصدر : الجزيرة