الأغوار الفلسطينية.. 48 عاما من التهميش

العنوان: الأغوار الفلسطينية.. 48 عاما من التهميش

undefined

بكر ياسين اشتية

خريطة المنطقة جغرافيا وتاريخيا
أرقام صادمة
ممارسات إسرائيلية ممنهجة
قيود وتسهيلات
تقصير رسمي واحتياجات ملحة


لا أحد ينكر الدور المساند والمكمل الذي تقدمه بعض مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمبادرات الشعبية لدعم صمود أهلنا في منطقة الأغوار، وهي المنطقة الفاصلة بين الضفة الغربية والأردن.

لكن من غير المنطقي أن تلقي مؤسساتنا الفلسطينية الرسمية بكل الحمل على تلك المبادرات وتتنصل من مسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بحجة أن أراضي الأغوار هي خارج نطاق السيادة الفلسطينية لكونها تقع في الأراضي المصنفة (سي) والتي تتبع لولاية أمنية وإدارية إسرائيلية، ففي باقي مناطق الضفة الغربية نجد النسبة الكبرى من المشاريع الزراعية تقع أيضا في الأراضي (سي)، إلا أن المعيقات الإسرائيلية هناك لم تعن يوما انعدام وسيلة لتقديم الدعم الاقتصادي التنموي الرسمي الممنهج.

من هنا تبرز أهمية خلق كيان مدني مستقل يكون بمثابة حلقة وصل بين المبادرات والتجمعات والمنظمات غير الحكومية المعنية بشأن تنمية وتمكين الأغوار، وبين الجهات الحكومية والرسمية الداعمة لفكرة صمود أهلنا في الأغوار، ضمن إطار عمل موحد وجهد منظم يقترب من حقيقة الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، ويدعم صمود السكان والمستثمرين هناك.

خريطة المنطقة جغرافيا وتاريخيا
تمتد الأغوار الفلسطينية على الجانب الشرقي من الضفة الغربية بمتوسط عرض عشرين كيلومترا، ضمن ما يعرف في أدبيات الجغرافيا الإسرائيلية بمنطقة العزل الشرقية، فهي المنطقة التي تعزل كبريات التجمعات السكانية للضفة الغربية عن محيطها العربي.

سياسة العزل التي شرع الاحتلال الإسرائيلي في تكريسها منذ عام 2002، امتداد لما كان يعرف بخطة آلون الاستعمارية القاضية منذ عام 1970 بخلق عازل جغرافي يفصل الضفة الغربية عن الحدود الأردنية، ويعزل شمال الضفة عن جنوبها

ويمكن اعتبار سياسة العزل التي شرع الاحتلال الإسرائيلي في تكريسها منذ عام 2002 امتدادا لما كان يعرف بخطة آلون الاستعمارية القاضية منذ عام 1970 بخلق عازل جغرافي يفصل الضفة الغربية عن الحدود الأردنية، ويعزل شمال الضفة عن جنوبها، وذلك في مسعى لخلق حدود جديدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي وعاصمتها القدس الموحدة.

ويستوطن الأغوار قرابة ثمانية آلاف وخمسمائة مستوطن إسرائيلي في 31 مستوطنة، 60% منهم يعملون في الزراعة أو في بعض الخدمات المساندة للقطاع الزراعي.

ومن النواحي الإدارية والأمنية نجد أن 91.5% من مساحة الأغوار مصنفة أراضي (سي)، في حين أن المناطق المصنفة (أي) لا تشكل سوى 8% من مساحة الأغوار، وهي مناطق تخضع إداريا وأمنيا لولاية السلطة الفلسطينية، أما المناطق المصنفة (بي)، فتشكل (0.5%) من إجمالي المساحة، وهي مناطق تخضع إداريا للسلطة، وأمنيا للاحتلال.

وتتركز المناطق (أي) في محافظة أريحا التابعة للأغوار الجنوبية، في حين توجد الأغوار الوسطى التابعة لمحافظة نابلس، والأغوار الشمالية التابعة لمحافظة طوباس على الأغلب في مناطق (سي).

إحصاءات صادمة
ويقطن الأغوار ستون ألف نسمة في 27 تجمعا ثابتا، أي نحو 2% من إجمالي سكان الضفة، وذلك على مساحة تبلغ 2.4 مليون دونما (ألفان وأربعمائة كلم مربع)، أي ما يزيد على 29% من مساحة الضفة، علما بأن عدد سكان الأغوار كان قد تجاوز ربع مليون نسمة في عام 1967.

وبلغ متوسط حصة الفلسطيني القاطن بالأغوار من الأرض الزراعية 0.8 دونم (سبعمائة متر مربع) من مجموع خمسين ألف دونم (خمسة هكتارات)، في المقابل تناهز حصة المستوطن الإسرائيلي 7.6 دونمات (7.6 آلاف متر مربع) من إجمالي 65 ألف دونم (6.5 هكتارات). ويعمل في مستوطنات الأغوار قرابة سبعة آلاف عامل زراعي فلسطيني، 60% منهم يملكون أراضي زراعية في المنطقة.

ويصل متوسط أعمار العمالة الزراعية الفلسطينية بالأغوار 48 عاما، بينما لا يتجاوز أعمار العاملين منهم في مزارع المستوطنات الإسرائيلية 32 عاما، أي أن شريحة واسعة من فئة الشباب الفلسطيني هناك آثروا العمل بالمستوطنات على العمل في أراضيهم نظرا لتدني جدوى الإنتاج الزراعي الفلسطيني، إما بسبب المضايقات الإسرائيلية أو لقلة الدعم المقدم من قبل المؤسسات الفلسطينية المعنية، علما بأن إحصاءات العمل تشير إلى أن العمالة الفلسطينية في مستوطنات الأغوار هي الأدنى أجرا على الإطلاق.

من اللافت أن نجد متوسط الفقر في الضفة الغربية يبلغ 18% في العام 2013، في حين يرتفع إلى 27% في منطقة الأغوار، وذلك على الرغم من أن معدلات البطالة بتلك المنطقة لا تتجاوز 12.5%، مقابل 19% في المتوسط بالضفة

ومن اللافت أن نجد متوسط الفقر في الضفة الغربية يبلغ 18% في عام 2013، في حين يرتفع إلى 27% في منطقة الأغوار، وذلك على الرغم من أن معدلات البطالة بتلك المنطقة لا تتجاوز 12.5%، مقابل 19% في المتوسط بالضفة الغربية، وهو الأمر الذي يعكس انتشار ظاهرة العمالة الزراعية الفلسطينية الرخيصة في المستوطنات الإسرائيلية بالأغوار.

وترتفع معدلات الأمية في الأغوار إلى 7% من الأفراد الذين أتموا 15 سنة، مقابل أقل من 4% في عموم الضفة.

وبالرغم من كل المعيقات الإسرائيلية ضد أصحاب الأرض في الأغوار، تعتبر هذه المنطقة رافدا رئيسا لسوق الخضراوات الفلسطينية بمنتجاتها طيلة السنة، حيث تنتج حوالي 60% من الخضراوات الموجودة في السوق المحلية، و40% من الحمضيات، و100% من التمور والموز.

ممارسات إسرائيلية ممنهجة
أصبح من السهل على المتتبع لشأن الأغوار أن يعي أن ما يقوم به الاحتلال من سياسات هدم وتهجير ومصادرة وتجريف ومضايقة على الأرض، يهدف في المحصلة النهائية إلى تجميع السكان الفلسطينيين الموجودين في نحو 27 تجمعا في تجمع واحد بدأت إسرائيل بالفعل في الإعداد له في منطقة النويعمة غرب أريحا، وذلك لتسهيل عملية الاستيلاء الكامل على منطقة العزل الشرقية.

ويبدو أن الجانب الإسرائيلي في مسعاه لتحقيق غايته لا يعول على القوة المفرطة فحسب، لكنه يتقن فن استخدام القوة الناعمة ضمن سياسة النفس الطويل وسيلة لتمرير مخططاته على المجتمع الدولي دون أن يتسبب له ذلك في الإحراج.

وفي حين أن ثلث احتياطي مياه الضفة الغربية يقع بجوف الأغوار تحصل غالبية التجمعات السكانية هناك على المياه من مصادر إسرائيلية متمثلة في شركة ميكروت، بينما يحصل تجمع واحد على المياه من هيئة فلسطينية، وبعض التجمعات لم تصلها شبكات المياه بعد.

أما المراعي الخصبة، فقد عمل الجانب الإسرائيلي على حفر خندق بعمق ثلاثة أمتار في منطقة الأغوار الشمالية وهو ما حد من قدرة مربي المواشي على استغلال تلك المراعي، وتمنع سلطات الاحتلال العمالة الفلسطينية من غير سكان الأغوار من الوصول إليها لأغراض العمل في المزارع الفلسطينية هناك.

الاحتلال الإسرائيلي أغلق منذ عام 2013 معبر بردلة، وهو الممر الوحيد الذي يربط الأغوار بباقي الأراضي المحتلة، إضافة إلى منع البدء في أي مشاريع بنى تحتية تسهم في ربط المنطقة بباقي الضفة، مما أسهم في رفع الكلفة التسويقية للمنتج الزراعي، وخفض جودته

كما يمنع الجانب الفلسطيني من إقامة أي مركز للبحث والتطوير الزراعي، حيث تم رفض إعطاء أي ترخيص لهذا الغرض هناك، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل دمرت القوات الإسرائيلية المركز البحثي الزراعي الوحيد في قرية الجفتلك بالأغوار.

قيود وتسهيلات
كان الاحتلال الإسرائيلي قد أغلق منذ عام 2013 معبر بردلة، وهو الممر الوحيد الذي يربط الأغوار بباقي الأراضي المحتلة عام 1948، إضافة إلى منع البدء في أي مشاريع بنى تحتية تسهم في ربط المنطقة بباقي الضفة، مما أسهم في رفع الكلفة التسويقية للمنتج الزراعي، وخفض جودته نظرا لاضطرار الشاحنات المحملة بالمحاصيل إلى سلوك طرق أطول، والانتظار فترات طويلة على حواجز التفتيش، يضاف إلى ذلك الحد من قدرة المنتجين الزراعيين الفلسطينيين من الوصول للأسواق العالمية. 

في السياق نفسه، أنجز الجانب الإسرائيلي العديد من مشاريع البنى التحتية والطرق الالتفافية التي تربط الأراضي الإسرائيلية بمستعمرات الأغوار الزراعية، إضافة إلى حصول المزارع الإسرائيلي بالأغوار على كافة أشكال الدعم والتمويل، سواء في الإنتاج أو التسويق أو التمويل، مما جعل أرباح المستوطنين في الأغوار تقفز إلى 670 مليون دولار عام 2013.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المنتجات الزراعية الإسرائيلية في الأغوار تحمل العلامة التجارية "كرمل"، وذلك لتسهيل تسويقها في المناطق والدول العربية، أما تلك المنتجات التي تستهدف الأسواق الأوروبية فلا توضع أي عبارة عليها تشير إلى أنها من مزارع المستوطنات، وذلك لتفادي الحظر الأوروبي لاستيراد منتجات المستعمرات في الضفة.

تقصير رسمي واحتياجات ملحة
يمكن تلخيص أبرز احتياجات التنمية والتمكين لسكان ومستثمري الأغوار في النقاط الرئيسة التالية:
أولا: احتياجات اقتصادية تنموية، فالمتتبع لشأن الأغوار يلحظ تأخرا واضحا من مؤسسات السلطة الفلسطينية في فهم وإدراك الأهمية الإستراتيجية لدعم صمود الأغوار في وجه التهويد الكامل للأرض، فقد كان التحرك في عام 2007 بتخصيص موازنات إغاثية غير منتظمة، خاليا من أي بعد تنموي، إضافة إلى عشرات المبادرات الأهلية التي حملت ذات الصبغة الإغاثية، ولم تسجَّل في أي من تلك المجهودات الرسمية أو الشعبية مساع جادة في سبيل تمكين المنطقة من الصمود في وجه المخططات الإسرائيلية.

ويمكن تلخيص أوجه الإنفاق والاحتياجات الاقتصادية التنموية الملحة في تخصيص موازنة تطويرية سنوية للمنطقة وفق دراسة للاحتياجات، وضمن شراكة بين المؤسسات الرسمية ذات الصلة، والمنظمات غير الحكومية ذات القدرة العالية على خلق مصادر تمويل أجنبية مستقرة، كما أنه من المطلوب أيضا تعديل بنود قانون تشجيع الاستثمار بما يضمن منح حوافز وإعفاءات إضافية للمستثمرين في منطقة الأغوار نظرا لارتفاع درجة المخاطرة هناك.

ومن المتطلبات أيضا إنشاء شركة تسويق زراعي على نمط المؤسسات العامة (شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص) قادرة على فتح أسواق جديدة لمنتجات الأغوار، وتضمن للمزارع الفلسطيني فيها استقرارا أكبر في الأسعار والأرباح ضمن هامش مخاطرة أقل، وإنشاء شركة تأمين زراعي خاصة بالأغوار مدعومة بتمويل رسمي وآخر من بعض الجهات المانحة ذات الصلة، وتعمل هذه الشركة على تقليل مخاطر الاستثمار الناجمة عن الظروف الطبيعية والسعرية من جهة، وعن ظروف الاحتلال من جهة أخرى.

ومن الضروري أيضا دعم مدخلات الإنتاج الزراعي في الأغوار من بذور وأسمدة ومبيدات وأشتال وأعلاف، على غرار ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية تجاه المستوطنين في الأغوار، وإنشاء مركز بحث وتطوير زراعي متطور في منطقة أريحا (الأراضي المصنفة "أي") يضمن إنتاجية أعلى للأراضي الزراعية بمتوسط كلفة أقل وجودة أعلى.

ثانيا: احتياجات اجتماعية، وتتمحور حول النقص الواضح في احتياجات سكان الأغوار من المدارس والوحدات الصحية والمباني ووسائل النقل والمواصلات، وغيرها من وسائل التمكين والصمود لفلسطينيي المنطقة.

من كل ما سبق يتضح أنه أصبح من الأولويات الملحة تشكيل جسم مجتمعي يقوم بمهام تنسيق وتنظيم كافة الجهود الرسمية والمبادرات الشعبية تجاه منطقة الأغوار، ويعمل حلقة وصل بين كافة الجهود والمبادرات من جهة، والاحتياجات التنموية على الأرض من جهة أخرى.
ـــــــــــــ
رئيس قسم الاقتصاد سابقا ومحاضر بقسم الاقتصاد جامعة النجاح الوطنية بنابلس

المصدر : الجزيرة