مستقبل الاقتصاد الإيراني بعد اتفاق جنيف

مستقبل الاقتصاد الإيراني بعد اتفاق جنيف

undefined

تامر بدوي

بعد ثماني سنوات من سوء الإدارة والعقوبات, تسنح اليوم الفرصة للرئيس الإيراني حسن روحاني لرفع الضغط تدريجياً عن كاهل الاقتصاد الإيراني بعد التوصل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى اتفاق مبدئي مع القوى الغربية الكبرى في جنيف يستهدف تسوية الملف النووي الإيراني سلمياً.

ويعاني الاقتصاد الإيراني من خلل في عدد من المواضع التي تجعله في حاجة ماسة لاستعادة توازنه, وهو الشيء الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال رفع العقوبات عن الصادرات النفطية على المدى القصير. وحسب تصريحات أحد النواب الإيرانيين وعضو لجنة الموازنة أحمد توكلي تؤثر العقوبات على 35% من قطاعات الاقتصاد.

وتتجلى أهم مواطن الخلل التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني في استمرار تفاقم معدل التضخم، إذ يعاني الاقتصاد من نسبة تضخم مرتفعة, وحسب تقديرات البنك المركزي بلغ التضخم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 40% ولكنه بذلك يكون قد انخفض بنسبة 0.4% عن أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، أما الجهاز المركزي للإحصاء فقد قدر نسبة التضخم بـ35.9%.

كما تعاني إيران من ارتفاع نسبة البطالة حيث بلغت بين الشباب 26% وتبلغ 40% بين الخريجين الجامعيين. ومن جوانب الخلل العجزُ في توفير الإعانات النقدية، إذ تخصص الحكومة الإيرانية 35 تريليون ريال (1.4 مليار دولار) شهرياً لتمويل الإعانات النقدية، ولكنها تواجه عجزا في تأمين 10 آلاف مليار ريال (405 ملايين دولار).

ساهم تدهور صادرات القطاع النفطي وتعثر صناعة الغاز الطبيعي في سلوك طهران موقفا أكثر مرونة على طاولة المفاوضات بشأن الملف النووي

الضغط على قطاع النفط
ساهم تدهور صادرات القطاع النفطي وتعثر صناعة الغاز الطبيعي في سلوك طهران موقفا أكثر مرونة على طاولة المفاوضات بشأن الملف النووي. وحسب التقارير فقد انخفض متوسط حجم صادرات إيران من النفط في 2012 إلى أدنى مستوياتها منذ 1986، حيث صدرت طهران 1.5 مليون برميل نفط يومياً مقارنة بـ2.5 مليون برميل يومياً في 2011 ثم زاد التراجع إلى مليون برميل فقط في 2013.

وناهز حجم عائدات إيران من صادراتها النفطية في 2012 نحو 69 مليار دولار مقابل 95 مليارا في 2011، كما تقلص حجم إنتاج إيران النفطي ضمن حصص دول منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بين 2008 ويوليو/تموز 2012 بنسبة 27% في مقابل ارتفاع الإنتاج العراقي بنسبة 31.5%.

ويتضمن الاتفاق المبدئي الذي توصل إليها الجانبان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تحويل سبعة مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة إلى إيران.

ثلاثة مكاسب
ويتجلى المكسب الأول في رفع الحظر تدريجياً عن تجارة المواد النفيسة، حيث تعتمد إيران على مقايضة صادراتها من النفط بالذهب بسبب العقوبات المفروضة على البنك المركزي الإيراني. لذا فإن رفع الحظر عن بيع إيران الذهب المتراكم لديها سيوفر لها سيولة مادية، وسيعزز من الاحتياطي من النقد الأجنبي، إذ بلغت قيمة الصادرات التركية من الذهب إلى إيران 1.5 مليار دولار شهرياً طيلة السنة الماضية.

أما المكسب الثالث فهو رفع الحظر تدريجياً عن صادرات إيران من البتروكيماويات إلى الاتحاد الأوروبي، وستستفيد إيران من هذه العودة إلى سوق البتروكيماويات الأوروبية بما قيمته 2 مليار دولار إلى 2.5 مليار دولار.

وأما موضوع رفع الحظر كلياً عن الصادرات النفطية, فتبقيه القوى الغربية على الطاولة لتحفيز الإدارة الإيرانية. ومن شأن عودة إنتاج إيران النفطي بكامل طاقته أن تخفض من سعر برميل النفط الخام بنسبة 10%, حسب تصريحات فرنسيسكو بلانش, أحد مسؤولي بنك أميركا ميرل لينش، وذلك لأن الدول الأعضاء في منظمة أوبك إذا التزموا بتقليل حصصهم لصالح طهران رسمياً فإنهم سيبيعون نفطهم بطرقهم الخاصة، ناهيك عن تأثير ثورة النفط الصخري على أسعار النفط عالميا.

إذا حققت المفاوضات بين إيران والقوى الغربية تقدماً ملموسا فإن من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام انضمام طهران لمنظمة التجارة العالمية، التي سعت طهران للانضمام إليها منذ العام 1996 دون جدوى

وعلى صعيد التجارة الدولية, فقد تفتح المفاوضات القادمة -إذا حققت تقدماً ملموساً- الباب أمام انضمام إيران لـمنظمة التجارة العالمية، حيث سعت طهران للانضمام للمنظمة منذ العام 1996 في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني، وأعادت طهران المحاولة في 2005 ولكن لم تكلل جهودها بالنجاح منذ ذلك الحين.

عودة الاستثمارات
بدافع الحصول على تسهيلات تقدمها الحكومة الإيرانية, تسعى الشركات الدولية للضغط على القوى الغربية للسماح لها بالعودة للاستثمار في السوق الإيرانية خاصة بعد اتفاق جنيف.

وتجري حالياً وزارة النفط الإيرانية برئاسة بيجن زنغنه مفاوضات بشكل مستمر مع شركات إيني الإيطالية وبي بي البريطانية وإكسون موبيل الأميركية وتوتال الفرنسية وشل الهولندية البريطانية، والأهم شركة أو أم في النمساوية، وذلك لأن طهران ترغب في إشراك هذه الشركات في تطوير حقل جنوب فارس الذي يوجد فيه عدد من مشاريع الغاز المُسال المتعثرة.

وفي قطاع صناعة السيارات، أشارت صحيفة لوموند الفرنسية في تقرير لها إلى رغبة الشركات الفرنسية في العودة للسوق الإيرانية في ظل قرب رفع العقوبات جزئيا عن طهران، وعلى رأس هذه الشركات بيجو ورينو، غير أنهما تنتظران الإشارة الخضراء من الإليزيه.

وعلى الرغم من الرسائل الإيجابية التي يحملها الاتفاق المبدئي حول الملف النووي الإيراني، فإن رغبة الكونغرس في تشديد العقوبات على طهران -حتى في حالة تأجيل ذلك ستة أشهر على الأقل- قد تؤدي إلى تخريب المسار التفاوضي برمته وبالتالي الإضرار بالاقتصاد الإيراني، وقد أدرجت الولايات المتحدة في الفترة الماضية أكثر من 12 مؤسسة على قائمة العقوبات المفروضة على طهران, كما استهدفت واشنطن بضغط من جماعات اللوبي الصهيوني مصرف خلق التركي لتعامله مع إيران.
ـــــــــــــ
كاتب مصري

المصدر : الجزيرة