آليات وتداعيات خروج اليونان وإفلاسها

epa02990915 Old Greek Drachma coins that were replaced by Euro in 2002, in Athens, Greece 03 November 2011. The future of Greek Prime Minister George Papandreou‘s government was in doubt Thursday as lawmakers from his governing Socialist party revolted against a referendum on whether the country wants to remain in the eurozone. Greek Finance Minister Evangelos Venizelos, who is also deputy prime minister, broke ranks with Papandreou on the idea of holding a referendum, insisting that the priority for the country was to remain in the eurozone. EPA/ORESTIS PANAGIOTOU
undefined

خالد شمت-برلين

يثير استمرار ترجيح سياسيين واقتصاديين أوروبيين اقتراب موعد خروج اليونان من منطقة اليورو وإفلاسها عقب ذلك أسئلة بشأن كيفية حدوث هذا الإفلاس وتداعياته على بلاد الإغريق نفسها وعلى منطقة العملة الأوروبية الموحدة.

وأخذ الأمل في بقاء أثينا على قدميها في عالم اليورو في التلاشي بعد انتخابات برلمانية أجريت مرتين خلال فترة قصيرة ولم تسفر عن تحقيق أي حركة باتجاه إجراءات التقشف والإصلاح الاقتصادي، التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي كشرط لتقديمهما مساعدات لإنقاذ الاقتصاد اليوناني من أزمته الخانقة.

وانضم إلى قائمة المتوقعين للخروج اليوناني من منطقة اليورو سياسيون بارزون ومؤسسات اقتصادية أوروبية مؤثرة، حيث اعتبر وزير الاقتصاد الألماني فيليب روسلر أن خروج اليونان من منطقة اليورو أصبح محتملا وقريبا ولم يعد مثيرا للفزع.

وأعلن البنك المركزي الأوروبي أنه أصبح مستعدا لخروج أثينا وقال رئيس مجلس وزراء مالية منطقة اليورو (مجموعة اليورو) جان كلود يونكر إن خبراء متخصصين بالمنطقة أعدوا خطة لمواجهة تداعيات إفلاس اليونان بمجرد إعلان فريق المدققين التابعين للدائنين الدوليين لأثينا عن عجز أثينا تنفيذ إجراءات التقشف والإصلاحات المنتظرة منها.

الاتفاقيات المؤسسة للاتحاد الأوروبي لا تتضمن أي قواعد لإخراج دولة من منطقة اليورو، لأن واضعي هذه الاتفاقيات لم يخطر ببالهم حينذاك وضع كهذا

قواعد منظمة
ورغم ارتفاع أصوات عديدة بمنطقة اليورو -خاصة لألمانيا القاطرة الاقتصادية لأوروبا- مرجحة خروجا قريبا لليونان، فإن دول المنطقة منفردة أو مجتمعة لا تستطيع طرد أثينا أو غيرها من بين صفوفها، ويعزى هذا لعدم تضمن الاتفاقيات المؤسسة للاتحاد الأوروبي أي قواعد لإخراج دولة من منطقة اليورو، لأن واضعي هذه الاتفاقيات لم يخطر ببالهم حينذاك وضع كهذا.

وتتيح الاتفاقيات الأوروبية إمكانية واحدة لخروج اليونان هي أن تعلن أثينا نفسها خروجها، غير أن هذه الحالة التي ليس لها سابقة في نظام اليورو لا تتضمن قواعد تحدد ما الذي ينبغي على اليونان فعله عند خروجها.

ويتفق معظم المعنيين بأزمة اليورو على اعتبارا السادس من أغسطس/آب القادم علامة فارقة في تحديد مصير اليونان، إذ يرتقب أن تتوجه مجموعة الترويكا (المفوضية الأوروبية والمركزي الأوروبي والنقد الدولي) إلى أثينا للتباحث مع رئيس وزرائها أنطونيوس سامارس في موضوع رئيس هو قدرة اليونان على الوفاء بالتزاماتها بإجراءات التقشف والإصلاحات، وكيفية سد الحكومة بين عامي 2013 و2014 الفجوة الموجودة بميزانيتها بقيمة 11.5 مليار يورو (14.14 مليار دولار).

تقرير حاسم
وفي نهاية الشهر المقبل ستصدر الترويكا تقريرا يتوقع أن تحسم فيه إمكانية بقاء اليونان في منطقة اليورو وحصولها على مساعدات أو خروجها من المنطقة وإعلان إفلاسها، وإذا أعلن الدائنون الدوليون أن أثينا عجزت عن تحقيق التقشف والإصلاح فإن هذا سيتبعه إغلاق صنبور مساعدات الإنقاذ، وإيقاف تحويل 31.3 مليار يورو (38.5 مليار دولار) من حزمة المساعدات الثانية لليونان.

ومن شأن الوصول إلى هذا الوضع أن يؤدي إلى عجز الحكومة اليونانية عن سداد التزاماتها الداخلية، ما سيعني حال حدوثه الإفلاس وتوقع انهيار النظام المصرفي، وتدفق أعداد كبيرة من المواطنين على المصارف لإنقاذ مدخراتهم المودعة لديها.

وتتوقع الأوساط الاقتصادية الألمانية أن تسعى أثينا لتخفيف حدة التداعيات السلبية لهذا السيناريو المفزع بإعلان خروج البلاد من اليورو في عطلة نهاية الأسبوع التي تعطل فيها البنوك للحد من التدفق عليها، وإغلاق البنوك لعدة أيام لتخفيف أجواء الهلع.

البحث عن عملة جديدة تحل مكان اليورو ستكون الخطوة الأولى التي ينتظر أن تقدم عليها أثينا إذا ما أعلنت الإفلاس، وتؤشر التوقعات لعودة اليونان لعملتها القديمة

بعد الإفلاس
ويمثل البحث عن عملة جديدة تحل مكان اليورو الخطوة الأولى التي ينتظر أن تقدم عليها حكومة أثينا إذا ما تم إعلان إفلاس البلاد، وتؤشر كل التوقعات في هذا السياق لعودة اليونان لعملتها القديمة الدراخما التي ستفقد الكثير من قيمتها التي كانت عليها قبل اعتماد اليورو، وتذهب تقديرات ألمانية إلى توقع فقد الدراخما 50% من قيمتها أمام اليورو والدولار.

ووفقا لهذا السيناريو يرتقب كذلك إعلان حكومة أثينا خسارة سندات الديون اليونانية 50% من قيمتها، وفي المقابل ستنخفض ديون اليونان مرة واحدة من 350 مليار يورو (430 مليار دولار) إلى 175 مليار يورو (215 مليار دولار).

واختلف اقتصاديون في تقييم تأثير العودة للدراخما على وضع الاقتصاد اليوناني المتردي، حيث رأى فريق منهم في هذا فرصة وفوائد إيجابية لليونان أهمها تزايد إقبال المواطنين على منتجاتهم المحلية التي ستنخفض أسعارها بشكل كبير مقابل حدوث ارتفاع حاد لأسعار البضائع المستوردة.

كما سيؤدي اعتماد الدراخما لانتعاش الصادرات اليونانية نتيجة تراجع أسعار البضائع المحلية، وحدوث طفرة كبيرة بمعدلات التدفق السياحي على اليونان بسبب الانخفاض الكبير في أسعار العروض السياحية.

في المقابل يشكك اقتصاديون آخرون في إسهام العودة للعملة القديمة في تعافي الاقتصاد اليوناني بسرعة ورفع قدرته التنافسية عالميا، ورأي هؤلاء أن العودة للدراخما ستكون لها تكلفة فادحة بسبب الارتفاع الهائل المنتظر بأسعار الواردات، وفي مقدمتها النفط والغاز اللذان يمثلان العصب المحرك للنشاط الاقتصادي اليوناني.

إفلاس اليونان سيحمل معه حال حدوثه خطر حدوث ارتفاع هائل في فوائد الديون السيادية لإيطاليا وإسبانيا والبرتغال

تداعيات أكبر
ويثير الخروج المتوقع لليونان من منطقة العملة الأوروبية الموحدة تساؤلات بشأن قدرة الأخيرة على تحمل تداعيات هذا الوضع، فقد حذرت تقارير لمراكز بحثية ألمانية مرموقة من انتقال العدوى اليونانية على شكل تساقط أحجار الدومينو إلى إيطاليا وإسبانيا والبرتغال التي تواجه اقتصاداتها أيضا أوضاعا متعثرة وصعبة.

ورأي معهد أيفو للدراسات الاقتصادية في ميونيخ أن إفلاس اليونان سيحمل معه حال حدوثه خطر حدوث ارتفاع هائل في فوائد الديون السيادية لروما ومدريد ولشبونة، واحتمال وصول الدول الثلاث إلى حافة العجز عن السداد، مما يعني تهديد الأوضاع الاقتصادية بكل منطقة اليورو.

المصدر : الجزيرة