بسام علواني ينهض وفي يديه النهر

ينهض في يدي النهر

سيدي محمد

صدر عن دار علاء الدين للنشر والتوزيع في دمشق ديوان جديد للشاعر السوري بسام علواني ضم 18 قصيدة وحمل عنوان "ينهض في يديه النهر".

وقد غلبت قصائد التفعيلة على الديوان الجديد ما عدا قصيدة واحدة أخذت الشكل العمودي وهي قصيدة في رثاء والد الشاعر في محاولة منه لكسر هذا القالب مع هاجس الموت والرحيل.

في تقديمه لهذه المجموعة الشعرية ينطلق الناقد والكاتب الصحفي السوداني محمد الربيع من زاويتين مختلفتين ومتطابقتين بشيء من جمالية الروح والجسد واللغة متكئا في سبره للشكل والمضمون على ذائقة الصداقة والقرب من الشاعر.

استنطق الناقد الملامح الشخصية والنفسية للكاتب معتبرا إياها مدخلا للطرق على أبواب النصوص المعلقة برتاجات النحو والبلاغة يقول الربيع في أول صدر من معادلته الأدبية "الذي يعرف بسام علواني بملامحه ومظهره الخارجي ويقترب من عوالمه النفسية سيكتشف إلى أي مدى تتعاكس الصرامة الواضحة والأناقة البينة في مظهره والهدوء المهيمن في نظرته وشخصية المعلم مع البناء المتماسك لنصوصه والمنطق النحوي الأقرب إلى التشريعات منه إلى المغامرة الشعرية كأنما الكتابة عنده لعبة تهريب ملامح".

"
يدرك القارئ لقصائد الشاعر علواني أن هناك فجوة مزق أبدي يصعب سدها أو رتقها داخل روح قصيدة التفعيلة لديه وهو ما ينعكس بشكل واضح على اختياره لمتباعدين هما النهر والرمل، "

الجوهر اللطيف
بعد شرحه لعجز معادلته الذي أسماه الجوهر اللطيف والكامن عنده في لعبة يمارسها الشاعر محاولا من خلالها تهريب الجوهر في البناء الجمالي لتجربته، يتسائل الناقد هل يعتمد علواني هذه التقنية ليصنع أسوارا متماسكة لبيت في مهب الريح ؟

ولعل الإجابة على هذا التساؤل تخفي وراءها مزيجا من الأجوبة والأسئلة المركبة لا نستطيع التخلص منها إلا إذا خرجنا من دائرة الناقد الذكية حول فوهة البركان وما بداخل البركان.

يدرك القارئ لقصائد الشاعر علواني أن هناك فجوة مزق أبدي يصعب سدها أو رتقها داخل روح قصيدة التفعيلة لديه وهو ما ينعكس بشكل واضح على اختياره لمتباعدين هما النهر والرمل، فهل هو ظمأ القصيدة أو امتلاؤها بحيث تتدفق شاعرية باحثة عن صحراء عطشى تسقيها الحنين؟

إلا أن ما يوضح عتمة الصورة قليلا لدى الرائي هو ظلال تلك المعاني التي تتسامر تحتها قصائد الشاعر  وقرائه مستخدما إسقاطات الظل بكل ما فيه من التصاق بكينونتنا وتاريخنا وتراثنا بل إن الظل ليس سوى مفردات واقع متناثر يصعب التخلص منه يقول:

..وأقول رفقا
للنواعير التي
هامت على أشواقها
لنشيدها ينعي أحبته ويمضي
لمطالب الزمن المعتق وجهها
ولساعة العاصي
تحلق كالفراشة
للمساجد قرب منبرها
يصلي الطهر خمسا
للكنائس في تجلي الله
تلبس قدسها.

"
الديوان مجموعة من البوح الإنساني العميق تتوالد داخله النصوص بشكل ذهني وصوري يتصالح مع اللغة أحيانا ويصطدم معها أحيانا كثيرة
"

بوح إنساني
إلا أن الديوان هو مجموعة من البوح الإنساني العميق تتوالد داخله النصوص بشكل ذهني وصوري يتصالح مع اللغة أحيانا ويصطدم معها أحيانا كثيرة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك وعيا لدى علواني بضرورة طرح أسئلة محرجة على ذكية تخرج عن سياق المعتاد.

الشاعر بسام علواني يبني من المعاني عالمه الخاص ويجسد من اللا محسوس ملموسا شعريا لا يبتعد في قبوله عن العادي كما إنه يؤمن للمتناقضات طريقها  فالريح عنده لحاف واللغة عنده مجال خارج النص بل إن الماء عنده وسيلة للتنفس:

أعيدي لي الماء كي أتنفس ملء السماء
وصبي على جسدي
من شظايا الأنين
أريج الرؤى

وهنا أتفق مع الناقد محمد الربيع حين يقول بكل قوة رصد إن الشاعر "لا يرى واقعا بل يحلمه وهذه الطريقة في الكتابة تتطلب مخيلة قارئة متحررة من عادات التفسير السائدة وقادرة على مقارعة التخييل بالتخييل".

يذكر أن هذا الديوان هو الرابع من أعمال الشاعر بعد أن صدر له "آخر الرؤيا" 1997 و"تدخل الشمس أوردة الصقيع" 1998 ومجموعة أخرى بعنوان "دم لباب الذاكرة" 2003.
______________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة