الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف أمينا دائما للأكاديمية الفرنسية

(FILES) French-Lebanese writer and member of the French Academy Amin Maalouf poses in his home in Port-Joinville, western France, on October 1, 2021. French-Lebanese writer Amin Maalouf was elected perpetual secretary of the Academie Francaise (French Academy) on September 28, 2023, succeeding Helene Carrere d'Encausse, who died in August, a member of the institution's administrative committee told AFP. (Photo by LOIC VENANCE / AFP)
الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف أحد وجوه الروايات التاريخية المستلهمة من الشرق (الفرنسية)

انتُخب الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف -الخميس- أمينا دائما للأكاديمية الفرنسية خلفا لإيلين كارير دانكوس التي شغلت المنصب منذ 1999 وتوفيت في أغسطس/آب الماضي وظل المنصب شاغرا منذ ذلك الحين.

وفاز معلوف -وهو أحد وجوه الروايات التاريخية المستلهمة من الشرق، وركز في أعماله على مسألة تقارب الحضارات- بهذا المنصب بأغلبية 24 صوتا مقابل 8 لمنافسه وصديقه الكاتب جان كريستوف روفان.

وتنافس الكاتبان الفائزان بجائزة "غونكور" المرموقة على قيادة الأكاديمية الفرنسية، وهي المؤسسة الحريصة منذ تأسيسها في القرن الـ17 على قواعد اللغة الفرنسية.

وأمين معلوف (74 عاما) كاتب فرنسي من أصل لبناني، حائز على جائزة "غونكور" في 1993 عن روايته "صخرة طانيوس" (التي تدور أحداثها في الجبال اللبنانية خلال طفولته)، وكان مرشحا معلنا منذ فترة.

تنافس وجدل

ورغم أن الأمينة الدائمة السابقة المتخصصة في الشؤون الروسية لم تسمّ أحدا لخلافتها فإنه كان يُنظر إلى معلوف على أنه المرشح الأوفر حظا لقيادة الأكاديمية، إذ تحظى شخصيته بالإجماع، نظرا إلى انخراطه القوي في أنشطة المؤسسة التي انضم إليها عام 2011 ونقش على سيفه الخاص بأعضاء المؤسسة العريقة رمز "ماريان" (شعار الجمهورية الفرنسية) وأرزة لبنان.

وتوجه جان كريستوف روفان إلى أمين معلوف لدى استقباله في الأكاديمية سنة 2012 قائلا "أنت بالفعل رجل ذو لباقة خالصة، وتظهر لديك في كل مناسبة علامات التقدير الكبير لجميع من يخاطبك".

وقد تنافس معلوف مع صديقه جان كريستوف روفان (71 عاما) الطبيب والدبلوماسي السابق والحائز على جائزة غونكور عام 2001 عن روايته "البرازيل الحمراء"، والذي انضم إلى الأكاديمية عام 2008.

وبدا روفان سعيدا للغاية بانضمام صديقه إلى المؤسسة العريقة، إذ توجه إليه حينها قائلا "لدي انطباع بأن أحلامنا جعلت منا أكثر من مجرد أصدقاء، فقد أصبحنا بمثابة الإخوة".

وقد أظهر روفان ترددا قويا في خوض المنافسة حتى أنه ترك انطباعا في مراحل معينة بأنه سيعدل عن الترشح، قبل الدخول رسميا في السباق.

وأبدى جان كريستوف روفان انزعاجا مما سماه "الابتعاد عن مظاهر المنافسة الديمقراطية" في انتخاب رأس المؤسسة العريقة التي تتباهى بمواكبتها الحداثة.

ونقلت مجلة "إم" التابعة لصحيفة "لوموند" الفرنسية اليومية عنه قوله -السبت- "كأننا في كوريا الشمالية".

وكان هذا الكاتب -الذي يحظى بإجماع أقل- تردد قبل أن يترشح لهذا المنصب، وكتب في رسالة ترشحه التي نشرتها صحيفة "لوموند" "حاولت التراجع بداية، لكنني توصلت إلى استنتاج مفاده أن قضيتنا العظيمة تستحق بعض التضحيات".

ولفتت مجلة "إم" إلى أن عضوا آخر في الأكاديمية هو مارك لامبرون قاد حملة ضد روفان خلال الأشهر الأخيرة، متهما إياه بالافتقار إلى الاستقلالية.

لكاتبان الفائزان بجائزة غونكور المرموقة أمين معلوف وجان كريستوف روفان
الكاتبان الفائزان بجائزة غونكور المرموقة أمين معلوف (يمين) وجان كريستوف روفان (رويترز)

وحصلت عملية الانتخاب بصورة مغلقة خلال الجلسة الأولى للأكاديمية بعد العودة من الإجازة.

وقالت وزيرة الثقافة ريما عبد الملك -وهي أيضا فرنسية من أصل لبناني- لدى وصولها إلى مقر الأكاديمية بعد الانتخابات "إنه اختيار ممتاز، (…) كاتب عظيم، ورجل أخوّة وحوار وتهدئة".

وأكدت أن انتخاب معلوف يحمل "رمزية رائعة لجميع الناطقين بالفرنسية في العالم".

وسيعفى الأمين الدائم الجديد فورا من المهمة التي كرست لها إيلين كارير دانكوس الكثير من الطاقة، وهي إكمال الطبعة التاسعة من قاموس الأكاديمية، إذ إن هذه المهمة أوشكت على الانتهاء.

تحديات ملحة

لكن، ثمة مسألتان ملحتان أخريان ستشغلان معلوف، في المقام الأول الشؤون المالية، فالأكاديمية الفرنسية كغيرها من فروع "معهد فرنسا" تعاني من وضع مالي حساس، إذ تعيش على عائدات أصولها المالية وعلى الهبات والتركات.

في عام 2021 حث ديوان المحاسبة على التجديد السريع لمبنى الأكاديمية الفرنسية في باريس في مواجهة خطر الحريق، وهذه المهمة لم تنفذ بعد، كما أن محاولة مستشار المعهد كزافييه داركوس لجعل الأكاديميات تخسر استقلاليتها مقابل ما تكسبه على صعيد اتساق الإدارة باءت بالفشل، في مواجهة معارضة إيلين كارير دانكوس.

كذلك، ثمة مسألة أخرى مرتبطة بجاذبية المؤسسة، ومن بين المهمات المعلنة منذ زمن بعيد في هذا الإطار إدخال مزيد من العناصر الشابة والنساء إلى الأكاديمية المؤلفة حاليا من 28 رجلا و7 نساء، وهو هدف يصعب تحقيقه.

والسكرتير الدائم للأكاديمية الفرنسية هو العضو الذي يدير هذه المؤسسة المدافعة عن اللغة الفرنسية وتطويرها، ولم يشغل هذا المنصب سوى 32 شخصا منذ 1634.

وفي يوليو/تموز الماضي أنهى أعضاء الأكاديمية النظر في كلمات الطبعة التاسعة من قاموس الأكاديمية الفرنسية التي تضم ما يقارب ضعفي عدد الكلمات الموجودة في النسخة الثامنة.

وستظل كارير دانكوس -التي انضمت إلى المؤسسة في 1990 وانتُخبت رئيسة لها في 1999- "السكرتيرة الدائمة"، إذ شهدت الأكاديمية في عهدها ثورة الإنترنت الرقمية.

ورغم أن قاموس الأكاديمية يلقى معارضة لغويين كثيرين يأخذون عليه "طابعه المتزمت" فإنه يعد أداة قيّمة لمتابعة تطور اللغة الفرنسية، ومختلف إصداراته متاحة مجانا عبر الإنترنت.

ومن بين مهام السكرتير الدائم سعيه إلى استقطاب مرشحين ذوي قيمة كبيرة، فإيلين كارير دانكوس لم تنجح دائما في محاولاتها تشجيع أو تأييد ترشيحات كتّاب أصغر سنا يحظون بشعبية، وتضم الأكاديمية 40 مقعدا يشغل 28 منها رجال، و7 عائدة للنساء، وثمة 5 مقاعد شاغرة في انتظار الانتخابات.

"بلدي هو الذي ابتعد عني"

ويزخر سجل الروائي المتميز بكتب حصدت نجاحا كبيرا، بينها "ليون الأفريقي" (1986)، و"سمرقند" (1988)، و"رحلة بالداسار" (2000)، و"إخوتنا الغرباء" (2020) وغيرها.

كما ألف معلوف مقالات وقصصا عدة، بينها "الحروب الصليبية كما رآها العرب" (1983)، و"موانئ المشرق" (1996)، و"الهويات القاتلة" (1998)، و"اختلال العالم" (2009)، و"مقعد على ضفاف السين" (2016)، حيث يروي حياة الأكاديميين الـ18 الذين سبقوه إلى الكرسي الـ29 (رقم مقعده في الأكاديمية الفرنسية) منذ عام 1635.

وتحتل موضوعات المنفى والترحال والاختلاط الثقافي والهوية موقعا مركزيا في منشوراته المكتوبة بالفرنسية بلغة عميقة لا تخلو من المتعة السردية.

ففي كتاب "بدايات" (2004) تحدث معلوف عن شعوره بالالتزام تجاه أسلافه، وكتب أن المرء في بلده الأم يولد محبا للترحال ومتعدد اللغات، والعائلة هي التي تؤسس "الهوية الشتاتية" لأبناء جلدته الذين يتركون مثله لبنان ليشقوا طريقهم حول العالم.

ولد أمين معلوف في بيروت في 25 فبراير/شباط 1949، وهو ابن رشدي معلوف الصحفي والكاتب والمعلم والرسام والشاعر والشخصية اللامعة في العاصمة اللبنانية بين أربعينيات القرن العشرين وثمانينياته.

كتاب "الحروب الصليبية كما رآها العرب" لأمين معلوف (الجزيرة)

وعلى خطى والده خاض أمين معلوف غمار الصحافة بعد دراسات في الاقتصاد وعلم الاجتماع، وعمل مراسلا رئيسيا لمدة 12 عاما، وغطى سقوط النظام الملكي في إثيوبيا ومعركة سايغون الأخيرة، وتولى بعدها إدارة "النهار العربي والدولي".

وفي عام 1975 شهد الاشتباكات الأولى إثر اندلاع الحرب اللبنانية، قبل أن يقرر المغادرة إلى فرنسا، ويقول "لقد غادرت لبنان بعد عام من الحرب، لكنني لا أشعر بالذنب لأنه في مرحلة معينة كان علي اتخاذ قرار المغادرة من أجلي ومن أجل عائلتي".

وفي باريس انضم إلى مجلة "جون أفريك" الأسبوعية التي أصبح رئيس تحريرها.

على خطى أدباء لبنانيين ناطقين بالفرنسية من أمثال شارل قرم وناديا تويني وصلاح ستيتية يكتب أمين معلوف بأسلوب يمزج بين القوة والسلاسة بنفحة شرقية، لكنه يقول "إذا وجدوني في الغرب شرقيا فإنهم في الشرق سيجدونني غربيا جدا".

انتظر هذا الرجل المتحفظ المبتسم حتى عام 1993 ليستحضر لبنان في كتاب "صخرة طانيوس"، موضحا "لم أبتعد يوما عن لبنان، بل بلدي هو الذي ابتعد عني".

وقال عند عودته إلى بلده الأم عام 1993 بعد غياب استمر 10 سنوات "لا أحاول أن أعرف إلى أي بلد أنتمي، فأنا أعيش هذه الجنسية المزدوجة -اللبنانية والفرنسية- بطريقة متناغمة".

ويوزع أمين معلوف -وهو أب لثلاثة أبناء- إقامته بين باريس وجزيرة يو بمنطقة فانديه الفرنسية.

المصدر : الجزيرة + وكالات