الحريات الأكاديمية والتضامن الزائف.. لماذا تتعرض جامعات الضفة لهجوم إسرائيلي جديد؟

Palestinian students supporting the Fatah, Hamas, and other factions attend a debate ahead of student council elections at Birzeit University on the outskirts of Ramallah in the occupied West Bank, on May 17, 2022. (Photo by ABBAS MOMANI / AFP)
طلاب فلسطينيون يحضرون مناظرة انتخابية لمجلس الطلاب في جامعة بيرزيت بضواحي رام الله في الضفة الغربية (الفرنسية)

في الشهور الأولى من العام الجاري أقرت السلطات الإسرائيلية مرسوما من 97 صفحة يدعى إجراءات الدخول والإقامة للأجانب في "منطقة يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) تُمنح بموجبه السلطات العسكرية الإسرائيلية سلطة مطلقة في تحديد عدد الأكاديميين والطلاب الأجانب الذين يمكن لهم الزيارة أو الدراسة أو العمل في الجامعات والكليات الفلسطينية الـ15 الواقعة في الضفة الغربية.

يحدد "الإجراء" عدد الموظفين المسموح لهم بالعمل في أي من هذه الجامعات والكليات الـ15 بما لا يزيد على 100 "محاضر وباحث متميز"، مع ملاحظة أنه "ستتم الموافقة على طلبات الحصول على تصريح بموجب هذا القسم إذا تم إثبات -بما يرضي المسؤول (العسكري) المخول- أن المحاضر يساهم بشكل كبير في التعلم الأكاديمي أو في اقتصاد المنطقة أو في دفع التعاون الإقليمي والسلام".

علاوة على ذلك، بموجب القانون الجديد لن تحدد السلطات الإسرائيلية من يمكنه التدريس في الجامعات الفلسطينية فحسب، بل ستحدد أيضا مدة إقامة الأكاديميين الأجانب في الضفة الغربية بفصل دراسي واحد، مما يضمن عدم تمكن الأساتذة الأجانب من الاستمرار في التدريس بأن يصبحوا أعضاء دائمين في هيئة التدريس في أي من مؤسسات التعليم العالي بالضفة الغربية.

وأخيرا، سيسمح الإجراء لما يصل إلى 150 طالبا أجنبيا فقط بالدراسة في الضفة الغربية في الوقت ذاته، مع قصر إقامتهم على فصل دراسي واحد أيضا.

الجامعات كمواقع للمقاومة

وفي مقاله بموقع الجزيرة الإنجليزية يقول نيفي جوردون أستاذ القانون الدولي بجامعة كوين ماري في لندن إن محاولة إسرائيل فرض سيطرتها الكاملة على الجامعات الفلسطينية ليست بالأمر الجديد، لكن نهجها في التعامل مع التعليم العالي الفلسطيني كان مختلفا بشكل كبير في يوم من الأيام.

في أوائل السبعينيات عندما كان الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية في سنواته الأولى منحت السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين تصاريح لإنشاء جامعات في الأراضي المحتلة، وكان لدى المسؤولين الأمنيين انطباع بأن إنشاء الجامعات يمكن أن يساعد إسرائيل في تطبيع الاحتلال وبالتالي تعزيز "الدعم الفلسطيني للحكم الإسرائيلي".

هذه السياسة جاءت بنتائج عكسية، إذ سرعان ما أصبحت الجامعات -التي تأسست في ظل الاحتلال- مواقع للتنظيم السياسي والتعبئة من أجل التحرير الفلسطيني.

وعلاوة على ذلك، أنتجت هذه الجامعات خلال فترة قصيرة نسبيا فئة مهنية فلسطينية كبيرة نسبيا، ولكن لم يكن لدى سوق العمل في الأراضي المحتلة الكثير ليقدمه لهؤلاء الخريجين الشباب، إذ كانت إسرائيل توظف عمالة يدوية غير ماهرة في البناء والصناعات الزراعية، وكانت السلطات العسكرية تمنع جميع محاولات الفلسطينيين تقريبا لإنشاء صناعات مستقلة أو تطوير قطاع الخدمات.

وليس من المستغرب أن يؤدي نقص الوظائف إلى مشاعر مريرة بين الخريجين العاطلين عن العمل، وإلى جانب الآلاف من طلاب الجامعات -الذين كانوا قلقين بنفس القدر بشأن آفاقهم المستقبلية- عمل هؤلاء الخريجون في النهاية كقوة أساسية في إحداث الموجة الأولى من المقاومة الشعبية للحكم الإسرائيلي خلال انتفاضة عام 1987.

وبالنظر إلى الدور البارز الذي قام به الطلاب والخريجون خلال الانتفاضة الأولى تعلمت إسرائيل بسرعة الدرس وبدأت في فرض قيود صارمة على الجامعات الفلسطينية، فعلى سبيل المثال كانت جامعة بيرزيت مغلقة عمليا على مدار الأعوام من 1988 إلى 1992، كما واجهت جميع الجامعات الأخرى إغلاقات طويلة الأمد.

وفي العقود التي تلت ذلك تم استحداث العديد من الإجراءات لتقييد التعليم العالي الفلسطيني، وكان الهدف الأساسي لهذه السياسات يتراوح بين تقييد حركة المحاضرين والطلاب ووضع قيود على الموضوعات التي يمكن تدريسها، وتقويض التنمية الاقتصادية الفلسطينية، وتقييد تداول المعرفة التي يمكن استخدامها لتعبئة الأجيال الشابة ضد الحكم الاستعماري، بحسب الكاتب.

حماية الحرية الأكاديمية

بالنظر إلى هذا التاريخ الممتد لنصف قرن من القيود الأكاديمية والعوائق والقمع من الصعب العثور على أي جديد في القيود المفروضة على الحرية الأكاديمية التي من المقرر أن تفرضها إسرائيل في الضفة الغربية حاليا.

إن "الإجراء" -في النهاية- هو مجرد خطوة واحدة أكثر وحشية في سلسلة طويلة من السياسات الوحشية التي تستهدف التعليم العالي الفلسطيني، ومع ذلك كان هناك تطور مثير للاهتمام منذ الإعلان عن الإجراء في فبراير/شباط الماضي.

وبالإضافة إلى الجامعات الفلسطينية نفسها والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان والجمعيات المهنية مثل جمعية دراسات الشرق الأوسط والجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط -التي يعمل الكاتب فيها رئيسا للجنة الحرية الأكاديمية- هناك جامعة إسرائيلية عبرت عن قلقها رسميا وعلنا من سياسة إسرائيلية من شأنها تقويض الحرية الأكاديمية للفلسطينيين.

"تضامن إسرائيلي"

في خطوة غير مسبوقة بعثت الجمعية العامة للجامعة العبرية رسالة رسمية إلى القائد العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية مشككة في القيود الإشكالية المنصوص عليها في الإجراء.

وللوهلة الأولى بدا أن كتابة هذه الرسالة هي خطوة نادرة في الاتجاه الصحيح، إلى جانب تضامن بعض الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية من الأكاديميين الإسرائيليين الذين احتجوا وأحيانا أصدروا خطابات مفتوحة تنتقد الدولة، ونددوا بالاعتداء على الحرية الأكاديمية الفلسطينية بصفتهم الشخصية.

ومع ذلك، فإن القراءة المتأنية للرسالة تظهر بسرعة أن هذه ليست بادرة تضامن مهمة كما يبدو للوهلة الأولى، يقول الكاتب.

وبحسب الكاتب، تصر الجمعية العامة للجامعة العبرية على أنه لا ينبغي للجيش أن يتدخل في القرارات المتعلقة بالمؤهلات الأكاديمية للأفراد، لكن البيان لا يزال يقبل أن للجيش المحتل الحق في تحديد ما إذا كان المحاضر أو ​​الباحث أو الطالب يشكل تهديدا أمنيا ويمنعهم من الوصول إلى الجامعات الفلسطينية.

ويجادل البيان بأنه "لا توجد اعتبارات أمنية تبرر هذا النوع من التدخل، لأنه من الواضح أنه على أي حال يحتاج جميع المحاضرين والباحثين والطلاب إلى الحصول على تصريح دخول فردي من مسؤولي الأمن".

بعبارة أخرى، تقبل الجامعة العبرية الافتراضات الأساسية التي تشرعن الحكم الإسرائيلي على الفلسطينيين، واستخدام القوانين والسياسات الرسمية للحفاظ على هذه الهيمنة وتعزيزها.

الرسالة فاترة في أحسن الأحوال بحسب الكاتب، لكنها تطرح سؤالا مهما، وهو: لماذا بعد نصف قرن تقريبا قررت جامعة إسرائيلية فجأة التعبير عن قلقها بشأن السياسات القمعية الموجهة للجامعات الفلسطينية؟

ويقول الكاتب إنه مما لا شك فيه أن بعض أساتذة الجامعة العبرية قلقون بصدق من الجهود المستمرة لتضييق الخناق على التعليم العالي الفلسطيني، ومع ذلك ربما يكون الآخرون أكثر قلقا بشأن مكانتهم الأكاديمية بين زملائهم وأقرانهم الدوليين.

إنهم على دراية بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "بي دي إس" (BDS)، ولا سيما التهديد بالمقاطعة الدولية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بسبب تواطؤها مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ومن المحتمل أن هذه الرسالة في نظرهم تنأى بالجامعة العبرية عن سياسات الحكومة وتبرئهم من أي لوم.

وفي الواقع -يضيف الكاتب- عند قراءة الرسالة بعناية تبدو شكوى الجامعة العبرية وكأنها محاولة لحماية سمعتها وليس دعم الجامعات الفلسطينية، فأثناء انتقاد سياسة معينة تشير الجامعة العبرية إلى إمكانية وجود الحرية الأكاديمية في ظل نظام الفصل العنصري، وبالتالي فإن الرسالة لا تتحدى هياكل الهيمنة (الاحتلال)، بل هي بمثابة درع ضد أولئك الذين يدعون إلى مقاطعة أكاديمية للجامعات الإسرائيلية.

ويختم الكاتب معتبرا أن الجامعات الفلسطينية تواجه اليوم هجوما آخر، فبينما تعمل على محاولة الحفاظ على شيء يشبه الحياة الأكاديمية في ظل "نظام فصل عنصري وحشي" فإنهم يستحقون تضامنا حقيقيا، وليس محاولات من قبل المؤسسات الأكاديمية لإنقاذ سمعتها.

المصدر : الجزيرة