"ناقة صالحة" تستعيد أجواء بدايات القرن 20 في بادية الكويت

في الرواية تفصيل وتدقيق في جزئيات الأحداث وملامح الأشخاص وصفات الأمكنة، إنها باختصار سيرة مكان وشخصيات ما زالت لها رمزيتها في المجتمع الكويتي رغم الانتقال إلى الحداثة.

غلاف كتاب ناقة صالح - سعود السنعوسي
رواية "ناقة صالحة" للروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي الذي ترجمت بعض أعماله للغات عالمية عديدة (مواقع التواصل)

يتطرق الروائي الكويتي سعود السنعوسي في روايته "ناقة صالحة" -وهي خامس أعماله الروائية- إلى قضايا بالغة الحساسية، حيث يستكشف أماكن مجهولة أو هي طي الكتمان في الكويت، وتحديدا في المجتمع القبلي.

ويعود الروائي السنعوسي بقارئه إلى التاريخ عبر البيئة الصحراوية المتسيدة في الرواية، يقف شاهدا على خصوصية القبائل والحياة بين الساحل والصحراء، بوصفها واقعا حيّا وليست مجرد ماض، موظفا بذلك خبرته التقنية الواسعة، وأساليبه الفنية المتنوعة في إنجاز البناء الروائي المتفرد متنا ومبنى، موضوعا ودلالة، من حيث زمانها ومكانها.

وتقع ديار صالحة في بادية إمارة الكويت (شمال شرقي شبه الجزيرة العربية) بين ما كانت تعرف بأراضي قبيلة آل مهروس وبين محل إقامة عائلات من قبيلة الأسمر.

وعرفت ديار صالحة باسمها هذا في مطلع القرن العشرين، وورد اسم ديار صالحة في أكثر من قصيدة من الموروث الشعبي لكبار شعراء الكويت.

واستلهم الكاتب أحداث الرواية من أغنية قديمة تعزف على الربابة وتتغنى بالفقدان، اسمها "الخلوج"، وتصف ناقة تفقد وليدها أثناء الوضع، والرواية تؤرخ للفقد وما يمكن للقارئ اكتشافه عبر صفحاتها الموجزة (176 صفحة).

الروائي الكويتي سعود السنعوسي. المصدر: الدار العربية للعلوم ناشرون بالقاهرة
الروائي الكويتي سعود السنعوسي نالت روايته "ساق البامبو" جائزة الدولة التشجيعية بالكويت 2012 (الدار العربية للعلوم-ناشرون)

العودة إلى التاريخ ونزاعات القبائل

ثمة توظيف تاريخي -أولا وأخيرا- لهذا العمل الروائي، فلماذا العودة إلى التاريخ؟ أهو هروب من الحاضر؟

يجيب الروائي الكويتي سعود السنعوسي منافحا عن روايته، ويقول "إنما هي محاكاة للحاضر بثوب الماضي، ومشكلات الأمس وأنماط تفكير الأفراد وسلوكهم لم تتغير في جوهرها، فلنأخذ مثلا موضوع العمل في ثوبه التراثي؛ فنحيل الصحراء إلى مدينة، ونجعل الخيمة أو بيت الشعر بيتا عصريا، ونحيل الجمل إلى سيارة".

ويضيء السنعوسي متابعا للجزيرة نت "ما الذي تغير على صعيد جوهر الفرد؟ كما أن كتابة العمل بثوب الماضي تمنح القارئ فرصة للتأمل؛ أين كنا وكيف صرنا بعد ما يربو على القرن من الزمان".

ويقول الروائي السوري إبراهيم اليوسف المقيم في ألمانيا إن الرواية "تعيدنا إلى تخوم أربعينيات القرن الماضي، حيث قساوة الحياة، قساوة الطبيعة، قساوة الصحراء. حيث الفطرة الأولى، أو القاسم المشترك بين الإنسان والحيوان، بين مفردات الطبيعة بمداها المعرفي الشاسع، إنها رواية يمكن تسميتها رواية الصراع".

ذاكرة الصحراء

يذكر أن القاص والروائي الكويتي صادق أبو حدب تطرق إلى منطقة ديار صالحة في قصته "ناقشة الحناء"، وبعد 55 سنة من تاريخ نشر تلك القصة أصدر السنعوسي روايته القصيرة "ناقة صالحة".

وقدمت الرواية صورة مجردة مما شابها من أسطرة، بحكاية متخيلة مستوحاة من قصيدة "الخلوج" للشاعر محمد بن عبد الله العوني؛ حيث استخدم الروائي كل الوسائل الممكنة لتحقيق سردية شاملة في المتن الروائي.

وجاء في مقدمة الرواية "للإبل طباع صعبة مثل حياتنا، وفية إن أحبت، ولكنها مزاجية، وتضمر الإساءة في قلبها ولا تسامح من يسيء إليها، وصالح خير من يعرف ذلك.. فلأحد أسلافنا قصة متوارثة، حين أساء لبعيره صعب المراس، أثقل عليه وآذاه في مأكله ومشربه بعدما شاخ.. تربص له البعير في أحد أسفاره معه وحيدا بعيدا مقطوعا عن القبيلة، وطارده حتى عضه في كتفه وبرك فوقه يهرسه، وعاد البعير إلى مضارب القبيلة بعد أيام، ودماء صاحبه على وبره الأبيض، في صدره وبين قائمتيه الأماميتين، نحن من ذرية ذاك الرجل، ومنه اتخذنا اسم فرع القبيلة، "المهروس"، وعليه صرت صالحة آل مهروس".

كتابة جديدة

والروائي سعود السنعوسي من مواليد (1981م) في الكويت، كاتب وروائي، وعضو رابطة الأدباء في الكويت، وجمعية الصحفيين الكويتيين، كتب في عدد من الصحف والمجلات الكويتية والخليجية، ترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والإيطالية والفارسية والتركية والصينية.

وبنيت رواية "ناقة صالحة" على دعامات أو أصداء نصوص شعرية أو قصة قصيرة: فكرة تكاد تكون جديدة، غير مسبوقة، فما الذي قاد السنعوسي إلى هذه المغامرة في روايته؟

يقول السنعوسي "لعل فكرة "الخلوج" في قصيدة الشاعر محمد العوني وظروف كتابة القصيدة كانت المحرك الأول لكتابة نص مستوحى من أجوائها بيئة وموضوعا".

ويضيف "وعليه كانت كل قطعة شعرية في العمل بمنزلة نبوءة قدمها لي الشاعر تقدر مصائر شخوص العمل".

ويتابع الروائي الكويتي "هذه الظروف كانت مدعاة لكتابة جديدة ومغايرة بالنسبة لتجربتي الشخصية في الكتابة، وشجعتني على خوض التجربة، ومنحتني شعورا بأنني لا أخوض في غربة الصحراء وحدي".

أراد الروائي إسقاط الصراع في المجتمع القبلي منذ القديم على مجتمع الحداثة في يومنا هذا؛ فترصد الرواية أحداثا ومواقف، من خلال بناء معماري متين، وبلغة سردية تخييلية ترتقي إلى مصاف الشعرية، حيث الاشتغال على اللغة بلاغيا وشعريا.

فإلى أية درجة يمكن نجاح مثل هذه المجازفة؟ لا سيما أن القارئ العادي يؤثر -عادة- تلك اللغة البسيطة التي لا تحتاج إلى المزيد من التأويل والاستغراق.

يبين الروائي الكويتي السنعوسي "أن طبيعة الشخوص وظروف معيشتهم وأنماط تفكيرهم وسلوكهم تحدد تلك اللغة التي تعبر عن حالتها".

صراع الصحراء.. رسم الخرائط

في الرواية تفصيل وتدقيق في جزئيات الأحداث وملامح الأشخاص وصفات الأمكنة، إنها باختصار سيرة مكان وسيرة شخصيات ما زالت لها رمزيتها في المجتمع الكويتي رغم الانتقال إلى الحداثة.

ومثل كثير من قصص الصحراء سترتبط قصة الرواية بالحب والمكائد والعادات والتقاليد البدوية المشتقة من قوانين الصحراء وظروفها؛ إذ ترفض القبيلة زواج صالحة بنت (أبوها) بابن خالها دخيل بن أسمر، وتجبرها على الزواج من ابن عمها صالح ابن شيخ قبيلة آل مهروس. وهكذا تنهض الرواية.

ولهذا يرى إبراهيم اليوسف في حديثه للجزيرة نت أن "الصراع متأصل ضمن هرم القبيلة وما يتضمن ذلك من علاقات بدائية تتحكم في هذا المجتمع، لا سيما في ما يخص العائلة، ومن ذلك فرض زواج ابن العم على ابنة العم".

مؤلف رواية جمهورية الكلب ... إبراهيم اليوسف(الجزيرة)
إبراهيم اليوسف نشرت له أعمال شعرية وروائية بينها "جمهورية الكلب" (الجزيرة)

الصراع من أجل الوجود

السنعوسي صدرت له رواية سجين المرايا (2010)، وهي روايته الأولى، وسبق أن فاز عام (2013) بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها السادسة عن روايته "ساق البامبو" التي صدرت عام 2012، كما صدرت له "فئران أمي حصة" عام 2015، وصدرت له رواية "حمام الدار" عام 2017.

ويقول الروائي السوري إبراهيم اليوسف المقيم في ألمانيا عن الرواية "إن من يتتبع هذه السردية، ومن خلال مخطط عمارتها، وتفاعل مجمل أدوات بنيتها، يرى أنه لا شيء خارج دائرة الصراع؛ صراع رسم الخريطة، صراع من أجل الوجود، صراع الصحراء".

من أجواء الرواية.. أمكنة وشواهد

يحاول الروائي تفعيل النص على نحو عاطفي، حيث يمضي بالسارد نحو المبالغة الدرامية، التي قد تكون مقصودة لغايات تقنية، ومن ذلك شد انتباه القارئ وجذبه إلى عالم الرواية بمزيد من الحبكات البسيطة والمركبة.

كتب السنعوسي في الرواية "في ربيع عام 1901م، يترك صالح آل مهروس زوجته وابنة عمه صالحة في الصحراء بصحبة ولدها الرضيع وناقتها "وضحى" ليلتحق بصفوف الهجانة ضمن رجال الكويت في غارتهم على إمارة حائل، ويمتطي جمله "ساري" إلى منطقة الصريف حيث النزاع والمعركة التي تتخاصم فيها قبيلتا ابن العم وابن الخال".

وتتوارد أخبار الهزيمة لصالحة آل مهروس، وأن زوجها مصاب يحتضر في إمارة الكويت شرقا، حيث يقيم ابن خالها، وتعتزم الصبية أن تتبع الشمس، وجهة الكويت، للارتحال إلى الإمارة وهي تمني نفسها بلقاء من تحب، ولقاء مماثل لناقتها "وضحى" بجمل زوجها "ساري".

وتقول والدة دخيل "تزوجا في الربيع، صالح وصالحة، كما لو أن الصحراء كلها راحت تحتفي بالزيجة". بينما دخيل بن أسمر يقول "همت في الصحراء حولين كاملين قبل أن يدفعني جنوني لأن استقر، على غير فطرتي، في مكان لا ناقة لي فيه ولا بعير، مكان لا يجيء ببال أحد. إمارة الكويت، منفى الغرباء، وأرض الولادات الجديدة على رأس الخليج".

لكن صالحة سترحل على ناقتها قاصدة الكويت بحثا عن زوجها الذي ينازع الموت هناك، غير أنها ستصطدم بناقتها التي سترفس طفلها فيموت، فتقوم صالحة بقتل حُوار الناقة (ولدها) انتقاما له، لتقوم الناقة بالثأر لابنها وقتل صالحة. وهنا سيظهر دخيل الذي سيحاول نقل الجثمان إلى المدينة ودفنه هناك ليحاكم بتهمة القتل ويسجن 20 عاما عقابا على جرم لم يقترفه.

ونقرأ على الغلاف الأخير للرواية ما يعبر عن قسوة الصحراء والحياة في المجتمع القبلي "الشمس تطبخ رؤوسنا. ولا ماء في قربتي والعرق لا يروي ظمأ. ليس لي ولا للصغير إلا الصبر على سياط الشمس، وحليب ضرع زاحمنا به الحوار، ونبوءة بشرتني بها سحابة لا تعود. أتكون الكويت سحابة تبشر بما لا يجيء؟ أم سرابا لا يضنيه نأي أبدي؟ أم نجمة ترشدنا إلى كل الدروب إلا دربا يؤدي إليها؟"

المصدر : الجزيرة