المترجمون واعتبارات السوق والسياسة.. "كتّاب الظل" يتحدثون عن الترجمة إلى العربية ومشكلاتها

كومبو خالد زيادة و رانية المعلم و عبد الرحمن أياس
خالد زيادة يتوسط رانية المعلم وعبد الرحمن أياس

كان القرن التاسع الميلادي بمثابة العصر الذهبي للترجمة، ففي زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد أصبحت بغداد عاصمة العلم والترجمة، مع إنشاء دار الحكمة التي كانت أول مؤسسة عربية تهتم بنقل العلوم والآداب والمعارف من اليونانية والفارسية والسنسكريتية والسريانية وغيرها من اللغات المنتشرة آنذاك.

وفي محاولة لمعرفة واقع الترجمة إلى العربية حديثا، استطلعت الجزيرة نت آراء بعض الناشرين عما يدفعهم للترجمة في الزمن الراهن.

يقول مدير النشر والتوزيع في "الدار العربية للعلوم ناشرون" غسان شبارو إنهم يسافرون عبر القارات والمجتمعات، وأحيانا عبر الزمن، للتعرف على الثقافات والتواريخ والتجارب، "ولنمد جسور تفاهم إنساني بين مختلف الحضارات والجنسيات".

ويشرح الأكاديمي والدبلوماسي اللبناني السابق خالد زيادة في حديثه للجزيرة نت أن الترجمة نوع من المثاقفة، قائلا "لكي نواكب تطور المعارف، من الضروري أن نترجم للأجيال الجديدة من لغات متعددة وميادين مختلفة".

من جهتها، تؤكد مديرة التحرير في دار "الساقي" رانية المعلم للجزيرة نت أنها ودار النشر التي تعمل بها تترجم "للتأكيد على وجودنا كجزء من الثقافة العالمية، ولكون الثقافة والفكر حالة إنسانية عامة، ومن واجبنا كناشرين أن نكون صلة وصل بين القارئ العربي وما ينتجه الفكر والأدب الإنساني في كل مكان".

كاتب الظل

يطرح بعض الباحثين أسئلة جوهرية حول غياب شخصية المؤلف وظهور شخصية المترجم في النص المترجم، وهو ما يفسره عبد الرحمن أياس -وهو مترجم وكاتب في الاقتصاد والسياسة والعلوم- بقوله إن شخصية المؤلف الحقيقي يجب ألا تغيب حتى وإن ظهرت شخصية المترجم، فالثانية تقدم الأولى باللغة المستهدفة في حلة جديدة، فتكون شخصية المترجم عبارة عن القالب الذي توضع فيه شخصية المؤلف وتقدمها لقارئ اللغة المستهدفة.

ويتابع أياس "وإن حصل غياب للأولى وطغيان للثانية، فذلك ضعف يشوب الترجمة ويقلل من قيمتها، ولا سيما في المرحلة المعاصرة. وإن اضطر المترجم -وربما محرر الترجمة- للتدخل من أجل تلطيف فكرة ما أو توضيحها لدواع ثقافية وأحيانا تجارية، فيجب أن يشار إلى هذا التوضيح وذلك التلطيف في هامش أو في المقدمة".

غسان شبارو مدير النشر والتوزيع في الدار العربية للعلوم ناشرون
غسان شبارو: المترجمون يسافرون عبر القارات لمد جسور التفاهم الإنساني بين الحضارات (مواقع التواصل)

في المقابل، يأسف خالد زيادة لأن أغلب المترجمين لديهم معرفة جيدة باللغة التي يترجمون منها، ولكن ليس لديهم خبرة بالترجمة، وهي اختصاص قائم بذاته، وهذا الأمر أدى إلى عديد الترجمات التي اعتبرها "مؤسفة وغير صالحة".

وفي السنوات الأخيرة، برزت في المشهد الثقافي العربي انتعاشة في الترجمة، خاصة مع دخول لغات بعيدة ومنسية إلى اهتمام المترجم العربي، فكثيرا ما كانت أنظار المترجمين العرب متجهة إلى الغرب ولغاته، ولكن يلاحظ حديثا حركة ترجمة من الصينية إلى العربية.

ويؤكد غسان شبارو أن حركة الترجمة من الصينية إلى العربية تشهد حراكا ملفتا بعد قرار بكين بث الروح في طريق الحرير من جديد، مضيفا أن الصين ركزت على موضوع التعريف بالثقافة والحضارة الصينيتين بمختلف اللغات -ومنها العربية- ضمن مسيرتها المستجدة في العالم.

خيانات الترجمة

وإذ تشيع مقولة أن الترجمة خيانة للنص الأصلي، يجد بعض النقاد الأدبيين أنها عمل إبداعي لا يقل أهمية عن التأليف، ويعتبره بعضهم تأليفا من نوع آخر.

وفي مشاركته السابقة ببرنامج "مسارات"، انتقد المفكر والفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن لقناة الجزيرة واقع الترجمة العربية، وقال إنها "واقعة في التقليد والإخلال بمقتضى الإبداع من جهتين، هما كونها ليس فيها ابتكار ولا جمال، وهذا السبب جعل الترجمة الفلسفية العربية تتولد عنها شروح لا تنتهي، ليس لعمق الفكرة وإنما لركاكة العبارة".

وعن مشكلات الترجمة في الواقع العربي المعاصر، يرصد غسان شبارو خطورة ما يسميها "الترجمات الخائنة"، ويقول "عندما يغير أو يحرف المترجم نصوص المؤلف أو أفكاره، عن عدم إلمام باللغة أو عن سوء نية، فإنه يخون أمانة الترجمة التي يجب أن تصل القارئ كما هي، فتستحق هذه الترجمة لقب الترجمة الخائنة".

أما "المترجم الخائن" برأي عبد الرحمن أياس فهو من ينحرف عن روح النص الأصلي، لكن الخيانة هنا ليست دائما سلبية، فقد مثلت ترجمات قديمة "خيانات"، لكنها اندرجت ضمن أعمالنا التراثية، ومنها "الإلياذة" لهوميروس التي ترجمها سليمان البستاني (توفي عام 1925) عن اليونانية وصاغها صياغة عبقرية وفق الشعر العربي العمودي والمقفى، و"الفضيلة" لمصطفى لطفي المنفلوطي (توفي عام 1924)، وهي ترجمة بديعة بتصرف عن الفرنسية لرواية "بول وفيرجيني" للكاتب الفرنسي برناردين دوسان بيار.

ويتابع أياس "وفي الحالين، لم يخف الأديبان أنهما تصرفا بالترجمة، وجاءت النتيجة عملين مبدعين. أما الخيانة السلبية فهي حين لا يكون المترجم ضليعا بالعمل الذي يتصدى له، فتأتي النتيجة عملا مشوها".

ومن الإشكاليات التي تتصل بالترجمة المعاصرة، تصدّر بعض المترجمين لها بدون أي وعي عميق بلغة النص المترجم منه، فضلا عن افتقار البعض إلى معرفة عميقة باللغة المترجم إليها، وعدم معرفته بمفردات وتاريخ الحقل الذي يترجمه، مما ينعكس سلبا على تراجع صناعة الكتاب في عالمنا العربي.

وفي هذا الإطار، تشرح رانية المعلم أنه بسبب الاستسهال في عملية الترجمة وظن الكثير ممن يعملون في هذا المجال أنها تقتصر على نقل نص ما من لغته الأم إلى اللغة العربية، شهدت السنوات الأخيرة غزارة "نسبية" في عدد الكتب المترجمة إلى العربية، لكن قلة منها جاء بصورة جيدة تحترم القارئ العربي مثلما تحترم النص الأصلي.

أخطاء دور النشر

يتساءل الكثير من الباحثين حول الطريقة التي تختار بها دور النشر الكتاب المترجم؟ وما مدى أهميته في لغته الأم وأهميته بعد الترجمة إلى العربية؟

ويرى البعض أن دور النشر لا تولي أهمية تذكر لفكرة وجود محررين متخصصين يتولون اختيار الكتب وقراءة النصوص وإبداء ملاحظاتهم قبل الترجمة، معتبرين أن إهمال هذا الجانب يأتي على حساب جودة وقيمة الكتاب المترجم، مما قد يدفع الترجمة إلى حدود بائسة لإغراق الأسواق بأعمال رديئة على مستوى الترجمة.

ويقول شبارو إن بعض دور النشر والمترجمين يلجؤون إلى الإعلام والصحافة الأجنبية التي تنشر عناوين أكثر الكتب بيعًا، إضافة إلى أحدث الإصدارات للتعرف عليها من ملخصاتها المنشورة، كما أن العديد منهم يتقصى الإصدارات العائدة لمشاهير المؤلفين والفائزين بجوائز تقديرية عن أعمالهم.

ويرى أياس أنه لم يعد المترجم العربي منذ عقود هو من يختار العمل المرغوب إلا في حالات قليلة، فمن يختار هو دار النشر، ويكون قرار الاختيار محكوما باعتبارات سياسية وتجارية. وأبرز مثال على ذلك كثرة ترجمات كتب الطبخ والتنجيم وتراجع ترجمة الأعمال الأدبية والعلمية والاقتصادية والسياسية والتاريخية، فالسوق يقرر في حالة دور النشر الخاصة، بينما تقرر السياسة في حالة دور النشر الحكومية.

المصدر : الجزيرة