فرعونية أم عربية؟ جدل الهوية المصري يتجدد ويخلط العلم بالسياسة

Omran Abdullah - بردية مصرية قديمة عليها نقوش فرعونية، ماكس بيكسل - فرعونية أم عربية؟.. جدل الهوية المصري يتجدد ويخلط العلم بالسياسة
حواس اعتبر أن المصريين شعب "بأصل خاص" فهم ليسوا عربا ولا أفارقة (مواقع التواصل)

عمران عبد الله

قال الخبير ووزير الآثار المصري السابق زاهي حواس إن المصريين ليسوا عربا ولا أفارقة، ولكنهم شعب "بأصل خاص".

وتابع حواس في محاضرة لطلاب جامعة القاهرة "نحن نتكلم اللغة العربية لكننا لسنا عربا، ونقول إننا في أفريقيا لكننا لسنا أفارقة، نحن شعب إلى الوقت الحالي له شكل خاص وطبيعة خاصة نابعة من 5 آلاف عام".

واعتبر حواس أن الطبيعة الفرعونية للمصريين لم تتغير "على الرغم من الغزوات التي تعرضت لها مصر على مر العصور".

وأثارت تصريحات خبير الآثار والمصريات المقرب من السلطات ردود أفعال ناقدة، وشبه الكاتب والباحث محمد سيف الدولة تصريحات حواس بادعاءات للأديب الراحل توفيق الحكيم عام 1978 عندما أراد أن يبرر قرار السلام مع إسرائيل وكتب مقالا في صحيفة الأهرام مطالبا بلاده بالوقوف على الحياد بين العرب وإسرائيل مثل سويسرا في الحرب العالمية الثانية.

وتابع سيف الدولة في منشور على صفحته بموقع فيسبوك معتبرا أن تصريحات حواس تأتي في سياق الحجج "الزائفة المكررة والمحفوظة" التي تطرح الحضارة الفرعونية في مواجهة الحضارة العربية الإسلامية، أو الأمة المصرية في مواجهة الأمة العربية، أو تصف الفتح العربي الإسلامي بالغزو والاستعمار. 

ويقول إن هذه الادعاءات التي "تستهدف تجريد مصر وشعبها من انتمائها العربي وهويتها الحضارية" ترفع شعار "مصر أولا" لكن حقيقتها هي التبعية لأميركا وإسرائيل و"مصالح الحاكم ونظامه وأتباعه وحلفائه من ناهبي مقدرات البلاد".

وكشفت دراسات تحليل الحمض النووي لعشرات المومياوات المصرية القديمة، بينها أجساد محنطة في منطقة أبو صير الأثرية التي تعود إلى الحقبة الفرعونية الوسطى أن العينة محل الدراسة تحمل تقاربا أكبر مع السكان من الشرق الأدنى والمشرق العربي أكثر من المصريين المعاصرين، في حين تزيد الأصول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى في فترات ما بعد حكم الرومان مصر، بحسب الدراسة المنشورة عام 2017 في مجلة نيتشر والمركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية الأميركي.

في المقابل، أظهرت دراسات أخرى أن لدى المصريين المعاصرين صلات وراثية عميقة مع سكان شمال أفريقيا والشرق الأوسط والقرن الأفريقي، لكن أسلافهم كانت لديهم روابط أقوى مع سكان الشرق الأوسط، بحسب تاريخ وجغرافيا الجينات البشرية الصادر عن مطبعة جامعة برينستون.

شخصية مصر
في كتابه الشهير "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان" اعتبر المفكر الإستراتيجي والجغرافي المصري جمال حمدان أن مصر جغرافيا تقع في أفريقيا ولكنها تمت أيضا إلى آسيا تاريخيا.

ويرى حمدان أن وصف العالم العربي خارج الجزيرة العربية بأنه "مستعرب" غير دقيق، فالعروبة اعتبار ثقافة وليس عرقا وجنسا. 

ويلفت النظر إلى أن الزمن القديم والعصر المطير شهدا كثافة سكانية مخلخلة جدا لكنها متصلة ومختلطة وكثيرة الحركة والهجرة والترحال ولا مجال لعزلة أو نقاوة بحسب تعبيره.

ويتابع حمدان أنه بعد العصر المطير جاء الجفاف، فتجمعت كل مجموعة من السكان في رقعة محدودة، ومعنى ذلك أن الرقع السكانية تباعدت جغرافيا لكنها "تظل متجانسة جنسيا"، وهذه الفكرة هي مفتاح أنثروبولوجية عالمنا العربي في نظره.

ويدلل حمدان -الذي ألف 39 كتابا- على فكرته بأن اختلاط الدم وانصهار العرب الوافدين والسكان الأصليين أصبحا حقيقة تاريخية لا تقبل النقاش، وفي المقابل فإن الدعاوى المشككة بعروبة المصريين مسيسة وغير علمية. 

جد فرعوني وأب عربي
ولا يفرق حمدان بين العروبة "شرق السويس وغربها"، فشعوب المنطقة قبل العرب وقبل الإسلام هم "أقارب" يشتركون في الأصل ويتجانسون في العرق، ويستشهد بزواج النبي إبراهيم "العراقي" من هاجر "المصرية"، مضيفا أن العرب العدنانيين هم أبناء إسماعيل من زوجة مصرية. 

ورغم تأكيد حمدان على استمرارية "الشخصية المصرية" منذ الفراعنة حتى الآن -بما في ذلك عشرات الملامح الاجتماعية والثقافية والألفاظ والأدوات القديمة التي لا تزال مستخدمة في مصر الحديثة- فإن مصر تتغير، والاستمرارية المقصودة هي نوع من التراكم الذي يشبه ورق البردي الفرعوني الذي كتب عليه الإنجيل والقرآن، ولا تزال الكتابة المصرية القديمة منقوشة على المعابد الفرعونية أيضأً.

ويرى أن الاستمرارية المصرية تراكمية وتراكبية ومعتدلة، ويصوغ فكرته بعبارة "الجد الفرعوني والأب العربي"، مؤكدا على التكامل والتداخل بين الانتماءات العربية والإسلامية والقبطية والفرعونية.

ورغم إشارته إلى أن الصحارى المصرية الشاسعة لعبت دورا في الحد من الهجرات والغزوات فإن حمدان يشير إلى أن التاريخ يؤكد على الجذور المشتركة للعرب، بما في ذلك 14 قرنا جمعت الشعوب العربية في إطار واحد، وهم كذلك أقارب من قبل الإسلام.

ويرى أن اللغة المصرية القديمة اشتملت على كلمات "سامية" كثيرة، وعرف المصريون التداخل والتزاوج مع الشعوب المجاورة قبل التعريب وبعده وقبل الإسلام وبعده، منوها بالانتصارات المصرية العظيمة التي تحققت في حقبتها العربية، مثل مواجهة التتار والصليبيين.

المصدر : الجزيرة