تجربة الإمام يحيى.. الخط العربي في قالب صيني

الإمام يحيى في مدينة القدس - الجزيرة
الإمام يحيى في مدينة القدس وقد تميز بمزاوجة الخط العربي وبالروح الصينية (الجزيرة)

علي أبو مريحيل-بكين

"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى".. بهذا الحديث النبوي أجاب الخطاط الصيني المسلم الإمام يحيى -واسمه الصيني ما يي بينغ- عن سؤال يتعلق بزيارته إلى القدس حين كنت أتأمل صورة له على حائط بيته وهو في المسجد الأقصى.

ولد الإمام يحيى في مقاطعة شانسي لعائلة صينية مسلمة عام 1963، حفظ سورا من القرآن الكريم في سن الرابعة، وفي العاشرة من عمره كتب أول مخطوطة باللغة العربية، دفعه شغفه بالإسلام إلى الالتحاق بمعهد العلوم الإسلامية في بكين عام 1990، وبعد تخرجه توجه إلى المملكة العربية السعودية والتحق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، حيث تعلم فن الخط العربي، وسرعان ما أصبح عضوا في جمعية الخط العربي بالمملكة.

بعد عودته إلى بلده عمل الإمام يحيى على المزج بين فن الخط العربي والفن التشكيلي الصيني، كما عمد إلى استخدام الوسائل التقليدية في الخط والكتابة، فأنتج مئات اللوحات المميزة التي تمازجت فيها الثقافتان العربية والصينية، وهو ما أضفى على أعماله بعدا جماليا خاصا، فحل ضيفا فوق العادة على العديد من المتاحف والمعارض الفنية، وذلك في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية.

رمضان كريم بخط الإمام يحيى (الجزيرة)
رمضان كريم بخط الإمام يحيى (الجزيرة)

هوية ثقافية
قال الإمام يحيى إنه منذ دخول الإسلام إلى بعض الأقاليم الصينية قبل أكثر من 1300 عام أظهر سكان تلك الأقاليم شغفهم باللغة العربية، ومع الظهور الأول لنسخ القرآن الكريم المكتوبة بخط اليد أعجبوا بفن الخط العربي فصمموا على إجادته، لكنهم وجدوا صعوبة في البداية تتعلق بقراءة اللغة العربية وطريقة كتابتها كونها تبدأ من اليمين إلى اليسار عكس اللغة الصينية التي تكتب بشكل رأسي.

وأضاف يحيى في حديثه للجزيرة نت أنه مع مرور الوقت أصبح الخط العربي سمة مميزة للأقليات المسلمة، حيث برزت الحاجة إلى بلورة هوية ثقافية في ظل الممارسات التي تعرضت لها تلك الأقليات على مدار العقود الماضية، لذلك أخذت تستخدمه في تزيين وزخرفة المساجد بالإضافة إلى واجهات المطاعم والمحال التجارية وشواهد القبور.

وتابع أنه مع تزايد الشعور بالعزلة والتهميش لم يعد الخط العربي مجرد موضوع فني، بل أصبح جزءا من الهوية الثقافية والعقيدة الدينية لدى القوميات المسلمة تستخدمه لتمييز نفسها عن باقي القوميات الصينية.

الخط العربي يبدو واضحا في زخرفة أحد المساجد الصينية (الجزيرة)
الخط العربي يبدو واضحا في زخرفة أحد المساجد الصينية (الجزيرة)

فضاء مطلق
رغم كثرة الخطاطين المسلمين الصينيين وإتقانهم اللغة العربية فإن القليل منهم من حالفهم الحظ وتعلموا أصول فن الخط العربي في مدارس ومعاهد رسمية، حيث ظل تعلم هذا الفن لسنوات طويلة مقصورا على بيوت الأئمة والمساجد والمراكز السرية إبان الحظر الذي مارسته السلطات الصينية على استخدام الحروف العربية في بعض الأقاليم المسلمة.

ويرى الإمام يحيى أن ذلك ساهم -إلى حد ما- في التحرر من القوالب النظرية فكان الفضاء مفتوحا للتجريب، لذلك أطلق كل خطاط العنان لنفسه للابتكار والإبداع، لكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة أن يتم التقييد بالقواعد الأساسية قبل الشروع في التحديث كي لا يكون الجنوح عشوائيا، وهذا لا يتوفر -حسب قوله- إلا من خلال الالتحاق بمعاهد متخصصة ومراكز تعليم رسمية.

متجر في سنغافورة يعرض لوحات بالخط العربي على الطريقة الصينية (رويترز)
متجر في سنغافورة يعرض لوحات بالخط العربي على الطريقة الصينية (رويترز)

التفوق على الذات
يعتقد يحيى أن التحدي الأكبر الذي يواجهه أثناء كتابة لوحاته هو القدرة على كسر حاجز اللغة أمام القارئين العربي والصيني على حد سواء، مشيرا إلى أن ذلك لا يتم إلا من خلال المزج بين الأحرف الصينية التي تعتمد على الشكل في توصيل المعنى، والأحرف العربية التي لا يرتبط معناها بالضرورة بطريقة كتابتها.

ويعتقد أن الأسهل تطويع الأحرف العربية ومدها وفق ما يقتضيه المعنى الصيني من دون أن يؤثر ذلك على مسار المعنيين، وهو ما نجح فيه عن جدارة بشهادة متابعين لأعماله ولوحاته يؤكدون أن بإمكانه أن يخاطب القراء، ويجمع بين الثقافتين في لوحة واحدة.

المصدر : الجزيرة