مسرحية طرشاقة.. مناورة بين الحب والسلطة

مسرحية طرشاقة 03
تروي مسرحية طرشاقة قصة حب لم يكتب لها النجاح بين "طرشاقة" و"زلاميط" بسبب المؤامرات والدسائس والغيرة والحسد (الجزيرة)

عبد الحميد بن محمد-الجزائر

رغم أن مسرحية "طرشاقة" تعرض في الجزائر منذ نحو سنة فإنها ما زالت تحقق نجاحات متكررة وما زال الإقبال الجماهيري على مشاهدتها في تصاعد مع كل دورة عرض جديدة، وقد عرضت حتى الآن حوالي 50 مرة، ومع ذلك ما زالت تلقى تفاعلا ومتابعة.

وتروي المسرحية التي أنتجها المسرح القومي الجزائري وكتبها وأخرجها أحمد رزاق ويلعب أدوارها أكثر من 22 ممثلا قصة أعواد ثقاب، من خلال قصة حب لم يكتب لها النجاح بين "طرشاقة" و"زلاميط" بسبب المؤامرات والدسائس والغيرة والحسد.

فمحيط طرشاقة يضغط من أجل زواجها من زعيم أعواد الثقاب المسمى "زلموط" لنفوذه وغناه، وأمام رفضها يلجأ إلى الوقيعة بينها وبين حبيبها "زلاميط" الذي ينتحر في النهاية بإشعال النار في نفسه.

ورغم أن المسرحية لا تخلو من الكوميديا والاستعراض، فإنها حافلة بالكثير من الإشارات السياسية، لا سيما نحو ثورات الربيع العربي وما يحدث داخل البرلمانات العربية من نقاشات ومناكفات أيديولوجية بعيدة عن حياة الناس.

عصر ذهبي
ويرى مخرج المسرحية أحمد رزاق أن نجاح طرشاقة يعود الفضل فيه إلى مثابرة الجميع وحرصهم على ذلك، حيث "وضعوها في قلوبهم، فكان طبيعيا أن تلقى كل هذا القبول الجماهيري".

ويضيف رزاق للجزيرة نت أن أكبر رسالة توجهها مسرحية طرشاقة هي "أن أحبوا بعضكم"، لأن المجتمعات العربية لديها مشاكل كبيرة مع العلاقات الإنسانية والأحاسيس التي اندثرت. فالحب ليس قاصرا على الحب بين الرجل والمرأة، وإنما يعني قيمة ومعنى أوسع "بدءا من حب الله إلى حب الوطن إلى حب الخير للآخرين، وهذه المعاني هي التي ينبغي أن تعود وتسود".

ويقول الممثل مصطفى لعريبي الذي يلعب دور أب طرشاقة إن نجاح العرض "هو عودة للمسرح الجزائري" والسبب أن طرشاقة تتحدث لغة الشعب والرسائل التي تبعث بها ليست مشفرة ولا معقدة، الجمهور يتفاعل أكثر مع كل ما هو بسيط وصادق، مشددا على أن طرشاقة تعكس هوية المسرح الجزائري.

عودة الجمهور
غير أن لعريبي يقول للجزيرة نت إن طرشاقة وحدها لا يمكنها أن تعيد المسرح الجزائري إلى عصره الذهبي رغم نجاحها الكبير بشهادة الجمهور مقارنة بما يقدم، "ولذلك فإن الأمر بحاجة إلى إرادة سياسية وفنية وتعاون من الجميع لإعادة المجد للمسرح الجزائري".

كما يبدي سعادته الغامرة بالإقبال والتفاعل الجماهيري مع العرض "فنحن نستمتع في كل مرة وكأننا نقدم العرض للمرة الأولى ونقدمه بنفس الروح وبنفس العطاء".

ومن مئات المتفرجين الذين غصت بهم قاعة المسرح الوطني بالعاصمة الجزائرية التقينا محمد الذي يدخل المسرح لأول مرة، ويبدو أن العرض أبهره وغير نظرته إلى المسرح، حيث عبر للجزيرة نت عن إعجابه الشديد بالمسرحية وبأداء الممثلين "الذين رأيت بعضهم لأول مرة وأعجبت بأدائهم كما أنني بسبب طرشاقة دخلت المسرح لأول مرة وأدعو الناس إلى المجيء لأن العرض يستحق المشاهدة.

ويعتقد الناقد المسرحي رابح هوادف في حديثه للجزيرة نت أن "طرشاقة" هي باكورة للفصام العاطفي في مجتمع ثقاب جزائري صار مفخّخا بأعواد متعددة مشروخة، مضيفا أنها "مناورة على ثنائية الحب والسلطة"، فهذه الجدلية جعلت الصراع يظهر مدافعا عن الحب، وصوّرت الغرماء كأعواد ثقاب لكونهم مصنوعين من الأخشاب ولا يملكون قلوبا يحيون بها رغم تمسكهم بمساحات حلم ينسفها حاكم متسلط.

هدف المسرحية -يضيف رابح هوادف- يحيل إلى هزال الواقع ويؤشر على التسلط الفوقي ورغبته في السيطرة على كل شيء حتى على قيمة نبيلة بعمق "الحب". والانتحار المدوّي الذي تنتهي به المسرحية يحذر من عواقب الإمعان في المساس بالكينونة الجمعية والإغراق في المآسي، وما يترتب عن ذلك من تثوير.

المصدر : الجزيرة