حلم مشروع بمجتمع قارئ

علي البتيري

علي البتيري

قبل أن نتحدث عن حلمنا المشروع بمجتمع عربي قارئ لا بد من أن نثير الانتباه إلى أننا نعيش في عصر انفجار المعرفة وفيضان المعلومات الذي أصبح يغمر الكرة الأرضية ولا يحجم عن مواجهته إلا من ارتضوا العيش في كهوف الأمية والجهل وانعدام الوعي.

لقد اختلف منطق القوة الحضارية مع بدايات هذا القرن الذي يشكل امتدادا زمنيا للعصر التكنولوجي الحديث المتسارع بشكل عجيب في تطوره وتكاثر معلوماته واتساع آفاقه الفكرية التي لا يسطع فيها أو يتوهج إلا من هو صاحب عقل وفكر مستنير وذاكرة خصبة مفتوحة على عالم القراءة والبحث الذي يتطلب مهارة في اصطياد أكبر قدر من المعلومات والأفكار.

ولا نعدو الحقيقة في شيء إذا ما قلنا إن عالمنا المعاصر متجه إلى تغيير مفهومه لأقوى دول العالم في نظره، إذ هي ليست الدولة التي تمتلك أكبر ترسانة من السلاح، وإنما هي الدولة التي ستمتلك أكبر ثروة من المعلومات.

هل ستبقى عجلة التقدم الحضاري تمر من أمامنا صباح مساء، وحين نهم باللحاق بها نلهث خلفها بقوانا المعرفية المتواضعة وقدراتنا القرائية المحدودة؟!

من هنا تبرز الحاجة إلى حلم مشروع بإنسان عربي مستنير العقل يعمل على تثقيف نفسه، وبمجتمع عربي متسلح بالوعي محب للقراءة والاطلاع على كل جديد ومفيد.

إذا كان هذا الكاتب في دولة متقدمة تكنولوجيا للغاية قد أعطى للكتاب المطبوع خمسمئة عام ليندثر ألا يعطيه مفلسو القراءة في مجتمعاتنا العربية خمسين سنة على الأقل؟!

رثاء الكتاب
البعض المفلس قرائيا يقول لك لم يعد هنالك مجال للقراءة واكتساب المعرفة من خلال الكتب والصحف والمجلات الورقية أمام هذا الزحف الإلكتروني الهائل على الأرض وانقضاض القنوات الفضائية علينا من فوق.

لقد ذهب البعض إلى رثاء الكتاب الورقي والترحم عليه ودفنه في خبر كان، لا لأنه اندثر أو كاد، وإنما لأن بينهم وبين الكتاب المطبوع عداء قديما مزمنا.

هذا كاتب الخيال العلمي أسيموف خطر في باله أن يكتب قصة قصيرة يصور فيها اندثار الكتاب المطبوع، فبدأ قصته بولد تصطدم قدمه بشيء غريب مدفون في الأرض فقال إنه في عام 2500 عثر ولد على شيء غريب مدفون في الأرض فحمله وركض إلى أبيه يسأله مستغربا: ما هذا يا أبي؟! وهنا أجابه الأب: قبل خمسمئة عام يا ولدي أو يزيد كان هناك شيء يدعى كتابا، وهذا هو.

إذا كان هذا الكاتب في دولة متقدمة تكنولوجيا للغاية قد أعطى للكتاب المطبوع خمسمئة عام ليندثر، ألا يعطيه مفلسو القراءة في مجتمعاتنا العربية خمسين سنة على الأقل؟!

والسؤال الأهم هنا: أين نقف نحن العرب من حركة الوعي المعاصر في شرق العالم وغربه؟ هذا السؤال لا يحمل طابع التصنيف ولا يهدف إلى إعطاء مجتمعنا الغربي رقما مسلسلا في قائمة الشعوب القارئة، ولكنه يبقى فقط ماثلا من أجل تسليط الضوء على واجهة الإجابة التي تتطلب الاعتراف بفقرنا الثقافي والمعرفي بشكل عام.

منذ خروجنا من عهد الانحطاط والجهل مع بدايات القرن الماضي ألم تكن مئة سنة أو يزيد كافية لصناعة ثقافة متقدمة ومميزة تجعل لنا مكانا تحت الشمس يجعلنا في عداد الأمم الغنية في فكرها وثقافتها؟

لا أحد ينكر أننا تقدمنا.. بنينا المدارس والجامعات ومراكز محو الأمية، أصدرنا عشرات الصحف والمجلات، أنشأنا المسارح ودور السينما ومحطات التلفزة، ودور الإذاعة.. أنجبنا العديد من النجوم والفنانين، أصبحت لدينا طوابير من الأدباء والشعراء والمفكرين، وامتلكنا العديد من محطات الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية، وبهذا ربحنا الجانب المظهري والدعائي لرسالتنا التثقيفية، فاعتقدنا أننا كسبنا الجولة وأصبحنا بحمد الله مثقفين وقراء من الطراز الأول.

ولكن هل استطعنا أن نوجد الإنسان العربي المثقف القارئ الذي تستوي لديه الحاجة إلى الكتاب مع حاجته إلى رغيف الخبز؟ وبصورة أوضح: هل نجحنا في الجانب العملي ونحن نعمل جادين على إحياء الثقافة العربية وتفعيل دورها الحضاري في إصلاح الحاضر وصناعة المستقبل؟

المطلوب قارئ عربي مثقف، والمجال هنا لا يحتمل المناقصة أو التحدي، والشخصية المطروحة للتكوين والإيجاد لا تتطلب مقاولة أو ورشة عمل مقصورة على جهة دون أخرى أو على قطاع تربوي أو إعلامي دون آخر

قارئ عربي
لقد امتلكنا كل وسائل المعرفة وباتت بحوزتنا كل أدوات التثقيف، ولكننا وإلى يومنا هذا ما زلنا نفتقر إلى مجتمع يجيد القراءة وقادر على الاضطلاع بدور حيوي وفاعل في امتلاك الثروة اللازمة من المعلومات التي تمكنه من أداء الدور الحضاري المطلوب.

هذا لا يعني أن عجلة الثقافة العربية متوقفة لا قدر الله، ولكنها ما زالت تسير ببطء في عصر السرعة والتقدم البشري المتسارع الخطوات.

إذا بقينا نخدر طموحاتنا بالرضا عن واقع الحال تحت شعار "لم يكن بالإمكان أفضل مما كان"، ولم نمارس حلمنا المشروع بمجتمع عربي قارئ بل متميز القراءة فإن المجال يبقى مفتوحا لعراف يقرأ لنا حظنا الحضاري فيتوقع أن تنجب الأمهات أطفالا مثقفين بالفطرة، وكفى النائمين والحالمين شر الاستيقاظ.

بصراحة، المطلوب قارئ عربي مثقف، والمجال هنا لا يحتمل المناقصة أو التحدي، والشخصية المطروحة للتكوين والإيجاد لا تتطلب مقاولة أو ورشة عمل مقصورة على جهة دون أخرى أو على قطاع تربوي أو إعلامي دون آخر.

لا يليق بنا أن نتهرب من مسؤوليتنا الحضارية في عصر يفيض بالمعرفة، فنعفي الكبار من تنمية القراءة وإحياء عادة المطالعة الحرة لديهم على اعتبار أن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر، لنكتفي بمناداتنا إلى إنشاء جيل عربي قارئ نغرس فيه حب القراءة منذ الصغر ونربيه على الرغبة في البحث عن المعلومات.

لنمارس معا حلمنا المشروع بمجتمع قارئ قادر على صنع حضارته واستعادة مكانته ولنأخذ مكانا لائقا تحت الشمس بدلا من أن نبقى في الظل.

المصدر : الجزيرة