"الوهراني" يثير عاصفة بشأن تاريخ الثورة الجزائرية

الملصق الخاص بفيلم الوهراني
الفيلم قاد صاحبه إلياس سالم لنيل جائزة أحسن مخرج عربي في مهرجان أبو ظبي

ياسين بودهان-الجزائر

يعكس فيلم "الوهراني" لمخرجه الجزائري الشاب إلياس سالم عوائق كتابة تاريخ الثورة الجزائرية حينما أثار عاصفة من الانتقادات لمعالجته يوميات المجاهدين بطريقة رأى فيها البعض تعديا على قدسية الثورة واستهتارا بمن صنعها.

"الوهراني" فيلم من إنتاج جزائري فرنسي تدور قصته حول صداقة قوية بين رجلين وطنيين هما حميد وجعفر خلال ثورة التحرير الجزائرية وبعد السنوات الأولى للاستقلال، لكن لم يكتب لهذه الصداقة الاستمرار والنجاح بسبب قصة خيانة، كما أثار الفيلم قضايا تتعلق بالفساد والاغتيالات والمخابرات وأزمة الهوية بالجزائر.

ويُظهر المخرج الشاب من خلال فيلمه أبطال الثورة الجزائرية وهم يحتسون الخمر داخل الحانات والملاهي الليلية ويتلفظون بألفاظ نابية، الأمر الذي أثار عاصفة من الانتقادات من طرف بعض المجاهدين والسياسيين والشخصيات الدينية، الذين طالبوا بإيقاف عرضه بتهمة الإساءة للثورة التحريرية.

‪الطاهر بن بعيبش: الفيلم يسيء لثورة الجزائر والمجاهدين الذين حاربوا فرنسا‬ (الجزيرة)
‪الطاهر بن بعيبش: الفيلم يسيء لثورة الجزائر والمجاهدين الذين حاربوا فرنسا‬ (الجزيرة)

فتوى ضد الفيلم
فقد اعتبر الشيخ شمس الدين بوروبي -وهو شخصية دينية تفتي في إحدى الفضائيات الجزائرية- أنه من غير المقبول إظهار مجاهدي الثورة بالصورة التي ظهروا بها في هذا العمل السينمائي، وأفتى بعدم جواز مشاهدة الفيلم، في حين أكد الرئيس السابق لمنظمة أبناء الشهداء والرئيس الحالي لحزب "الفجر الجديد" الطاهر بن بعيبش أن "الفيلم يتضمن إساءة لثورة التحرير والمجاهدين والشعب الجزائري ككل تحت غطاء حرية التعبير والرأي"، وهو ما يعكس برأيه "ردود الفعل القوية من كل الأطياف والطبقات المنددة بهذا العمل السينمائي".

واستغرب بن بعيبش في حديثه للجزيرة نت "سر صمت السلطات الرسمية عن الموضوع رغم إثارته قضية بالغة الحساسية ألا وهي الثورة، ولم يصدر سوى رد فعل واحد من وزيرة الثقافة التي دافعت عن الفيلم بحجة المرافعة عن حرية الرأي والتعبير".

وتساءل الرئيس السابق لمنظمة أبناء الشهداء عن السر وراء تركيز إلياس سالم على الجانب السلبي للمجاهدين وإن كانوا "ليسوا منزهين عن الخطأ" لكن لا ينبغي برأيه "التركيز على تصرفات سلبية ربما قاموا بها لضرورات تقتضيها مرحلة الحرب".

ويشير إلى أن "الفيلم هو نتيجة لسلسلة من الإهانات أصابت الثورة الجزائرية من جهات متعددة، بداية من فرنسا ووصولا إلى المؤسسات الرسمية للدولة الجزائرية التي اغتالت مشروع تجريم الاستعمار الفرنسي بالجزائر"، في إشارة منه إلى منع البرلمان مشروع قانون في هذا الإطار، واعتبر المتحدث أن "منع تجريم الاستعمار أخطر مما قام به هذا المخرج".

ورغم الانتقادات السابقة وغيرها، فإن وزيرة الثقافة نادية لعبيدي دافعت عن الفيلم واستدلت على هامش لقاء في مجلس الأمة لمناقشة قانون الميزانية لـ2015 بفيلم "حسان طيرو" الذي لم يُثر مثل هذه الانتقادات رغم أنه -حسب الوزيرة- "تعرض للثورة بطريقة هزلية كوميدية".

كما رفض مثقفون وكتّابٌ الحملة التي يتعرض لها الفيلم كونه عملا فنيا إبداعيا يستحضر جانبا من ثورة لا تخضع لوصاية أحد.

‪إسماعيل مهنانة: الفيلم عمل فني غير ملزم بالقراءة الرسمية للتاريخ‬ (الجزيرة)
‪إسماعيل مهنانة: الفيلم عمل فني غير ملزم بالقراءة الرسمية للتاريخ‬ (الجزيرة)

تحرير التاريخ
ويعتقد الناقد السينمائي محمد بجاوي أن ما أثير حول الفيلم أمر مبالغ فيه كثيرا لأن العمل برأيه "مجرد فيلم سينمائي يعرض في قاعات السينما، ومن يريد المشاهدة فله ذلك ومن يعارض فله ذلك أيضا"، وحسب بجاوي فإن "السينما هي عالم مليء بالحرية لذلك لا يمكن لأي أحد فرض وجهة نظره على المخرج"، وأضاف أن "الإنتاج السينمائي يتيح هامشا كبيرا من الحرية للمخرج عكس الإنتاج التلفزيوني".

وفي سياق تحليله لأسباب ردود الفعل التي أثارها الفيلم، أوضح أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة إسماعيل مهنانة للجزيرة نت أن "في الجزائر فائض شعبوية كانت السلطة اشتغلت على تصنيعه منذ الاستقلال لملء فراغات الفشل السياسي والاقتصادي"، ومن نتائج هذه الصناعة -يقول مهنانة- "يطل محركون في المشهد كل أسبوع بإثارة ضجة تلهي الوعي وتحرفه عن المشاكل الحقيقية التي يعيشها المجتمع".

ويعتقد مهنانة أن الفيلم عمل فني غير ملزم بأية قراءة رسمية للتاريخ بقدر ما يتطلب منه التقيد بجماليات الإبداع السينمائي، كما دعا لضرورة تحرير السينما الجزائرية عموما والأفلام الثورية خصوصا من تأشيرة ووصاية وزارة المجاهدين.

والأهم في الموضوع -حسب مهنانة- هو ضرورة إخراج المؤرخين دراساتهم المتعلقة بالثورة عن الرواية الرسمية وتحري الحقيقة الواقعية قدر الإمكان، لأن من صنع الثورة -حسب حديثه- "كانوا شبابا ينتمون لطبقات اجتماعية وانتماءات سياسية متنوعة، وكان  بعضهم كما وصفهم الفيلم علمانيون يحب اللهو والشرب والحفلات ويتكلمون بكلام بذيء ولم ينزل أحدهم من السماء".

يُذكر أن هذا الفيلم يعد الثاني في مسيرة المخرج والممثل إلياس سالم (41 عاما) بعد فيلمه الطويل "مسخرة" الذي حقق نجاحا كبيرا وحاز على جائزة "فالوا الذهبية" لأحسن فيلم في 2008، كما تحصل مؤخرا على جائزة أحسن مخرج عربي عن فيلم "الوهراني" في المهرجان الثامن للفيلم بأبو ظبي.

المصدر : الجزيرة