"ماذا لو بقينا" يكشف تزوير تاريخ فلسطين

البلدة القديمة بالقدس 1900
undefined

توفيق عابد-عمّان

يسلط المعرض الفوتوغرافي "ماذا لو بقينا" بدار الأندى وسط العاصمة الأردنية عمّان الضوء على واقع فلسطين الاجتماعي والمهني والثقافي في الفترة من 1900 وحتى 1947، كما يسجل حراك الناس في المدن والأزقة والشوارع القديمة.

ويبرز المعرض الذي يستمر حتى 17 من الشهر الحالي أهمية الصورة بوصفها وثيقة تسجيلية لحماية الذاكرة الفلسطينية التي ترفد الحاضر وتصوغ المستقبل وفق ما قاله الفنان التشكيلي غسان مفاضلة. كما تسجل مائة صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود، وهي من أرشيف المصور الأرمني الراحل إيليا كهفيدجيان الذي عاش في القدس وتوفي عام 1999، شواهد تاريخية ودينية بعضها ما زال ساريا حتى اليوم، وخاصة ما يتعلق بفتح وإغلاق كنيسة القيامة الذي يتولاه مسلمون.

ووفق مفاضلة فالمعرض موجه لجميع الشرائح الاجتماعية عامة والشباب خاصة، لإبقاء فلسطين في الذاكرة وتعزيز قيم الانتماء الوطني في مواجهة مخططات الاحتلال الهادفة للسطو على تراث الفلسطينيين وهويتهم.

ذاكرة المكان
وترى المؤرخة هند أبو الشعر أن محو ذاكرة المكان أمر قاس وبشع، فللمكان روحه وقلبه ونبضه وخصوصيته ورائحته التي لا يمكن ارتكاب خطيئة محوها بجرة قلم أو قرار سياسي أو فرمان عنصري. وقالت للجزيرة نت إن معرض "ماذا لو بقينا" محاولة لاستعادة ذاكرة المكان بفلسطين من خلال التوثيق بالصورة، وهو يمثل التحدي الحقيقي والدافع أمام "سطوة الشوفينية الصهيونية في عصر الصورة".

‪عمال يعملون بالصدف في القدس عام 1914‬ (الجزيرة)
‪عمال يعملون بالصدف في القدس عام 1914‬ (الجزيرة)

وتساءلت هند أبو الشعر "لماذا لم نعط في دراساتنا التاريخية الصورة وزنها الحقيقي وأغفلناها، مع أنها أكثر صدقا وتعبيرا من الكلمة، فهي الذاكرة التي لم ننتبه لدورها في إعادة كتابة تاريخ المرحلة التي بدأ فيها عصر الصورة الفوتوغرافية، وهذا بالمناسبة تواكب مع ظهور المشروع الصهيوني".

وقالت لا أدري كيف يمكننا رؤية معالم القدس.. حجارتها.. قلبها.. شوارعها العتيقة دون أن نعود للكاميرا التي نجحت في تصوير وجوه الناس بملامحهم وبيوتهم، التي يطل منها تاريخ العصور وأسماء مدنهم وأزقتهم التي أطلقها الأجداد وألصقوها بالمكان.

وتساءلت المؤرخة "كيف يمكن للعنصرية أن تلغي هوية الدماء التي تجري في عروق المكان والناس وتنبض في الصورة الفوتوغرافية، وتؤكد أن للمكان رائحة عربية دافقة وأنها لا تزول"، مضيفة أنه لا يمكن لكل اللافتات البشعة التي استبدلوا بها، في إشارة للاحتلال، أسماء شوارعنا وقرانا وأزقتنا أن تمحو هوية الرائحة التي تعبق بالحجارة والبيوت والوجوه.

هوية ومرجعية
ومن وجهة نظر الفوتوغرافي عبد الرحيم العرجان فإن الصور المعروضة تثبت عروبة الأرض والهوية، فقد شاهدت مدينة صفد التي أصبحت محرمة على العرب وحصرية لليهود، ويافا التي تم هدم حي المنشية وبقي ظاهرا منها القصر الأحمر.

وقال العرجان للجزيرة نت إن الصورة تعبر عن الحقيقة الكاملة وهي مرجعية لفض المنازعات، فالمعروضات تدحض المقولات الصهيونية، وخاصة منها مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، فالصور تثبت أن فلسطين كانت عامرة بأهلها الذين كانوا يمارسون حياتهم الطبيعية على أرضهم.

وتخلل حفل افتتاح المعرض مساء السبت عرض لمسرح الشارع بعنوان "ماذا لو"، تم خلاله استعراض القضية الفلسطينية بتفاصيلها بوجهات نظر متعددة لفلسطيني الشتات والداخل والذين يعيشون في الأردن.

‪صورة ليافا في عام 1936 والتي دمر فيها الاحتلال حي المنشية‬ (الجزيرة)
‪صورة ليافا في عام 1936 والتي دمر فيها الاحتلال حي المنشية‬ (الجزيرة)

إننا مقصرون
وقال الفنان أحمد سرور للجزيرة نت إنه عرض تجربته أثناء رحلته للضفة الغربية المحتلة وجبل المُكبر ومشاعره وأحاسيسه التي تراوحت بين الحب والعشق، وخاطب الجمهور "نحن مقصرون بحق فلسطين".

وخلال العرض -والحديث لسرور- استهجنا موقفنا وموقف الآخرين فلسطينيين وعربا، وتساءلنا لماذا نتذكر فلسطين في المواسم مثل وعد بلفور والنكبة وضياع كل فلسطين في هزيمة 1967، ويوم الأرض ورحيل غسان كنفاني أو محمود درويش وننساها طيلة السنة؟!

وقرأ المطرب كرست الزعبي شعرا عاميا مستوحى من أجواء المعرض منه "ماذا لو بقينا بنفس المكان.. كان تغير شكل يافا وحيفا والجولان.. جنين يصنعوا فيها الموسيقى وتتغنى في عمّان" وسط تفاعل الجمهور ومشاركته.

كما أنشد الفنانون أحمد سرور وسليمان زواهرة وأمجد حجازين وكرست الزعبي قصائد للراحل محمود درويش وأغنية "موطني" لكنهم لم يكملوها لأن فلسطين غصة قوية في الصدر كما قال سرور، وبدوره قدم الفنان شادي زقطان أمسية موسيقية تقاطعت باللحن والكلمة مع مناخات التظاهرة الفنية.

من جهة ثانية يقدم مساء غد الثلاثاء سرد تراثي "الحكواتي" للأخوين أبو سليم، وصندوق العجب الذي يتواصل حتى 17 من الشهر الجاري.

المصدر : الجزيرة