الطاهر بن جلون بإصدار شعري جديد

غلاف ديوان الطاهر بن جلون فليلتئم الجرح"
undefined
أنطوان جوكي-باريس
 
بعد صدور أعماله الشعرية الكاملة لدى نشر "غاليمار" بباريس عام ٢٠٠٧، يطلّ علينا الشاعر والروائي المغربي الطاهر بن جلون بديوان جديد يحمل عنوان "فليلتئم الجرح" تتراوح نصوصه بين قصائد وشذرات نثرية، تارة غنائية وأخرى لاذعة في سخريتها، يستحضر في بعضها مرحلة طفولته بمدينة فاس، وينغمس ببعضها في تأمّل العالم المحيط به وفي استكشاف شعور الحب.

ومقارنة بدواوينه السابقة، يدشّن بن جلون في ديوانه الجديد مرحلة جديدة في مساره الشعري يغلب عليها الطابع الروحاني والصوفي، ورغبة عميقة في التحدث عن الحياة بإيجابية لم نعهدها في نصوصه السابقة.

ففي القسم الأول من الديوان، يحتفي الشاعر بالحلاّج من خلال ١٩ قصيدة، يتناول فيها بطريقة شعرية فصولا مهمة من حياة هذا المتصوّف الذي "ما زال نفَسه يشعّ على الكون" كما يقول، مركّزا على جرأته وأمثولة حبّه المطلَق.

لكن هذه القصائد على أهميتها، ليست أفضل ما في الديوان، إذ نميل أكثر إلى نصوصه الأخرى، التي كتبها  ربيع ٢٠٠٧ بفاس، وتشكّل احتفاء بهذه المدينة التاريخية، التي كما يقول "تبسط كل صباحٍ جناحَيها للاحتفال بالحياة" حياة الأقوياء، ولكن أيضا حياة الحرفيين البسطاء "نحن الحجارة المنزوعة من الضوضاء.. الصوت المحتمي بالصمت.. الأبيض الذي يؤكّد اللون.. نحن اللغة المنسية.. الصبر الذي يتصفّى.. الظل اللا نهائي لمدينةٍ تسكننا منذ اثني عشر قرنا…".

وفي هذه المدينة الغنية "بوفائها للزمن" و"بجلبة ألوانها توابلها وأناشيدها" كما يقول، نتعلّم مع الشاعر "أن نسكن بدلا من أن نفهم .. أن ندخل في مكعّب الأسئلة.. بدلا من البحث عن المعنى.. أن نتبع اليد المسافرة.. بدون أن نطالب بجواب.. أن ننزع الحجاب الذي يكسو الأموات.. وندخل الصمت المطلَق…".

يختم بن جلون ديوانه بنصوصٍ نثرية قصيرة هي كناية عن شذرات حول مفارقات الحياة، تذكّرنا بتلك التي كتبها الفيلسوفان نيتشه وسيوران،

طابع روحاني
قصائد لا تقل روحانية عن سابقاتها، ويتجلى فيها سعي بن جلون الثابت خلف الإشراق أو الوحي السماوي، كما في النص التالي "علامات تقع في كف اليد.. إنه غبار السماء.. كلمات تتوارى وتترك بياضاً خلفها.. إنه الفراغ منحوتٌا في الزبد.. إنها وقْفة على طريق النور الأخير".

ولا يتوقف الشاعر في ديوانه عند هذا الحد بل يمنحنا أيضا قصائد حب قصيرة ورقيقة، منزّهة من أي رومنطيقية، وإن اعتبر في إحداها أنه "من الخطأ.. أن نكلّف الكلمات بقول الحب.. لفرط ما هي عرجاء وضيّقة.. فالحب موجود أو غير موجود.. لا حاجة لعكّازات.. ولا لسُلّم للصعود إلى السماء (…)".

ومثل سائر قصائد الديوان، تنتمي هذه النصوص إلى الشعر المفتوح، المكتوب كما يتكلم صاحبه، أي بالمشاعر والحدس أولا، مع تلك الرغبة العارمة في الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة في القول.

وفي بعضها، يتوجّه بن جلون إلى العاشقين مباشرة وبأسلوب المخاطب فينصحهم "بعدم تقاسُم مع الحبيبة غير الشعلة والضحك" كما يدعوهم "إلى رفع القلب عالياً لإدراكها" لأنها تقف دائماً "على قمة الفرادة".

ويختم بن جلون ديوانه بنصوصٍ نثرية قصيرة هي كناية عن شذرات حول مفارقات الحياة، تذكّرنا بتلك التي كتبها الفيلسوفان نيتشه وسيوران، وقد قرأ لهما بن جلون جيدا، نصوص تتميّز بحكمة وبصيرة كبيرتين وبأسلوب يجمع غالبا بين الجدّ والهزل.

المصدر : الجزيرة