ياسمينة خضرا.. الضابط الهارب للأدب

epa Yasmina Khadra, aka Algerian author Mohammed Moulessehoul, poses for the media with a copy of the Spanish edition of his latest book entitled 'Lo que el dia debe a la noche' ('Ce que le jour doit a la nuit') in Segovia, Spain, 25 September 2009.

فاز الأديب الجزائري بجائزة "هنري غال" الأسبوع الماضي (الأوروبية-أرشيف)

نور الهدى غولي

قبل عقد من الزمان، فجّر الروائي الجزائري ياسمينة خضرا مفاجأة مزدوجة من العيار الثقيل في الساحة الأدبية الجزائرية والفرنسية والعالمية حين أعلن أنه ليس امرأة وإنما كاتب رجل اسمه الحقيقي هو محمد مولسهول.

وكان ثاني سرّ باح به حينها أنه كان ضابطا عسكريا في الجيش الجزائري خلال فترة "العشرية الحمراء"، وهو الاسم الذي أطلق على فترة التناحر بين الجيش والجماعات المسلحة، وأعلن الضابط حينها عن "غيرته" الكبيرة من الحياة العادية التي يعيشها الكتّاب من سفر وكتابة وشهرة وتوقيع كتبهم للجمهور فيما يعجز هو عن تسلم جائزة نالها.. فقط لأنه كاتب كان قدره التخفي.

غلاف رواية
غلاف رواية "أشباح الجحيم" (الجزيرة نت)

تهمة الضابط
لم يكن أمام "ياسمينة" من بدّ إلاّ أن يقدّم تفسيرات وشروحا طويلة ضد هجمة النقاد الفرنسيين، لينفي عن الجيش الجزائري تهمة قتل وترويع المواطنين العزّل التي التصقت به خلال الحرب على الإرهاب، خاصة وأنّ الكشف عن هويته الحقيقية ككاتب رجل وضابط سابق تزامن وصدور كتب تدين الجيش مثل كتاب ملازم فار من المؤسسة العسكرية كان بعنوانه "الحرب القذرة" وكتاب آخر "من قتل في بن طلحة".

وأكد ياسمينة خضرا لاحقا وعبر بيان رسمي أنّه وخلال السنوات الثماني التي قضاها في صفوف الجيش الجزائري لم يشهد تورطا للجيش في المذابح التي وقعت للمدنيين العزّل. وأصدر سيرته الذاتية "الكاتب" التي كشف فيها عن تفاصيل حياته قبل أن يضيف مؤلفا آخر أسماه "دجل الكلمات" ليحكي عن مسيرته المهنية ويدافع عمّا أسماه "شرف الجيش الجزائري".

البراءة والضحايا
احتاج ياسمينة خضرا إلى الكثير من الكلمات وبعض الوقت ليدافع عن براءته والجيش من حرب قضت على آلاف الضحايا، لكنه لم يكن بحاجة إلى ما يثبت أنه كاتب مبدع من الطراز الأول، فقد راحت رواياته ترسّخ لموهبته الإبداعية كتابا بعد آخر. هو الذي كان يطمح منذ نعومة أظافره أن يغدو كاتبا، لكن حلم والده في أن يرى ابنه ضابطا عسكريا جعله يلحقه وفي سن التاسعة بمدرسة أشبال الثورة. وهناك عاش ياسمينة اليتم الحقيقي، الأمر الذي دفع به ليكون مناصرا لقضايا المشردين والأيتام لاحقا عبر كتاباته.

يسوّد ياسمينة خضرا الكثير من الأوراق وهو في الأكاديمية العسكرية التي التحق بها سنة 1975 وتخرج منها بعد ثلاث سنوات ضابط صف. كتب هناك مجموعته القصصية الأولى "حورية" التي نشرت بعد 11 عاما، وانتقل بعدها إلى عالم الرواية، وكان حينها يوقع أعماله باسمه الحقيقي قبل أن يغيره مضطرا، وذلك رفضا منه لرقابة المؤسسة العسكرية على أعماله، غاب اسم "محمد مولسهول" عن الساحة الإبداعية إلى الأبد في عام 1997، في عزّ الأزمة الأمنية الجزائرية.

غلاف
غلاف "سنونوات كابل" (الجزيرة نت)

كنية زوجته
يختار محمد مولسهول اسم زوجته "يامينة خضرا" التي عبّرت له قائلة "أعطيتني اسمك مدى الحياة وأنا أعطيك اسمي للخلود!". اقترح ناشره الفرنسي إضافة حرف السين فأصبح الاسم نهائيا: "ياسمينة خضرا" عرفانا بجميل زوجته من صبر ودعم، وتقديرا للمرأة بشكل عام.

وتمسّك الكاتب بهذه الكنية حتى بعد تخليه عن رتبة ضابط، وكشفه هويته الحقيقية. وبعد قرابة 36 عاما في صفوف الجيش يغادر ابن مدينة بشار الصحراوية الجيش ليكرّس بقية حياته للأدب والكتابة كقرار نهائي لا رجعة عنه.

"أنا بدويّ وقبيلتي الواقفة على أبواب الصحراء الجزائريّة كانت قبيلة الشعراء".. يصرّح بكل افتخار بأصوله الصحراوية، ويعترف بأنّ الجيش علّمه السباحة ضد التيّار، "التقيت فيه بأناس شجعان وأشخاص منافقين. البسالة والجبن ساهما في تأكيد قناعاتي".

روايات بوليسية
"بما تحلم الذئاب"، الرواية التي حققت نجاحا باهرا على المستوى العربي بعد أن تلقتها الساحة الأدبية الفرنسية بحفاوة بالغة. متن أدبي صوّر من خلاله مرحلة العشرية الحمراء التي شهدتها الجزائر.

وتتوالى بعدها النجاحات التي كانت ترفع من مكانة خضرا الأدبية، "سنونوات كابل"، و"ابنة العم ك"، و"الصدمة"، و"حصة الموت"، و"الاعتداء"، و"صفارات إنذار بغداد"، و"ما يدين به النهار لليل"، وهي أعمال احتوت موضوعات جدلية عن العنف والإرهاب والأصولية الإسلامية، وحوار الحضارات ودلائل الانتحار ومآسي التشرد واليتم، وذلك ضمن حبكة بوليسية مشوقة غالبا، تتسم بكونها تحبس أنفاس القارئ من أول الأسطر.


undefinedالنفس البشرية
يعترف النقاد بأن نصوص ياسمينة خضرا تغوص في النفس البشرية، ويترك في طريق كل قارئ جزئيات بسيطة من شأنها أن تتركه يصر على إكمال الرواية مهما طالت صفحاتها. وتتسارع دور النشر العالمية لترجمة آخر إصدارات الروائي الجزائري الذي لا يعرف عنه القارئ العربي الكثير، رغم الترجمات الكثيرة والأفلام السينمائية المقتبسة في الأساس من رواياته التي تحقق أعلى المبيعات.

يستقر ياسمينة خضرا حاليا في فرنسا ويتولى منصب مدير المركز الثقافي الجزائري في باريس. وقد منحته الأكاديمية الفرنسية الأسبوع الماضي جائزة الآداب "هنري غال" التي تبلغ قيمتها المالية 40 ألف يورو، لتضاف إلى رصيد جوائزه الثري.

وينتظر ياسمينة خضرا الآن أصداء روايته الجديدة "نظرة المشردين" أو "إلهة الشدائد" حسب ترجمة أخرى، دون أن يترك جانبا هواجسه عن كيفية تلقي قرائه لمخطوطه "المعادلة الأفريقية" الذي سيرى النور مع دار "جوليار" قريبا.

المصدر : الجزيرة