بدر شاكر السياب: حفار القبور


undefinedتمر هذا الأسبوع الذكرى الثامنة والثلاثون لوفاة الشاعر بدر شاكر السياب الذي ولد بقرية جيكور في البصرة جنوبي العراق عام 1926 وبعد ولادته بست سنوات توفيت والدته, وقد تخرج عام 1948 في دار المعلمين ببغداد، ومن مقهى الزهاوي بدأت حياته الأدبية ونشرت قصائده لأول مرة في جريدة الاتحاد.

بدأ السياب حزينا وانتهى بائسا، تنقل بين بيروت وباريس ولندن من أجل العلاج من مرض السل، ورحل يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 1964 تاركا خلفه إرثا شعريا كبيرا.
من دواوينه:
1ـ "أزهار ذابلة"- القاهرة، صدر عام 1947.
2ـ "أساطير" -النجف 1950.
3ـ "إقبال"- بيروت 1965.
4ـ "أنشودة المطر"- بغداد 1960.
5ـ "شناشيل بنت الجلبي" 1965.
6ـ "المعبد الغريق"- بيروت 1962.

وإذا ما انطلقنا في تأبيننا للسياب من مقولة الشاعر الناقد الإنجليزي الكبير ت. س. أليوت "إن الشاعر العظيم يزعج قارئيه أكثر مما يهجيهم" نجده صادقا في طرحه النقدي إذ إن كثيرا من النقاد يعتبرون الشعر مأساة أمة يحملها شاعر مسكين لا يلبث أن تسقط عليه صخرتها ويدفن ليبقى قبره يناضل رغم بعد المسافة الميتافيزيقية بينه وبين من دفنوه.

لقد حفر السياب قبره بنفسه معتبرا أن اللحد أوسع من ذلك الشبر الذي نوضع فيه كلنا عندما ينتهي العمر، بل إن الموت عنده بداية التكوين، والغاية عنده هي أن نجد المبرر للحياة لا للموت، وهكذا نجده يعالج ثنائية العلة والمعلول, المطر والحزن, الأمل واليأس, الحب وأشياء أخرى, حتى إنه رغم حبه لما يزيد عن 20 فتاة ينفي أن واحدة منهن قد أحبته, فما سر هذا التناقض الذي ولد تجربة الشعر الحر؟

رغم أن شاعرنا كتب عنه ما يزيد على 400 كتاب وبحث باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والصربية إلى جانب 37 عنوانا من أعماله شعرا ونثرا وترجمة إضافة إلى 55 كتـابا ومرجعا تتعلق بشعره, فإنها لم تسجل بعد صورة السياب كشاعر مأساوي رحل مع العوز والفقر والمرض والاحتراق السياسي دون أن ندرك سر مأساته الحقيقة سوى حبه لجيكور تلك العامرة بأشجار النخيل التي تظلل السهول النائمة وتردد فيها الحمائم ألحانها.

حرية القصيدة التي كان السياب من أوائل من كتبها بدأت تتشكل في جوفه كالجنين لكن حمله بها كان طويلا ومخاضه كان صعبا. فقد كانت الحرية هي المفقودة في عقوده تلك, وكانت الشعوب العربية كلها تباع في سوق النخاسة وبالطبع كانت العربية تبحث عن المتنبي، والقوافي تبحث عمن يرد لها وزنها واعتبارها.

أدرك السياب أن الأرض بدلت غير الأرض إلا أنه وجد ضالته في التحرر وإلغاء القيود على الأقل فيما يملك من شعر لكنه تمسك بشيء من الاحترام للخليل الفراهيدي.
مات السياب لكنه بقي رمزا من رموز الشعر العربي ففتح طريقا كبيرا لكائن أدبي سمي بعده القصيدة الحرة مزج في معانيها بين ثنائيات وجودية ومثل أفلاطونية وواقع إبستمولوجي تجريبي.

المصدر : الجزيرة