جدة.. عروس البحر الأحمر وبوابة الحرمين

Corniche at sunset with King Fahd's Fountain, Jeddah, Saudi Arabia, Middle east
من أهم معالم جدة السياحية "نافورة الملك فهد" التي تعتبر أعلى نافورة من نوعها في العالم (غيتي إيميجز)

ثانية المدن الكبرى في السعودية وعاصمتها الاقتصادية؛ يٌعتقد أن تأسيسها يرجع لنحو 3000 عام كانت طوالها البوابة البحرية الرئيسية لمنطقة الحجاز، ومركزا سياسيا مهما للدول المتعاقبة على حكمها. تعج بحركة الحياة وتزخر بالأعمال التجارية على مختلف أنواعها وبالعديد من النشاطات الثقافية.

الموقع
تقع جدة عند منتصف الساحل الشرقي للبحر الأحمر غربي السعودية، وتبلغ مساحتها الحضرية نحو 1765 كلم2. تمتد رقعتها الجغرافية لأكثر من 70 كلم من الشمال إلى الجنوب، و50 كلم من البحر في اتجاه الشرق. وهي كبرى مدن الإقليم الغربي الذي يمتد على الساحل مسافة 1100 كلم وتحده من الشرق سلسلة جبال الحجاز الشامخة.

السكان
حسب بيانات رسمية سعودية نُشرت عام 2013؛ فإن عدد سكان جدة يقدر بـ3.5 ملايين نسمة، ويمثلون نسبة 14% من عدد سكان البلاد البالغين قرابة 25.5 مليونا.

التاريخ
طبقا لما تقوله معلومات رسمية من محافظة جدة؛ فإن مدينة جدة تعود نشأتها إلى ما يقارب 3000 سنة حين أسسها صيادون لتكون مستقرا يأوون إليه بعد الانتهاء من رحلات صيدهم، ثم جاءت قبيلة قضاعة إليها بعد انهيار سد مأرب باليمن (حوالي عام 115 قبل الميلاد) فأقامت فيها.

ويقال إنها أخذت اسمها -الذي يُنطق بكسر الجيم وضمها وفتحها- من أحد أبناء هذه القبيلة وهو "جدة بن جرم"، وقيل إنها استمدته من تسم أم البشر "حواء" التي يُروى أنها دفنت في منطقتها حيث توجد مقبرة تعرف باسم "مقبرة أمنا حواء"، مع عدم وجود أدلة تثبت ذلك أو تنفيه على وجه القطع.

ويقول الباحثون في تاريخ المدينة المعماري إن أول سور بُني في جدة بناه أحد أحفاد إمبراطور فارس "أنوشروان يزدجر" يدعى فيروز بن يزدجر، وكان عرضه عشرة أشبار وبه أربعة أبواب وحوله خندق مملوء بالماء.

وبعد ظهور الإسلام ارتبط تاريخ جدة بتطور التاريخ الإسلامي في منطقتها، وخاصة بعد اختيار الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) لها سنة 25هـ لتكون ميناء رئيسيا لمكة المكرمة، وبذلك أصبحت رسميا البوابة البحرية للحجاز محضن الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة.

كانت جدة خلال أغلب حقب التاريخ الإسلامي خاضعة لحكم الدول الإسلامية المتعاقبة بدءا من الأمويين والعباسيين، وفي أواسط القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أصبحت تحت سلطة الهاشميين في الحجاز الذين كانوا يدينون بالولاء لأي دولة كبرى تتمكن من السيطرة على الحجاز، وخاصة الدولتين الفاطمية والأيوبية ثم دولة المماليك بمصر.

وفي العصر المملوكي عُين حاكم عام لجدة أطلق عليه مسمى "نائب جدة"، فكان مقر إقامته يطل على الميناء ليشرف على حركته البشرية والتجارية، وكان يتولى تأمين طرق التجارة والحج وحماية الحرمين.

وبحلول عام 931هـ (1525م) خضعت جدة لسلطة الخلافة العثمانية لحمايتها من غارات الأساطيل البرتغالية التي تتالت عليها في القرن السادس عشر ميلادي، ثم من غارات القراصنة الهولنديين في القرن السابع عشر الميلادي.

وخلال هذين القرنين بدأت مكانة جدة الاقتصادية تتراجع فاقتصرت مواردها على مداخيل حركة وفود الحجاج والمعتمرين، وذلك بسبب سيطرة البرتغاليين والهولنديين والإنجليز على طرق التجارة البحرية في العالمية، إثر اكتشاف طرق أخرى بديلة منها طريق رأس الرجاء الصالح.

وفي عام 1925 سيطر الملك عبد العزيز آل سعود على جدة فصارت الثانية في البلاد من حيث الأهمية السياسية، لكونها أصبحت مقرا دائما للعديد من الهيئات الدبلوماسية (القنصليات) والمنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات المالية العالمية.

كما نمت عمرانيا بوتيرة سريعة إثر الطفرة النفطية التي شهدتها البلاد، فنالت حظا وافرا من مشاريع البنية التحية المتطورة من شبكات الطرق والجسور والأنفاق وأنواع العمارات والمنشآت الحديثة.

ومن المتوقع أن يتعزز هذا النمو العمراني في ضوء كشف بلدية المدينة عام 2008 عن خطة لتطوير مركزها التجاري، تتضمن إنشاء مباني وأبراجا شاهقة على كورنيشها حيث سيقام أطول برج في العالم.

الاقتصاد
تعتبر جدة -التي توصف بأنها "عروس البحر الأحمر"- العاصمة الاقتصادية للسعودية، نظرا لاحتوائها على معظم نشاط البلاد التجاري والسياحي والخدمي وكبريات مشاريعها الاقتصادية ومنشآتها الصناعية. وقد جعل منها احتواؤها على 21% من الأسواق والمراكز التجارية في البلاد مركزا هاما للمال والأعمال، وأكسبها ذلك أهمية كبيرة في حركة التجارة الدولية بين السعودية والأسواق العالمية.

ولكونها البوابة البحرية للحرم المكي والحرم المدني وميناءهما الجوي فقد أضحت أولى محطات الحجاج والمعتمرين (خمسة ملايين زائر سنويا) القادمين لتأدية مناسك الحج والعمرة، هذا عدا كونها مقصدا للسياح العاديين في أغلب أيام السنة لما تتضمه من معالم تاريخية ومتاحف، ومتاجر وأسواق شعبية وحديثة، ومتنزهات ومنتجعات وقرى استجمام على شاطئها.

المعالم
تضم جدة العديد من المعالم التاريخية يتركز معظمها في منطقة "جدة القديمة" ذات الطراز المعماري الفريد في قلب المدينة، والتي تحتوي على قرابة 500 موقع أثري. وقد وضعتها منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة عام 2014 على "قائمة التراث العالمي".

وممن أهم هذه المعالم سور المدينة القديم الذي جدد المماليك بناءه إبان حكمهم للمدينة عام 1506م، وظل قائما حتى تمت إزالته عام 1974 بعد ظهور بوادر الطفرة النفطية.

هذا إضافة إلى مساجد جدة العتيقة مثل مسجد الشافعي في "حارة المظلوم"، الذي بني عام 648 هجرية على يد الملك المظفر سليمان بن سعد الدين شاهنشاه الثاني أحد ملوك اليمن الأيوبيين الذي كان شافعي المذهب. وبالقرب منه مسجد عثمان بن عفان الذي شيد بين القرنين التاسع والعاشر الهجريين.

ومن معالمها التراثية "سوق جدة القديم" المتميز بأزقته الضيقة المتعرجة التي تعج بالمتاجر الصغيرة المتخصصة في بيع التوابل والبخور والمنسوجات ومواد التجميل والأدوات المنزلية، وبجانبه أسواق للسلع الأخرى مثل سوق الذهب والعطور والملابس والسجاد والهدايا الشرقية.

ومن معالمها الحديثة "مسجد الرحمة" الذي هو أول مسجد في العالم يبنى على سطح البحر، و"كورنيش جدة" الذي يمتد لأكثر من خمسين كيلومترا ويعتبر رئة تنفس مهمة للمدينة، وتقود النزهة فيه إلى إرث ثقافي وتاريخي مهم من ضمنه "متحف منزل الشربتلي" التحفة المعمارية الفنية. إضافة إلى "نافورة الملك فهد" التي هي أعلى نافورة من نوعها في العالم حسب موسوعة غينيس.

كما اشتهرت مدينة جدة بمئات من المنحوتات والمجسمات الفنية (من الفولاذ والبرونز والغرانيت والحجر) ميزتها عن غيرها من المدن السعودية، صممها فنانون عالميون من أبرزهم خوان ميرو وفيكتور فزارالي وهنري مور، وتنفرد المدينة بمنحوتات خاصة بها إضافة إلى منحوتات أخرى لها نسخ مماثلة في أميركا وأوروبا.

المصدر : رويترز + مواقع إلكترونية