شعار قسم مدونات

دور المرأة المقدسية في مقاومة المشروع الصهيوني (2)

blogs - المرأة الفلسطينية

قلت إن هذا المقال سيسلط الضوء على دور المرأة المقدسية في مقاومة المشروع الصهيوني، من خلال ثلاثة محاور، هي: المقاومة السياسية، والمقاومة المسلحة، ودعم صمود المجتمع، وسيشير إلى رد الفعل الانتقامي من الاحتلال الإسرائيلي، وتكلمت في الجزء الأول، عن المقاومة السياسية، وسأكمل الحديث عن بقية المحاور.
 

المقاومة المسلحة:
في الثورة الفلسطينية عام 1936، برز دور نضالي جديد للمرأة، وكان هذه المرة في صورة عمل عسكري، خاضته جمعية زهرة الأقحوان، التي أسستها مهيبة خورشيد، يقول يوسف الشايب في مقاله "حكايات البدايات المجهولة"، إن نشاط هذه الجمعية بدأ بالعمل الخيري والاجتماعي، ومساعدة الطلبة الفقراء، ثم تطور إلى عمل عسكري منظم، بعد حادثة مقتل طفل فلسطيني بريء أمام مهيبة خورشيد على يد جندي في الجيش البريطاني.
 

جمعية الاتحاد النسائي العربي، ساهمت كما تقول الموسوعة الفلسطينية، في إعداد مستشفيات طوارئ في العيزرية وجبل الزيتون؛ لمعالجة جرحى النضال الفلسطيني عام 1948.

ويضيف المقال أن هذا الدور النضالي، استمر بتصاعد خلال جهاد الشيخ عز اليد القسام، فقد تم تشكيل فرقة نسائية للمشاركة في الجهاد، ومنهن: سعادة الكيلاني، سعاد أبو السعود، وسميرة أبو غزالة ، وعواطف عبد الهادي، وعصام عبد الهادي، ورقية الحوري. وتمثلت مهام هذه الخلية العسكرية، بتزويد المقاومين بالطعام والسلاح، والتطبيب للجرحى، وبعضهن يؤدي دور المراقبة، وكان لهن دور أساسي في إنجاح عمليات القسام ورجاله، إذ أنقذنهم في أكثر من مرة، من الوقوع في يد البريطانيين، وذلك وفق دراسة للباحثة فيحاء عبد الهادي.
 

دعم صمود المجتمع:
لم يتوقف دور المرأة الفلسطينية خلال هذه المرحلة، فدور المرأة المسلمة والمسيحية كان مكملا لدور الرجل، يقول أوس يعقوب في مقاله: "رواد مقدسيون.. المقدسية الرائدة هند الحسيني 1916-1994″، بعد مجزرة دير ياسين عام 1948، جمعت هند الحسيني، بمساعدة عدنان أمين التميمي (55) طفلاً وطفلة من أيتام دير ياسين، ووضعتهم في غرفتين في البلدة القديمة، ولم يكن في جعبتها يوم ذاك سوى (138) جنيهاً فلسطينياً، وأقسمت إما أن تعيش معهم أو تموت معهم.
 

ويواصل يعقوب حديثه عن صاحبة هذه المبادرة، فيقول: في الخامس والعشرين من نيسان/ إبريل 1948م أسست هند جمعية خيرية لخدمة الأطفال الأيتام والمحتاجين الفلسطينيين من خلال توفير الرعاية والإقامة والغذاء والترفيه لهم، وأطلقت عليها اسم "مؤسسة دار الطفل العربي".
 

تضم هذه المؤسسة كافة المراحل الدراسية، ابتداء من الحضانة والروضة حتى المرحلة الثانوية، كما تضم متحفا للتراث، ومركزا ثقافيا، وقسما داخليا لمبيت الطالبات. وقد حظيت هذه المؤسسة بتضامن واسع، من داخل وخارج فلسطين، فحصلت على تبرعات من عائلة "الشايع" في الكويت، والكنائس اللوثرية الألمانية، فاستطاعت بناء مرافقها المتنوعة، كما تقول هداية الحسيني، في فيلم "هند الحسيني وحكاية دار الطفل العربي".
 

أما جمعية الاتحاد النسائي العربي، فساهمت كما تقول الموسوعة الفلسطينية، في إعداد مستشفيات طوارئ في العيزرية وجبل الزيتون؛ لمعالجة جرحى النضال الفلسطيني عام 1948، إضافة إلى إعداد وجبات طعام للمناضلين، كما ساهمت في رعاية عدد من أبناء الشهداء والأيتام في المدارس الأهلية على نفقتها.
 

وتضيف الموسوعة أن معظم جهودها تركزت، في معالجة آثار النكبة في العمل الاجتماعي والخيري، وذلك في مقرها في باب الساهرة، حيث تم في عام 1950، افتتاح روضة أطفال ومركز لرعاية الأطفال، ثم افتتحت مركزا للعناية بالحوامل، وأنشأت داراً للمسنين سميت دار الأمان. كما شاركت عضوات الجمعية وطالباتها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالمظاهرات والاعتصامات، مما أدى إلى إغلاق المدرسة عدة مرات.
 

وذكرت سامية خوري من القدس، أن إليزابيث ناصر، أسست بمشاركة زليخة الشهابي، وهند الحسيني، عام 1952م دار للفتيات المشردات، اللواتي يكسبن لقمة العيش من خلال ظاهرة التسول، فلعبت تلك الدار دورا رئيسا في وضع حد لهذه الظاهرة، حيث أمنت للفتيات حياة كريمة، بتوفير ملاذ آمن، وأكسبتهن مهارات تساعدهن على العمل في المؤسسات، أو ليصبحن زوجات صالحات.

وتدريجياً بعد العام 1967 ونظرا لاحتياج القدس إلى مدارس وطنية، ورغبة الأهالي في توفير تعليم رسمي لبناتهن، تطورت المؤسسة تدريجياً لتصبح مدرسة ابتدائية مختلطة، مع قسم لرياض الأطفال، كما جاء في مقال "نحو توهج الذاكرة الجماعية"، للكاتبة فيحاء عبد الهادي.
 

وهنا نلاحظ أن تأسيس الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بالأيتام والجرحى والمهجرين، يدل على تنبه المجتمع الفلسطيني مبكرا، لأهمية الرعاية الاجتماعية والنفسية، فهي باب من أبواب المقاومة، ولها دور مهم في استمرارية العمل المقاوم، فعندما يدرك المقاوم أن هناك من سيعتني بعائلته في حال وقوعه في الأسر، أو استشهاده، فإن ذهنه سيكون مرتاحا، وسينعكس ذلك على الأداء المقاوم كما ونوعا.

أراد الاحتلال الإسرائيلي الانتقام من المرأة الفلسطينية، وكسر إرادتها، ولكنها مع ذلك لم تتأخر أو تتراجع في أي مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني، فنجدها دوما مبادرة متقدمة.

كما نلاحظ أن المرأة تميزت بهذا الجانب من جوانب المقاومة، فظل محصورا مقصورا عليها دون الرجل، إذ اقتصر دور الرجال في تلك الفترة، على المقاومة السياسية والمسلحة، ومع أهمية ذلك، إلا أنهم لم يخوضوا غمار العمل الخيري والاجتماعي، إلا ما كان من عمل فردي، ولذلك نستطيع أن نقول: أن الأدوار التي لعبتها المرأة في أشكال المقاومة لم تكن عشوائية، بل كانت على قدر من التنظيم، وهذا يقودنا إلى الحديث عن ردة الفعل الإسرائيلية.
 

الإبعاد عن القدس:
كان دور المرأة مهما ومؤثرا، فهي تشارك في المقاومة السياسية والمسلحة، وتساهم أيضا في تثبيت الناس، ودعم صمودهم، وليس هناك دليل أبلغ على ذلك، من ردة فعل الاحتلال الإسرائيلي، وسأذكر مثالا لذلك، وهو سياسة الإبعاد عن القدس، فتذكر وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" أنه في عام 1968 تم إبعاد زليخة الشهابي -رئيسة اتحاد الجمعيات الخيرية لمحافظة القدس، ومؤسسة جمعية الاتحاد النسائي العربي في القدس- وفي عام 1969 أبعدت قوات الاحتلال المعلمة عبلة طله، كما جاء في كتاب "القدس إيمان وجهاد" للمؤلفين عرفان نظام الدين وعلي طاهر الدجاني، وفي عام 1978، تم إبعاد فاطمة محمد علي برناوي -أول أسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال التي اعتقلت عام 1967- حسب وكالة "وفا".

أراد الاحتلال الإسرائيلي الانتقام من المرأة الفلسطينية، وكسر إرادتها، ولكنها مع ذلك لم تتأخر أو تتراجع في أي مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني، فنجدها دوما مبادرة متقدمة، وليس أدل على ذلك من الدور الذي تلعبه اليوم في انتفاضة القدس، فلم تكن أم الشهيد، أو زوجة الأسير فحسب، بل كانت هي نفسها الفدائية، والشهيدة، والأسيرة، وإذا كانت المرأة لم ولن تهزم، فالشعب إذن لن يهزم؛ لأنها أحد أهم عوامل الصمود والبقاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.