ما أصعبها من لحظات ونحن تقف على آخر ساعات من شهر رمضان، دقات القلب تتسارع، وموعد الرحيل يقترب، وكأن إنسانا غاليا على قلبك يجلس بين يديك ويودعك بلا رجعة، لا أستطيع أن أصف لهفة القلب ودمعة العين في تلك اللحظات.
ها نحن على وشك أن نودع شهر رمضان، نودع نهاره المبارك، ولياليه الكريمة، أتى سريعا ومضى أسرع.
فالسلام عليك يا شهرنا الكريم، السلام عليك يا شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، السلام عليك يا شهر التجاوز والغفران، السلام عليك يا شهر البركة والإحسان، السلام عليك يا شهر التهجد والقيام.
والله حق على كل واحد منا أن يبكي على فراقه، وكيف لا يبكي المؤمن رمضان وفيه تفتح أبواب الجنان، وكيف لا يبكي المذنب مثلنا رمضان وفيه تغلق أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين
رمضان رفقا فما عساي أقول .. والدمع من ألم الفراق يسيل
فلك التحية ما أقمت بأرضنا .. ولك التحية ما احتواك رحيل
والله حق على كل واحد منا أن يبكي على فراقه، وكيف لا يبكي المؤمن رمضان وفيه تفتح أبواب الجنان، وكيف لا يبكي المذنب مثلنا رمضان وفيه تغلق أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين، هذا سيدنا علي رضي الله عنه كان يقول في آخر ليلة من رمضان: "يا ليت شعري، من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه".
فهل ستعود يا رمضان مرة أخرى؟ وهل إذا عدت سنكون وقتها في الوجود، وننافس أهل الركوع والسجود، أم سنكون قد أطبقت علينا القبور واللحود؟
فيا شهر الصيام فدتك نفسي .. تمهل بالرحيل والانتقال
فما أدرى إذا ما العام ولى .. وعدت بقابل في خير حال
أتلقاني مع الأحياء حيا .. أم تلقني في اللحد بالي
فذلك حال الدنا دوما .. فراق بعد جمع وارتحال
إن مما يهون هذا الشعور قليلا، ويكسر حدته هو أننا ينبغي أن نحمد الله في ختام هذا الشهر على إتمام الله لنا الطاعة والعبادة والتوفيق فيها، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن للصائم فرحة عند فطره، وهي فرحة التوفيق للطاعة وتمام العبادة، قال صلى الله عليه وسلم: (لِلصّائِمِ فَرْحَتانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقاءِ رَبِّهِ).
الحمد لله على البلوغ ونسأله التمام على خير، الحمد لله على عظيم المن والإنعام، اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة
فما بين دمعة توديع، ودمعة حمد بتمام النعمة، نرفع أكفنا إلى مولانا مبتهلين: رب اقبل يا رحمن.
الحمد لله على البلوغ ونسأله التمام على خير، الحمد لله على عظيم المن والإنعام، اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة، ونحن في أحسن حال يا رب العالمين، رب استودعناك رمضان، فلا تجعل هذا آخر عهدنا به.
أسأل الله أن يجعلنا جميعا ممن عفى عنهم، ورضي عنهم، وغفر لهم، أسأل الله أن يجعلنا جميعا ممن أُعتقت رقابهم من النار، وكتبت لهم الجنة.
اللهم اختم لنا شهر رمضان بغفرانك، والعتق من نيرانك، والفوز بجنانك، اللهم واجعلنا فيه من المقبولين، واجعلنا فيه من المرحومين، واجعلنا فيه من عتقائك من النار، واجعلنا ممن صامه وقامه إيمانا واحتسابا، وفاز بعفوك وغفرانك يا كريم، اللهم آمين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.