شعار قسم مدونات

طلاب الجامعات الأميركية.. صوت التضامن مع غزة

الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية لا يزال يشكل قوة مهمة ويستمر في تحقيق النجاحات والتغييرات في الساحة السياسية (وكالة الأناضول)

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية المختلفة المطالبة بوقف الحرب ووقف الدعم الأميركي الممتد لإسرائيل، لتتحول إلى ما يشبه الانتفاضة العارمة الرافضة لحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.

وعلى الرغم من أن تاريخ الحراك الطلابي يشهد العديد من النجاحات والإنجازات، إلا أنه لا يخلو من التحديات والعقبات، فمع امتداد الاحتجاجات التي بدأت في جامعة كولومبيا إلى نحو 44 جامعة وكلية أميركية، انطلقت حملات الاعتقال الجماعية التي نفذتها السلطات المحلية بحق الطلبة والمتظاهرين المساندين لهم.

وتهديد إدارات الجامعات بتنفيذ المزيد من الاعتقالات في حال استمرت التظاهرات والاحتجاجات، كما قامت جامعة كولومبيا بإلغاء عدد من المحاضرات، واتخذت عدة جامعات أخرى، في مختلف أنحاء البلاد نفس الإجراء بإلغاء المحاضرات في مقراتها بينها جامعتا بيركلي وإم آي.

حذر البيت الأبيض من الترهيب الجسدي الذي يستهدف الطلاب اليهود وأوصت اللجنة التشريعية بإقالة رؤساء جامعة هارفارد وبنسلفانيا، بعد أن رفضا ربط تلك الاحتجاجات بمعاداة السامية

وهذا يدل على أن الحراك الطلابي لا يزال يشكل قوة مهمة في المجتمعات، ويستمر في تحقيق النجاحات والتغييرات في الساحة السياسية، فإذا تمكنت الحركات الطلابية من التعاون والتنظيم، وتمكنت من جذب الدعم، والسعي وتحفيز المشاركة، فإنها ستظل قادرة على تحقيق تأثير كبير في تغيير القضايا السياسية والاجتماعية.

فتصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن حول ذلك الحراك، وتوصيات لجنة الاستماع التشريعية لرؤساء جامعات كبرى في البلاد، كافية لتوضيح ما تمر به الولايات المتحدة من موقف حرج ومعقد. وبايدن أدان أيضا ما أسماه بمعاداة السامية في جامعة كولومبيا.

فيما حذر البيت الأبيض من الترهيب الجسدي الذي يستهدف الطلاب اليهود وأوصت اللجنة التشريعية بإقالة رؤساء جامعة هارفارد وبنسلفانيا، بعد أن رفضا ربط تلك الاحتجاجات بمعاداة السامية، واعتبراها ترتبط أكثر بحرية التعبير، التي يحميها دستور بلادهم، وتعتبر الجامعات أهم منبر لترسيخها. وأدى ذلك الموقف في النهاية لاستقالتهما.

تظهر هذه الثورة الطلابية التضامن مع غزة بأنه أكثر من مجرد تعبير عن الدعم السياسي، بل هو تعبير عن الانتماء لحقوق الإنسان، ويساهم هذا الحراك في تحفيز الحوار لتعلم باقي الطلاب المزيد عن القضية الفلسطينية، والصراع في الشرق الأوسط وإعادة تشكيل الرأي العام

الانتفاضة الطلابية.. بريق ضوء

يعتبر تاريخ الحراك الطلابي شاهدا على قدرة الشباب على التأثير والتغيير، وتتجلى أهمية هذا الحراك في إبراز الوعي العالمي بالإبادة الممنهجة التي يتعرض لها قطاع غزة، ويعكس التأكيد على الحاجة إلى حل سياسي دائم لإنهاء سياسات الأبارتهايد والفصل العنصري والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني المستمرة منذ النكبة وحتى يومنا هذا، ومع تزايد الوعي والتضامن مع القضية الفلسطينية وتبنى مواقف أكثر توازنا ووعيا تجاه ما يحدث في غزة، يمكن أن يلعب الطلاب دورا أساسيا في دعم الجهود المبذولة نحو وقف دائم للحرب.

كما تواجه الجماعات الطلابية التي تدعم فلسطين تحديات عديدة، بما في ذلك التشويه الإعلامي والانتقادات المعادية للسامية. وعلى الرغم من ذلك، فإن إصرار الطلاب على الوقوف إلى جانب العدالة والإنسانية يجسد القيم التي ينادون بها، ويعزز مكانة الجامعة كمنبر للحرية والتغيير الاجتماعي.

وتظهر هذه الثورة الطلابية التضامن مع غزة بأنه أكثر من مجرد تعبير عن الدعم السياسي، بل هو تعبير عن الانتماء لحقوق الإنسان، ويساهم هذا الحراك في تحفيز الحوار لتعلم باقي الطلاب المزيد عن القضية الفلسطينية، والصراع في الشرق الأوسط وإعادة تشكيل الرأي العام، مما يضغط على الحكومة الأميركية والمؤسسات الدولية للتصرف بشكل أكثر فعالية لحل الأزمة الإنسانية في غزة.

بالإضافة إلى ذلك، تبرز هذه الانتفاضة الجامعية أهمية الشباب في نقل القضايا الإنسانية والعالمية إلى الأمام، وإعادتها إلى الصدارة، ومع استمرار هذا التضامن، يمكن للشباب أن يكونوا العنصر الحاسم في إنهاء الحرب الهمجية على القطاع.

يمثل تاريخ الحراك الطلابي في الولايات المتحدة جزءا هاما من تاريخ النضالات الاجتماعية والسياسية في العالم، إذ شكل الطلاب الأميركيون دورا بارزا في تحولات المجتمع والسياسة الأميركية على مر العقود.

الحراك الطلابي.. مبادئ ومثاليات

إن الحراك الطلابي يشكل جزءا لا يتجزأ من تطور الحركات الاجتماعية والسياسية في معظم أنحاء العالم، ويعود جذور هذا الحراك إلى العديد من الحقب التاريخية، حيث تمثل الطلاب دائما شريحة مهمة في المجتمع تسعى للتغيير والإصلاح.

ويتضمن تاريخ هذا الحراك مبادئ ومثاليات تتجذر في الحرية والعدالة والمساواة، فمن مظاهر هذا الحراك التي كان لها تأثير كبير في التغيير السياسي مثل حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، والحركة الطلابية في فرنسا عام 1968، إلى الثورات العربية في القرن الحادي والعشرين، كانت المطالب تتركز على الحرية والكرامة الإنسانية.

الحراك الطلابي الأميركي 2024.. ليس الأول

يغيب عن حصيلتنا المعرفية أن النشاط الطلابي الأميركي من أجل فلسطين يعود إلى ما قبل النكبة عام 1948، وأشار موقع "فوكس" أن طلاب الطب والأطباء العرب في الولايات المتحدة قاموا بتشكيل الجمعية الفلسطينية المناهضة للصهيونية (المعروفة فيما بعد باسم الرابطة الوطنية الفلسطينية ثم الرابطة الوطنية العربية) في عام 1917م، للاحتجاج على وعد بلفور، وهو بيان الحكومة البريطانية الذي دعا إلى إنشاء وطن قوي للشعب اليهودي في فلسطين.

خلال فترة الحرب الباردة وحرب فيتنام، انضم الطلاب إلى حركة السلم الطلابي، والتي كانت تنادي بانسحاب الولايات المتحدة من الحرب وتحقيق السلام العالمي. وساهمت في تشكيل الرأي العام ضد الحرب.

نظرة على تاريخ الحراك الطلابي في الولايات المتحدة

يمثل تاريخ الحراك الطلابي في الولايات المتحدة جزءا هاما من تاريخ النضالات الاجتماعية والسياسية في العالم، إذ شكل الطلاب الأميركيون دورا بارزا في تحولات المجتمع والسياسة الأميركية على مر العقود.

  • الحركة من أجل الحقوق المدنية:

في فترة الستينيات، شهدت الولايات المتحدة اندلاع حركة قوية من أجل المساواة وحقوق الإنسان، وشارك فيها الطلاب بشكل كبير. تضامن الطلبة مع الزعماء الحقوقيين مثل مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس، وشاركوا في المظاهرات والاحتجاجات من أجل إنهاء التمييز العنصري وتحقيق المساواة في الفرص.

  • حركة السلم الطلابي:

خلال فترة الحرب الباردة وحرب فيتنام، انضم الطلاب إلى حركة السلم الطلابي، والتي كانت تنادي بانسحاب الولايات المتحدة من الحرب وتحقيق السلام العالمي. وساهمت في تشكيل الرأي العام ضد الحرب.

مع ما تسطره هذه المظاهرات من موقف وزخم ورسالة مهمة موجهة لأميركا والعالم، يتجلى السيناريو الأسوأ للحكومة الأمريكية وإسرائيل، وهو الخوف من تكرار تجربة الموقف من فيتنام. ولعل الحدث لم ينته بعد، لكن المشهد بات واضحا.

  • حركة الستينيات والسبعينيات:

في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، شهدت الولايات المتحدة موجة جديدة من الاحتجاجات والتظاهرات، حيث نشط الطلاب ضد النظام السياسي والاقتصادي وتحقيق المساواة الاقتصادية.

  • حركة الحقوق المدنية في القرن الحادي والعشرين:

في العقد الأخير، شهدت الولايات المتحدة تجددا في حركة الحقوق المدنية، حيث نشط الطلاب مجددا ضد التمييز العنصري والظلم الاجتماعي، وتميزت هذه الحركة بالتظاهرات السلمية والمطالبة بإصلاحات في العدالة الاجتماعية ونظام العدالة الجنائية.

  • حركة البيئة والمناخ:

في العقد الأخير أيضا، ازدادت مشاركة الطلاب في حركة البيئة والمناخ، حيث نظموا مسيرات واحتجاجات من أجل التصدي لتغير المناخ والحفاظ على البيئة. وكانت هذه الحركة تستند إلى العلم والبيانات، وكان لها تأثير كبير في رفع الوعي ودفع السياسيين إلى اتخاذ إجراءات جادة في هذا الصدد.

بتطبيق هذه النماذج أو بعضها على الواقع الحالي مع ما تسطره هذه المظاهرات من موقف وزخم ورسالة مهمة موجهة لأميركا والعالم، يتجلى السيناريو الأسوأ للحكومة الأمريكية وإسرائيل، وهو الخوف من تكرار تجربة الموقف من فيتنام. ولعل الحدث لم ينته بعد، لكن المشهد بات واضحا.

ومع استمرار الحراك الطلابي واتساعه، سنشهد نتيجة له تبعات خطيرة وفعالة لصالح قطاع غزة على وجه الخصوص والقضية الفلسطينية عموما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.