شعار قسم مدونات

كيف نطور الوظيفة الدبلوماسية للمراسل الصحفي؟

يجب تطوير دراسة دور المراسلين الخارجيين في التأثير على اتجاهات السياسيين والنخب في دولة معينة (بيكسلز)

خلال تجربتي الأكاديمية التي تجاوزت 40 عاما، حاولت أن أفتح أمام طلابي في كليات وأقسام الإعلام في الجامعات العربية آفاقا جديدة، وأن أطور قدراتهم للقيام بوظائف متعددة، وأدوار متنوعة، وكان من أهم الأفكار التي حرصت على تطويرها أن الجامعات يجب أن تستهدف تخريج القادة وتأهيلهم للتعبير عن مجتمعاتهم، وأن كليات وأقسام الإعلام يجب أن تقوم بتأهيل قيادات إعلامية، تقوم بإنشاء وسائل إعلامية جديدة تشبع حاجة الجماهير للمعرفة، وأن الإعلامي يمكن أن يقوم بدور مهم في تشكيل الرأي العام، وبناء الصورة الذهنية لدولته وأمته في أذهان الشعوب الأخرى.

أثارت تلك الأفكار الجديدة خيال الشباب من دارسي الإعلام، لكنها أيضا سببت لي الكثير من المشكلات، وربما أسهمت في إثارة السلطة التي تريد أن تتحكم في الإعلام، وأن الإعلامي يجب أن يكون أسيرا للواقع، فلا يتطلع لتغييره، وأنني عدت من بريطانيا لأروج لأفكار خيالية عن حرية الإعلام وديموقراطية الاتصال، وحق الجمهور في المعرفة، لذلك تعرضت للكثير من الظلم والاضطهاد.

وكان من بين الأفكار التي طورتها، أن مراسلي وسائل الإعلام في الدول الأجنبية يمكن أن يقوموا بأدوار ووظائف جديدة منها الدبلوماسية الإعلامية، والدبلوماسية العامة، وأن يبني المراسل صورة إيجابية لدولته وأمته.

أصبحت وسائل الإعلام هي المصدر الرئيس الذي يحصل منه صناع القرار في الدولة على المعلومات والمعرفة عن الدول الأخرى، ويحددون طبقا لها مواقفهم.

يجب أن تغطي الأحداث.. ولكن!

خلال محاضراتي أوضحت لطلابي أن للمراسل الصحفي دور يتجاوز في أهميته تغطية الأحداث للوسيلة الإعلامية في الدولة التي يعمل بها، فهو يسهم في بناء صورة الدولة في أذهان الجمهور، ويشكل معرفة الجمهور عن الدولة ونظامها السياسي والاقتصادي.

لذلك يسهم في بناء العلاقات الدولية، وتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة التي ينتمي لها، ويؤثر على القرارات التي يصنعها السياسيون والدبلوماسيون، فلقد أصبحت وسائل الإعلام هي المصدر الرئيس الذي يحصل منه صناع القرار في الدولة على المعلومات والمعرفة عن الدول الأخرى، ويحددون طبقا لها مواقفهم. فتؤثر تغطية المراسلين الصحفيين الأجانب للأحداث في الدولة على صناع القرارات، واتجاهاتهم وقدرتهم على صنع السياسة الخارجية.

دورهم مهم في الدبلوماسية العامة

تقول كريستينا أرشيتي أستاذة السياسة والإعلام بجامعة سالفورد: إن مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية يقومون بدور مهم في الدبلوماسية العامة، فهم يقومون بالتأثير على الرأي العام عن طريق المعرفة التي يوفرونها له عن الأحداث.

لذلك تزايد الاهتمام بدراسة دور تغطية الشؤون الخارجية في التأثير على النخب والسياسيين وصناع القرار وتشكيل اتجاهاتهم نحو الدولة.

كما تؤثر تلك التغطية على جماعات المصالح واهتمامها بالدولة الأجنبية، والاتصال معها، والثقة فيها.

دراسة دور المراسلين في تغطية أحداث الدول يمكن أن يسهم في زيادة فهمنا للسياق الاتصالي للقرن الـ 21، والذي يتم فيه بناء العلاقات الدولية والتحالفات طبقا لإدراك الجماهير لصورة العالم ولمكانة كل دولة فيه.

في إطار الاتصال بين الثقافات

والقرارات التي يتخذها السياسيون وجماعات المصالح في الدولة تتم في ضوء عملية اتصال بين الثقافات، وتقوم التقارير التي ينتجها المراسلون الصحفيون بالتأثير على البيئة الثقافية التي يتم فيها اتخاذ القرارات، وتحديد أهداف السياسة الخارجية، وتقييم أهمية العلاقة مع دولة معينة، وما يمكن أن تحققه للدولة من مصالح.

لذلك يجب تطوير دراسة دور المراسلين الخارجيين في التأثير على اتجاهات السياسيين والنخب في دولة معينة، وتشكيل العلاقات الدولية، بالإضافة إلى دور المراسلين في الدبلوماسية الإعلامية. وهذه الدراسة يمكن أن تفتح مجالات واسعة لتطوير الدراسات الإعلامية والسياسية وتأهيل المراسلين، وتطوير التكامل بين علوم السياسية والإعلام.

في السياق الاتصالي للقرن الـ21

دراسة دور المراسلين في تغطية أحداث الدول يمكن أن يسهم في زيادة فهمنا للسياق الاتصالي للقرن الـ 21، والذي يتم فيه بناء العلاقات الدولية والتحالفات طبقا لإدراك الجماهير لصورة العالم ولمكانة كل دولة فيه.

فهذا القرن سوف يشهد عملية تغيير شاملة، وستحدد مكانة كل دولة طبقا لقدرتها على تقديم نفسها للعالم، وبناء سمعتها وصورتها وحضورها على المستوى الدولي.

والمراسل الخارجي يمكن أن يسهم في زيادة قوة الدولة عن طريق تعريف الجماهير بها ورواية قصتها، وتصوير هويتها ومبادئها، وبذلك يقوم بدور مهم في بناء العلاقات الدولية.

يقوم المراسل الخارجي بدور مهم في نقل المعرفة ورواية قصة الدولة وتجاربها، وهذا يؤثر على صورتها في أذهان الجماهير.

في الدبلوماسية الجديدة

القرن الـ21 يحتاج إلى تطوير دبلوماسية جديدة تقوم فيها وسائل الإعلام بدور نقل المعرفة وتبادلها بين الشعوب، والمعرفة تسهم في تشكيل العلاقات طويلة المدى التي تتجاوز النظم الحاكمة ونظرتها الضيقة لمصالحها.

لذلك يقوم المراسل الخارجي بدور مهم في نقل المعرفة ورواية قصة الدولة وتجاربها، وهذا يؤثر على صورتها في أذهان الجماهير.

إعادة بناء المفاهيم

إن دراسة الدور الدبلوماسي للمراسل الصحفي يمكن أن تفتح المجال لتطوير مفاهيم الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الجديدة والدبلوماسية الإعلامية، وبناء نظريات جديدة للعلاقات الدولية.

فنتيجة لتزايد الاهتمام بالاتصال مع الشعوب، والتأثير على الرأي العام، تطور اهتمام الدول باستخدام الصحفيين خاصة المراسلين الأجانب في نقل المعرفة عن الدولة، والتعريف بالدور الذي يمكن أن يقوم به المراسلون الأجانب في الدبلوماسية العامة.

وقد ظهر ذلك بوضوح في الإستراتيجية الأميركية للدبلوماسية العامة التي أكدت على أهمية الاتصال بالصحفيين الأجانب، وبناء العلاقات معهم بهدف توسيع مجالات الاتصال بالجماهير في الدول الأجنبية.

وقد أكد تقرير أصدره قسم الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية على أهمية دور الصحفيين الأجانب في الدبلوماسية العامة وضرورة الاتصال بهم بشكل مستمر.

المسؤولين الأميركيين لا يهتمون بالمراسلين الذين ينتمون لدول يرون أنها أقل أهمية للمصالح الأميركية، أو لا تحتل أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية.

العلاقات بين الحكومة والمراسلين

أكد التقرير أيضا على ضرورة أن يكون هناك اتصال مستمر بين الحكومة والصحفيين الأجانب، وحل مشكلاتهم، فالكثير من الصحفيين الأجانب في الولايات المتحدة يشعرون بأنه يتم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وأنه لا يتم التعامل معهم بما يستحقه الدور الذى يقومون به من اهتمام.

كما طالب التقرير المسؤولين الأميركيين بسرعة إطلاع المراسلين الأجانب على القرارات والأحداث وتسهيل حصولهم على المعلومات، والاستجابة لطلباتهم بإجراء المقابلات معهم.

وأشار التقرير إلى أن المسؤولين الأميركيين لا يهتمون بالمراسلين الذين ينتمون لدول يرون أنها أقل أهمية للمصالح الأميركية، أو لا تحتل أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية.

كما أشار التقرير إلى أن المراسلين الأجانب يواجهون صعوبات في مقابلة المسؤولين الأميركيين، ووجه التقرير اللوم للمسؤولين، لأن ذلك يقلل من فرص الولايات المتحدة فى الوصول للجماهير.

استغلال المراسلين

أشارت تقارير أخرى قدمت لوزارة الخارجية الأميركية إلى أهمية الدور الذى تقوم به وزارة الخارجية الفرنسية، في إطلاع الصحفيين الأجانب بشكل مستمر على الأحداث، وتقديم المعلومات لهم، وبذلك تحقق فرنسا ما لاتستطيع الولايات المتحدة تحقيقه عن طريق بناء علاقات مع مراسلي وسائل الإعلام الأفريقية.

كما أشارت إلى أن إسرائيل تقدم خدمات تتميز بالكفاءة للمراسلين الأجانب، حيث تقوم بتسهيل وصولهم بشكل سريع للمتحدثين والمعلقين والمسؤولين في إسرائيل.

لكن من الواضح أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تستغل المراسلين الأجانب لنقل روايتها للأحداث، والتقليل من فرص وصول الرواية الفلسطينية، حيث تقوم بنقل المراسلين بسرعة لمواقع الأحداث، وتوفير المتحدثين الذين يمكن أن يقدموا للمراسلين المعلومات التي تبرر الأعمال التي تقوم بها ضد الفلسطينيين الذين تتهمهم بالعنف و الإرهاب.

وبذلك استغلت دولة الاحتلال الإسرائيلي المراسلين خلال فترة طويلة من الزمن في بناء صورتها، وتشويه صورة العدو ومنع المراسلين من الوصول إلي شخصيات فلسطينية تستطيع أن تدافع عن الموقف الفلسطيني.

هذه التجربة توضح ضرورة تعليم المراسلين وتأهيلهم لتجنب محاولات استغلالهم من جانب دولة معينة في الدعاية، ودفعهم للتحيز لها، والترويج لروايتها.

نحن في عصر جديد تتزايد فيه حاجة الدول لتطوير علوم جديدة من أهمها الدبلوماسية الاعلامية، وتأهيل المراسلين الصحفيين ليقوموا بوظائف متنوعة مع الحرص على عدم استغلالهم

عدم وجود المصادر

لكن في الكثير من الدول يعاني المراسلون الخارجيون من عدم توفر المصادر، حيث أن معظم المسؤولين يخافون من توفير المعلومات للمراسلين، وتميل الكثير من الدول إلى عدم الشفافية واخفاء المعلومات، وهذا يجعل هذه الدول غير جذابة للمراسلين الذين لا يتمكنون من إنتاج تقارير تجذب جماهيرهم وتتمتع بالمصداقية.

وهذه الدول تخسر القلوب والعقول في الدول الأخرى، لأنها لا تستطيع الوصول لها بمعلومات جذابة وصحيحة، وهي لا تفهم عمل المراسلين أو وسائل الإعلام، فتفقد الكثير من الفرص لبناء مكانتها الدولية.

لذلك حاولت أن أطور رؤية جديدة لتأهيل مراسلي وسائل الإعلام ، والوعي بالأدوار التي يمكن أن يقوموا بها، ولكي يتمكنوا من تجنب استغلالهم في الترويج لرواية الدول التي يعملون بها، وكيف يمكن أن ينتجوا تقاريرهم وتغطيتهم للأحداث بكفاءة اعتمادا على مصادر متعددة ومتنوعة، والوعي بتأثير تغطيتهم للأحداث على السياسة الخارجية لدولهم وللدول التي يعملون فيها كمراسلين.

إننا في عصر جديد تتزايد فيه حاجة الدول لتطوير علوم جديدة من أهمها الدبلوماسية الاعلامية، وتأهيل المراسلين الصحفيين ليقوموا بوظائف متنوعة مع الحرص على عدم استغلالهم، والتأثيرعلى تغطيتهم للأحداث.

كما تحتاج كليات وأقسام الإعلام لمراجعة مقرراتها وتطويرها بما يتناسب مع هذا العصر، لتأهيل خريجيها لفهم هذا العالم الذي يعملون فيه، والقيام بأدوار جديدة كدبلوماسيين إعلاميين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.