شعار قسم مدونات

رسائل الشعر في الحروب

تصميم لدخول الحرب على غزة 200
ستون عاما من القتل تكفي لكي يحتفي قاتل بالذي قتله (الجزيرة)

ترابط الكلمة الأدبية في معمعان اللحظات الحاسمة، وتواصل دور المواجهة والكفاح جنبا إلى جنب مع الأدوار الأخرى، في ميادين صناعة الفجر وانتظار إطلالة شمس التحرير وهزيمة المحتلين. ألم تطرق الأسماع قادمة من أتون النزال أبيات الشعر العربي المعاصر؟ وقد سطرت كفاحها وحملت رسائلها بكل العنفوان بريدا عابرا إلى الآذان يقرأ دوي الكفاح ويجالد المعتدين مصورا تلاحم الأدبي والمادي في صناعة المقاومة وأدوارها الظرفية بشكل عام، وذلك حين أنصتت الجموع لخطاب المقاومة منشدا من ثغور الجهاد، مقتطفا أدبيا من نص من الشعر المكتوب على وقع انتفاضات العزة، ومن أبيات هذ النص:

ستون عاما وما بكم خجل .. الموت فينا وفيكم الفزع

ومن كل فج ترقب الفجر طالعا

وعن نظرات القدس قد حجب الفجر

ويصب الشاعر تميم البرغوثي، ضمن أبياته هذه ببحر المنسرح، جام غضبه على العدو، فتأتي الأبيات حمما لا تردها القبة الحديدية، ولا تقصف أوزانها الغارات الآثمة، فتبقى صدى مجسدا لدور الحرف الأدبي في سوح النصر والكرامة، ونشيدا للأبطال في الثغور وهم يحمون الأوطان ويضربون أروع الأمثلة في الإباء والكرامة والصمود رغم كل التكالب وقلة النصير.

عبر البحر الشعري ذاته ووزنه المتئد اتئاد حراس الثغور المعززين بالثبات والبطولة، كان الشاعر قد أنجز القطعة الشهيرة التي يصور فيها الليل العربي قبل سنين فقال:

الليل يبدو لأمتي أبدا .. كأن وعد الصباح راح سدى

ثم يخترق حجب الظلام بالمعطف الفلسطيني، معبرا للأمة والغيورين من أبنائها:

لكن إذا ما أبصرت أوجهكم .. وجدت وجه الظلام مرتعدا

ويواصل في هذا التأييد والأزر للجماهير الطامحة إلى فجرها المسلوب:

لا تحزنوا إن غزوا بلادكم .. في كل صبح سنبتني بلدا

أبا الفخر لا أسر شربت به النوى

ولكن أسر الحلم فينا هو الأسر

لقد كان لهذا النغم الشعري مداه في الوسط العربي، وجاء جزءا من رصيد حضاري اضطلعت به الرسالة الفنية والأدبية في طريق لا غنى فيه عن المؤازرة بالكلمة، التي تجيش الشعور وتفصح عن الأمل وتوجه سهامها نحو العدو لتقريب ساعة النصر.

تلقفت الساحات الأدبية هذا البوح العربي المتناغم ضمن أهازيج تتلوها الأصوات الصادحة باسم شعوبها المتماهية مع قضيتها الأهم فكان الشاعر الموريتاني محمد الطالب يذيع حينها عربيا مقالته الشعرية الملخصة يومها لمسيرة اختطاف فلسطين: "فستون عاما من القتل تكفي، لكي يحتفي قاتل بالذي قتله، وستون عاما وها نحن نمضي على قدم الأسئله" وعلى نمط مسافة الصفر يواجههم باستخدام الإرث الرمزي "وسميت طفلك بالأمس يعقوب لكن طفلي أنا اليوم سميته حنظله، ومهما فعلت فلي حنطة وأعرف كم عدد الحب في السنبله".

كما كان قد تلا في تلك الأجواء الأدبية حينها، مخاطبا أبا فراس الحمداني في أسره، ومتناولا مركزية القضية الفلسطينية إسلاميا وعربيا:

ومن كل فج ترقب الفجر طالعا .. وعن نظرات القدس قد حجب الفجر

ولأن الشعر العربي ينظر إلى الإعاقة الحاصلة وعواملها المساهمة في فتح الباب للاحتلال وجرائمه، قال الشاعر ضمن النص:

أبا الفخر لا أسر شربت به النوى .. ولكن أسر الحلم فينا هو الأسر

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.