شعار قسم مدونات

"لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها" صراع السرديات (2)

"أيباك" تختتم مؤتمرها السنوي بواشنطن
المؤتمر السنوي لأقوى منظمات الضغط وأكثرها تأثيرا في الولايات المتحدة AIPAC (الجزيرة)

يقول إدوارد بيرنز، في كتاب بلورة الرأي العام: "إذا كان بإمكانك التأثير على القادة، سواء بتعاونهم الواعي أو غير الواعي، فإنك تؤثر تلقائيًا على المجموعات التي يحكمونها".

وفي لغة السياسة، مجموعات الضغط، المعروفة أيضا باسم مجموعات المصالح أو اللوبيات، هي منظمات أو جمعيات يشكلها أفراد أو جهات لديهم مصالح أو أهداف مشتركة للتأثير على سياسات الحكومات وقراراتها. وتهدف هذه المجموعات إلى الدفاع عن قضايا محددة، أو تعزيز قضايا معينة، وتشكيل السياسة العامة حول تلك القضايا بما يتماشى مع مصالح أعضائها. ومن المهم أن نعرف أن مجموعات الضغط تلعب دورًا بالغ الأهمية في المجتمعات الديمقراطية، من خلال التوجيه لرسم وتمثيل الصورة المتوافقة مع الأجندة الخاصة بها.

تتمتع "أيباك" بحضور قوي في واشنطن على جميع الأصعدة السياسية والثقافية. وتعمل على الضغط المباشر والتأثير من خلال التفاعل مع أعضاء الكونغرس الأميركي بشكل شخصي في كل ما يتعلق بإسرائيل

تستخدم هذه المجموعات عددا من الاستراتيجيات للتأثير على عملية صناعة القرار السياسي، قد تشمل الضغط على المشرعين، ورفع الدعاوى القضائية، وإدارة حملات المناصرة أو المناهضة، وتنظيم الحراك الشعبي.

  • يتساءل أحدهم: ما سبب دعم الولايات المتحدة الدائم وغير المشروط لإسرائيل؟
  • يجيبه آخر: إن من أهم أسباب ذلك الدعم هو قوة تأثير اللوبي الإسرائيلي على صناع القرار في البيت الأبيض.

في الولايات المتحدة الأميركية يوجد عدد كبير من مجموعات الضغط، أهمها على الإطلاق لوبي الرابطة الوطنية للبنادق (NRA)، والرابطة الأميركية للمتقاعدين (AARP)، واللوبي الصهيوني المعروف بلجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC). وهي أقوى منظمات الضغط وأكثرها تأثيرا في الولايات المتحدة، خاصة في المسائل المتعلقة بالعلاقات الأميركية الإسرائيلية وسياسات الشرق الأوسط.

هذه المنظمة حافظت منذ تأسيسها عام 1954م على ترسيخ علاقة قوية جدا مع صناع القرار الأميركي، ورسم سردية معينة مستقرة في الوجدان الشعبي العام، من خلال عدد من الاستراتيجيات التي سأتطرق لها فيما يلي لكي تكون مفتاحا لفهم كيفية عمل مجموعات الضغط في الدول الديموقراطية بشكل عام وفي أميركا بالخصوص:

  • سياسة الضغط المباشر: تتمتع "أيباك" بحضور قوي في واشنطن على جميع الأصعدة السياسية والثقافية. وتعمل على الضغط المباشر والتأثير من خلال التفاعل مع أعضاء الكونغرس الأميركي بشكل شخصي في كل ما يتعلق بإسرائيل، وغالبا ما يبدأ ذلك من خلال دعم البرلمانيين وجمع الأصوات لهم لاكتساب ولائهم، بهدف حشد التأييد للدفاع عن السياسات المؤيدة لإسرائيل داخل المجلسين.
  • المساهمة الفاعلة في الحملات الانتخابية: من المعروف أن "أيباك" وأعضائها يقدمون مساهمات مالية ولوجستية ومعنوية في الحملات الانتخابية الأميركية لكل من مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ويمكن لهذه المساهمات أن تؤثر على عملية صنع القرار السياسي بحيث يكون المرشحون أكثر ميلا إلى دعم السياسات الموالية لإسرائيل مقابل ضمان الدعم المالي والانتخابي، وإنجاح الحملات.

ومن المهم هنا الإشارة إلى أن "آيباك" ليست لجنة عمل سياسي ولا تتبرع بشكل علني مباشر للمرشحين السياسيين، ولكنها تشترط على أعضائها التبرع لحملات أعضاء معينين في الكونغرس من أجل الحصول على مزايا العضوية الحصرية.

يعمل اللوبي الصهيوني بشكل صريح على رصد مبالغ سخية للمؤسسات الإعلامية سواء المملوكة لأعضاء داخل اللوبي أو من غيرهم. كما تستميل دائما الأصوات والأقلام الصحفية المؤثرة في الساحة الأميركية من خلال الدعم المالي السخي أو النفوذ والتسهيلات.

وتفتخر "آيباك" دائما بحصولها على دعم الحزبين الأقوى في الولايات المتحدة، وتسعى جاهدة للحفاظ على قاعدة واسعة من الدعم عبر الطيف السياسي. وهذا الإرث الواسع يسمح لها بممارسة النفوذ على زعامات كلا الحزبين السياسيين.

  • إدارة شبكة العلاقات العامة والتعليم: تقوم "آيباك" بحملات علاقات عامة ومبادرات تعليمية لاطلاع صناع القرار والصحفيين والجمهور على وجهة نظر إسرائيل حول مختلف القضايا. ويشمل ذلك تنظيم المؤتمرات والندوات والإحاطات لعرض قضيتهم وتوفير منصة للأصوات المؤيدة لإسرائيل. ويمتد تأثير "آيباك" إلى العلاقات التي تعززها مع السياسيين وصانعي السياسات والمسؤولين الحكوميين، وحتى القضاة والمشرعين الأميركيين. وتستضيف بانتظام الأحداث والمؤتمرات والاجتماعات العلنية والسرية، بحيث يناقش أفرادها صفقات تبادل المصالح الحزبية داخل المجلسين بشكل مباشر. ويمكن لهذه العلاقات أن تؤثر على مناقشات السياسات والقرارات التي تطرح في البرلمان.
  • التأثير على الرأي العام الأمريكي: تعمل "آيباك" أيضا على توجيه وتشكيل الرأي العام حول العلاقات الأميركية الإسرائيلية، من خلال التأثير على مواقف المسؤولين المنتخبين بتأطير النقاشات المقدمة في مجلسي الشيوخ والنواب، والخطاب الرسمي، بحيث تدعم السردية الصهيونية التي تظهر إسرائيل كحليف استراتيجي دائم، وضامن للتغيير الديموقراطي في المنطقة، والمحافظ – الأكثر ثقة – على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وبالتالي تصدر هذه السردية إلى الرأي العام بعد تبنيها ولدى "آيباك" شبكة شعبية واسعة من المؤيدين في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ويتم تشجيع هؤلاء المؤيدين على التعامل مع ممثليهم المحليين وأعضاء مجلس الشيوخ من خلال حملات كتابة الرسائل والمكالمات الهاتفية والاجتماعات للتعبير عن دعمهم للسياسات المؤيدة لإسرائيل.
  • دعم الإعلام المؤيد: حيث يعمل اللوبي الصهيوني بشكل صريح على رصد مبالغ سخية للمؤسسات الإعلامية سواء المملوكة لأعضاء داخل اللوبي أو من غيرهم. كما تستميل دائما الأصوات والأقلام الصحفية المؤثرة في الساحة الأميركية من خلال الدعم المالي السخي أو النفوذ والتسهيلات.
  • بناء التحالفات: تتعاون "آيباك" في كثير من الأحيان مع منظمات أخرى، بما في ذلك الجماعات اليهودية والمؤيدة لإسرائيل، لبناء تحالفات أوسع يمكنها ممارسة التأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

خلاصة ما سبق هي أن فكرة إنشاء لوبي عربي داعم للقضية الفلسطينية ليست بالأمر المستحيل، خصوصا إذا ما عرفنا كيفية لعب هذه الورقة بالطرق المشروعة والمستساغة "ديموقراطيا" وقانونيا في الغرب.

نموذجي مجموعات الضغط العربية حديثة النشأة المتمثلة في اللوبي السعودي (سابراك) والإماراتي تستحق الذكر أيضا رغم عدم وصولهما إلى النتائج المرجوة منها بعد.

ولا يخفى على أي متابع للشأن السياسي الأميركي أن هناك العديد من مجموعات الضغط الأجنبية الفاعلة في واشنطن، منها على سبيل المثال: منظمة (USISPF) الهندية التي تدعم الحضور الهندي الثقافي والسياسي والاقتصادي المتزايد في الولايات المتحدة. وهناك أيضا منظمة التجارة الخارجية اليابانية (JETRO) التي تدير منتدى ثقافي سياسي ذو تأثير مهم إلى جانب التعاون الاقتصادي والأمني بين اليابان والولايات المتحدة. وهناك الكثير غيرهم من اللوبيات الأجنبية المؤثرة في واشنطن.

وبالتأكيد هناك أيضا لوبيات عربية عدة، لكنها ضعيفة جدا وغير مؤثرة. والأهم من ذلك أنها ليست سواء في اهتمامها ورؤيتها للقضية الفلسطينية، ولا تركز في الغالب إلا على المصالح الخاصة بدولها، بل إن بعضها يسعى للترويج لفكرة التقارب والتطبيع مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية. لذلك يجب أن نؤكد على أن التمثيل المطلوب في هذا المسار الإستراتيجي – الذي نطرحه في هذا المقال – هو أن تكون القضية الفلسطينية من ركائزه الأساسية التي ينطلق منها. لأن قضية فلسطين هي القضية المركزية الجامعة للعرب، وفلسطين هي آخر ضحايا النير الاستعماري في المنطقة.

وجدير بنا هنا ألا ننسى المحاولات العربية المحمودة التي تمخض عنها إنشاء الرابطة الوطنية للأميركيين العرب (NAAA) في عام 1972، لكنها للأسف لا ترقى إلى أن تقارن بالنماذج سابقة الذكر من مجموعات الضغط؛ لكونها تفتقر لعناصر عديد يضيق المكان والزمان عن استعراضها في هذا المقال.

وأخيرا، لعل نموذجي مجموعات الضغط العربية حديثة النشأة المتمثلة في اللوبي السعودي (سابراك) والإماراتي تستحق الذكر أيضا رغم عدم وصولهما إلى النتائج المرجوة منها بعد.

إن التلاعب الواعي والذكي بالعادات والآراء المنظمة للجماهير هو عنصر مهم في المجتمع الديمقراطي.

  • إدوارد بيرنيز من كتاب البروباغاندا السياسية
  • المسار الثاني: وسائل إعلام موجهة للغرب

من المهم جدا إنشاء وسائل إعلام عربية التمويل تعنى بقضايا الداخل الغربي وتتماهى مع المجتمعات الغربية بحيث تكسب الثقة والمتابعة أولا، ومن ثم تمرر السردية الخاصة بنا عن طريق رسائل "خطابية" مدروسة بعناية فائقة. بالإضافة إلى تمويل بعض المؤسسات الإعلامية النافذة والمؤثرة في الغرب؛ فالتمويل السخي، يمهد الطريق أمام تمرير الأجندات الخاصة، (ولا حرج في ذلك مادام لا يخالف قوانين البلدان).

لقد مثلت تجربة (الجزيرة أميركا) القصيرة نسبيا، نموذجا جيدا، حيث كانت قادرة – منذ إطلاقها عام 2013 – على الوصول إلى60 مليون مشترك من أصل 100 مليون بيت مزود بخدمة الكابل أو لاقط الأقمار الاصطناعية في الولايات المتحدة.

إلا أنها لم تستطع اكتساب الثقة الشعبية الأميركية لعدة عوامل، منها ارتباط اسمها المباشر بالصورة الذهنية السلبية المرسومة عن الشرق الأوسط في الغرب. كما أن طرحها لقضايا الشرق الأوسط كان أكثر جرأة وحدة مما قد تستسيغه عقلية الشارع الأميركي في ذلك الوقت.

ربما من المناسب جدا في هذا المسار أن يستفاد من بعض التجارب الإعلامية الأجنبية الناجحة في التماهي مع الشارع الأميركي، مثل تجربة (بي بي سي وورلد نيوز) التي تقدم برامج "التوك شو" وبرامج الأخبار الدولية والشؤون السياسية للأميركيين من وجهة نظر بريطانية. وهي متاحة على نطاق واسع في أنظمة الكابلات الأميركية.

كذلك هيئة الإذاعة الدولية الألمانية (DW) ، وفرانس 24 الفرنسية النسخة الناطقة بالإنجليزية والموجهة للأميركيين.

و(NHK World) التابعة لهيئة الإذاعة العامة اليابانية والتي تقدم برامج إخبارية وثقافية من منظور ياباني.

الصين أيضا لها حضور جيد على شاشات المواطنين الأميركيين من خلال CCTV News.

يقول أكثر من 73% من مستخدمي الإنترنت حول العالم إنهم أصبحوا أكثر اطلاعا على الأحداث الجارية -الخارجية والمحلية- بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت

  • دراسة نشرها مركز بيو للأبحاث في العام 2022 بعنوان: Views of social media and its impacts on society

 

حملات التفاعل الموجهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي

هذا المسار "التكتيكي" تقع مسؤوليته على الأفراد بشكل أساسي، وبعدهم المؤسسات الإعلامية وصناع المحتوى. حيث تضغط الجماهير من خلال التفاعل المتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح تأثيرها يتجاوز تأثير الإعلام التقليدي بمراحل كبيرة.

يجب استغلال هذه الوسائل الحديثة بشكل فعال بحيث تنقل الواقع المعاش في الأحداث السياسية في الشرق الأوسط، ليس فقط ما يحدث في غزة اليوم، وإن كانت له أولوية المرحلة، ولكن كذلك كل ما يعاني منه الفلسطينيين من ظلم وتعدي على الحقوق.

ويكون ذلك من خلال حملات جماعية مكثفة تتفاعل مع كل حدث أو أزمة، لتوجيه الرسائل بشكل مباشر إلى الغرب وبلغاتهم، عبر صناعة محتوى يستهدف كافة الفئات العمرية وعلى رأسها فئة الشباب.

كذلك استغلال المنصات الأقل تأثرا بالرقابة الغربية مثل منصة Tik Tok الصينية، ومنصة X التي أصبحت تعطي هامشًا أكبر من حرية التعبير بعد أن امتلكها رجل الأعمال إيلون ماسك. وبالتأكيد الاستمرار في النشر والتفاعل عبر المنصات الأخرى التي تفرض رقابة على المحتوى المخالف للسردية الصهيونية، مثل منصات إنستغرام وفيسبوك وسناب شات الأميركية.

فإذا كانت هذه المنصات لا تسمح بنشر سوى نسبة 3% من المحتوى المناهض لسياسات إسرائيل يوميا، فهذا يعني أنه يجب علينا كمستخدمين أن نزيد من نسبة نشرنا، وصناعتنا للمحتوى أكثر فأكثر. بحيث إذا كانت نسبة الـ 3% من المحتوى المسموح لها بالتدفق هي 300 مقطع أو تغريد من أصل 10000 في اليوم الواحد، فإننا إذا استطعنا أن ننشر 100 ألف مقطع أو تغريدة في اليوم سنتمكن من إيصال 3 آلاف مقطع أو تغريدة يوميا إلى أعداد كبيرة من الجماهير الغربية. وتخيل مدى أثر ذلك.

بحسب موقع searchlogistics.com للإحصائيات، فإن منصة تيك توك الصينية تضم وحدها 1.1 مليار مستخدم حول العالم، منهم 150 مليون مستخدم في الولايات المتحدة وحده، بمعدل تفاعل شهري يصل إلى 73 مليون. وكسرت حاجز المليار مستخدم "متفاعل" شهريا حول العالم، بـ 2.7 مليار تنزيل، منها 220 مليون تنزيل في الولايات المتحدة في العام الجاري.

هذه المنصة التي بدأت ترفيهية تخاطب فئة المراهقين، أصبحت اليوم أكثر تنوعا وشمولية، ومنصة متعددة الاستخدامات تجذب مستخدمين من كافة الأعمار ما بين 13 إلى 60 سنة، مما يجعلها مثالية لمشاركة الأفكار، وأداة مهمة للقوة الناعمة.

يتعين علينا أن نتحدى هيمنة السردية الصهيونية على الرأي العام الغربي بصناعة سردية خاصة بنا موازية تتبع معايير خطابية مدروسة، واستراتيجيات عمل متقن ومنظم. علينا أن نسعى جاهدين من أجل تمثيل أكثر إنصافا لهذا الصراع المعقد عميق الجذور. ومن خلال هذه الجهود فقط يمكننا أن نأمل في تحقيق انتصار للقضية الفلسطينية العادلة، ثم من بعد ذلك التطلع إلى سلام دائم يحفظ الكرامة لشعوب الأمة العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.